شهر إقرأ

بين العزوف عن القراءة وتنشيطها

رمضان – نريد النهوض فهل نقرأ كما ينبغي في شهر رمضان، شهر إقرأ

125
كتاب مفتوح للمطالعة

رمضان

رمضان شهر القرآن

شهر كلمة “إقرأ” أول ما نزل من القرآن وحيا على قلب محمد صلى الله عليه وسلم

لا يمكن الجمع بين هذا المعلوم من الدين بالضرورة وبين انتشار ظاهرة العزوف عن القراءة في أمة إقرأ

لا يمكن القبول بتعليل اكتفاء كثير من شبابنا وناشئتنا ذكورا وإناثا بنصوص قصيرة مختزلة مهما قيل إن البلاغة في الإيجاز، فقد عرفنا البلاغة القرآنية في قصار السور وطوالها، ولا يغني بعضها عن بعضها.

ثم كيف نتعلم دون قراءة دراسات مسهبة محكمة وكتب علمية مطولة؟

نحن أحوج ما نكون إلى القراءة لأنها المفتاح إلى العلم والتخصص والتفوق، وهي بذلك في مقدمة شروط النهوض مما نحن فيه إلى مستوى لائق بالدور المناط بنا فكرا وثقافة وعلما وأدبا وتقدما وإبداعا.

راغب السرجاني إقرأ

جميع ذلك مستحيل إذا بقينا يسأل بعضنا بعضا بين الحين والحين: كم قرأت هذا اليوم، هذا الأسبوع، هذا الشهر، هذا العام؟ ثم يستحيي من الجواب من سأل ومن أجاب إن أجاب.

ذات يوم على هامش مشاركة دور النشر العربية كضيف شرف في مؤتمر الكتاب الدولي في فرانكفورت، قال أحد العلمانيين العرب جوابا على سؤال: إن العرب أمة لا يقرؤون لأن نبيهم (صلى الله عليه وسلم) وصفهم بالأميين، لا يكتبون ولا يحسبون!

هذا افتراء محض بل إن المسلم آثم إن امتنع عن القراءة والتعلم،  تحقيقا لما تقول به النصوص القرآنية والنبوية..
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} – العلق:1 –  

{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} – الإسراء: ١٢ –

{وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} – البقرة: ٢٨٢ –

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} – الزمر: ٩ –  

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} – فاطر: 28 –

{كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} – الروم: 59 –

ومن الحديث الصحيح:

(طلب العلم فريضة على كل مسلم)

(وإنما العلم بالتعلم)

(من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة)

نحن نعلم بهذه النصوص القرآنية والنبوية وأمثالها، ونعلم الكثير حول التذكير بها في موعظة أو مقالة أو مؤتمر أو خطبة، فلا ينقطع الحديث عن الكلمة وقيمتها ومفعولها، ولكن:

نرصد هذا التذكير المتكرر ونرصد أيضا عدم انعكاس مقتضاه بما فيه الكفاية على أرض الواقع، ومرة أخرى يتجه لوم اللائمين – في هذه الحالة من الأوساط الإسلامية – إلى مَن لا تفيد الموعظة معه، وليس إلى السؤال ما إذا كان أسلوب تقديمها أو توقيته أو مضمونه يحمل في طياته سبب إخفاقها في الوصول إلى القلوب والعقول والممارسات العملية. 

إننا نواجه ظاهرة أشبه بمفعول حفارة لولبية المسننات، ومع كل دورة من دوراتها يزداد عمق الهوة التي نشكو منها، وما نزال نتابع الحفر رغم رؤية النتيجة.

أو هي معضلة مركبة، تتفاقم عبر تقديم ما لا يصلح من حلول، ثم الشكوى من غياب النتيجة، وتكرار تقديم الحلول ذاتها، ليزيد تراكم ما نشكو منه بدلا من إزالته.

لا تنحصر مشكلة العزوف عن القراءة في نطاق شكلي تحدده الكلمات وحدها، فكلمة القراءة المقصودة في هذا الموضوع مجازية، للتعبير عما يشمل مع مسيرة التقدم الحديث كل أسلوب يصلح لميدان من ميادين الحصول على المعلومات، والاطلاع على الآراء والأفكار، واكتساب مختلف المهارات اليدوية والتقنية، والارتقاء إلى مستوى القدرة الذاتية على صعيد ما يعرف بعملية التفكيك والربط والتحليل أساسا للتعامل الهادف مع أجزاء مسألة من المسائل، للوصول إلى طرح موضوعي لحل مشكلة، أو ابتكار تقنية تضيف جديدا، أو تقويم أمر أو قضية بما يدفع ضررا ويجلب فائدة.

إن العزوف عن القراءة بهذا المعنى الشامل المتعدد المستويات والميادين، يعني أننا أمام مشكلة متفاقمة على صعيد الأمية كتابة وقراءة، والأمية علما وتقنية، والأمية بحثا ودراسة، والأمية الشبكية والألكترونية، وغير ذلك مما نحتاج إلى التمعن فيه وفي السبل الفعالة لمواجهته لشق طريق النهوض والتقدم من جديد.

إننا نواجه معضلة مركبة متعددة الوجوه وليس مسألة جانبية ترتبط بجانب ثانوي من جوانب الترف الثقافي، وهي معضلة تمس جوهر قضية القضايا فيما نطرحه حول أسباب التخلف ومتطلبات النهوض، وحول التأخر والتقدم، والفوضى والاستقرار، والضياع والهداية.

إن حب الاستطلاع جزء ثابت من فطرة الإنسان التي فطره الخالق عليها، وهي ما نرصده من سنّ الطفولة حتى الشيخوخة، والإنسانُ بعد ذلك مسؤول عن تنميتها وتوجيهها والاستجابة الواعية لها، أو خنقها والانحراف بها واغتيالها.
والعقل نعمة من الرحمن ميز بها جنس الإنسان عن سواه وعلى سواه من المخلوقات، والإنسان بعد ذلك مسؤول عن استعماله وتوجيهه ما بين ثنائيات الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، وكذلك التقدم والتخلف، والبناء والهدم، والنهوض والسقوط، أي في جميع الميادين التي أراد الله تعالى أن تكون منوطة بالإرادة البشرية، فللإنسان فيها الخيرة من أمره وعليه من بعدُ الحساب على حسب سعيه.

إن رمضان، شهر إقرأ، شهر القرآن، يذكرنا بالمسؤولية الفردية كما ثبتها العديد من النصوص الشرعية كقوله تعالى: { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} -مريم: 95- إنما لا نغفل بعد المسؤولية الفردية، عن مسؤولية الحكومات بأجهزتها وبإمكاناتها عن التخطيط والتنفيذ لبرامج مدروسة هادفة في مواجهة ظاهرة العزوف عن القراءة، وهذا ما يستدعي مثلا – للتوضيح وليس للحصر – إعادة تقويم ما يتعلق بمادة القراءة في المناهج المدرسية، بحيث تنطوي على معناها الشامل في طلب المعرفة، دون الربط الحصري الخاطئ أو الناقص بين تحصيل المعلومة وتحصيل العلامة أو الشهادة، فالدراسة هدف لا ينقضي طلبه بعد سنوات الدراسة وهذا في مقدمة ما يجب أن يصبح بدهية عند كل طالب وطالبة، وليس الهدف المرحلي كافيا بعد سنوات الدراسة، فالقراءة والدراسة والعلم واجبات تتجاوز ذلك وتمتد طوال العمر.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب