رؤية – السياسة الثورية وممارستها
من يعجز عن تجاوز العقبات مسؤول عن الإخفاق، فيجب أن يطور نفسه وعمله أو يدعم هو البحث عن بديل عنه
صحيح أن بعض العبارات التالية تخص الثورة الشعبية في سورية، ومن يمارس السياسة باسمها، إنما هل يوجد فارق جوهري بين هذه الثورة وأخواتها فيما سمي الربيع العربي، وهل يوجد ما يسري عليها ولا يسري على سواها، إلا في حدود بعض التفاصيل؟
الإخفاق..
دون التعرض لطرف بعينه ممن يمارسون السياسة باسم الثورات الشعبية، سواء من الأفراد أو التنظيمات، وبغض النظر عن "التعريفات الأكاديمية" للسياسة والانحرافات القيمية لما يسمى السياسة الواقعية المنفعية أو المصلحية، يبقى من البدهيات الأولية أن السياسة التي لا تحقق أهدافا ذات قيمة هي سياسة عقيمة، وأن المشكلة آنذاك هي مشكلة من يمارسها، وليست مشكلة ظروف وصعوبات يواجهها، فهنا بالذات يحمل "السياسيون" مسؤولية التغلب على العقبات وتحقيق الأهداف رغما عنها، ولا ينبغي لمن يريد لسياسته التطوير لتنجح أن يقول: من يصنع العقبات مسؤول عن الإخفاق، بل يجب أن يقول: من يعجز عن تجاوز العقبات مسؤول عن الإخفاق، فيجب أن يطور نفسه وعمله أو يدعم هو البحث عن بديل أفضل.
الإخفاق يتمثل هنا في أن المعطيات السياسية ذات العلاقة بمسار الثورات وأهدافها أصبحت اليوم أسوأ مما كانت في مطلع الثورات، أي أثناء مرحلة السباق المحموم للنخب خارج ميادينها وساحاتها لتمثيلها سياسيا.
كذلك لا ينبغي اتخاذ عدم مضي الثوار مع السياسيين ذريعة لتبرير الإخفاق، فعندما تفرض السياسة الناجحة نفسها على الواقع الإقليمي والدولي عبر ارتباطها بصانع الحدث الثوري، يمضي الثوار معها، وعندما تقيد السياسة نفسها بأغلال الواقع الإقليمي والدولي، لا يتوقع من الثوار الارتباط بها وبالتالي بتلك الأغلال وما تفرضه.. وقد تحركوا أصلا لكسرها رغم ما يعلمونه من "الثمن الباهظ" المنتظر.
إن الإخفاق السياسي "مبرمج" سلفا -كما يقال- عندما يكون التعامل السياسي مع الثورة بمنطق "الأزمة وحلها" بدلا من التعامل معها بمنطق ثورة "تغيّر"، أي تفرض واقعا جديدا يجب أن يكون هو "رحم" ولادة "السياسة الثورية" المطلوبة.
لا شك في وجود أسباب أخرى للإخفاق السياسي، باتت معروفة لكثرة تداولها، مثل التعددية الكبيرة لتنظيمات أصغر لم تؤثر تأثيرا حقيقيا على صناعة السياسة الثورية، فضلا عن توارث كثير من البوائق وأبرزها روح "الإقصاء" وممارساته، وكذلك المحاصصة، وإهمال الكفاءات، وغياب الصيغة "الاستراتيجية"، وغير ذلك من الأسباب.
شكوى.. وشكوى
صحيح أنه لا جدوى من الاقتصار على الشكوى من غياب السياسة الثورية أو غياب فاعلية ما يوجد من تشكيلات وممارسات سياسية، ولكن لا يملك من يشكون – لا سيما عبر العالم الافتراضي – وسائل إحداث تغيير سياسي بأنفسهم، فشكواهم هي "الضغوط" التي تمثل مهمتهم الفعلية، فيعبرون عن الرفض لما يرصدونه، وعندما تغلب الشكوى بنسبة عالية على رصد الإيجابيات، فمن المفروض بالسياسيين المخلصين ألا "يضيقوا بها ذرعا" أو يتجاوزوها أو ينكروا وجودها أو "يصبروا على أذاها".. المطلوب – من أجل نجاحهم هم – أن يتخذوها منطلقا لمراجعة ما يصنعون وتعديله، لا سيما وأنها ليست من قبيل الشكوى لمجرد الشكوى، بل تستند إلى واقع دموي ومعيشي مشهود، ينشر المزيد من المعاناة يوما بعد يوم، ولا توجد "إنجازات سياسية" كافية للتخفيف من وطأتها، فعدم العمل بموجب الضغوط، يعني "اغتيال الأمل" في حدوث نجاح، والأمل هو "وقود الصبر" لتحمّل مزيد من المعاناة.. مع تصور أن ذلك سيكون "حينا من الزمن" فحسب.
على أن الشكوى المرفوضة هي تلك التي تصدر عمن يتصدرون مواقع "تمثيل" الثورة سياسيا، إذ يشكون بعضهم بعضا فتتحول شكواهم إلى تدافع للمسؤولية أو التنصل منها أو الحرص على ما لا ينبغي الحرص عليه في التعامل مع الثورة، كالمناصب والمكاسب والاتجاهات المتنافرة.
سياسة.. تخدم أهداف الثورة
لا بد من العمل لتجديد المسار السياسي..
لا بد من عملية تغيير جذري في التشكيلات والممارسات الحالية..
لا بد من تحويل كل شكل من أشكال السياسة التي أخفقت إلى سياسة فاعلة هادفة لخدمة الثورة..
ولئن كانت الخطوات العملية تحتاج إلى التلاقي والحوار والدراسة والتخطيط، ومن ثم إبداع الجديد وتطويره المتواصل مع تبدل المعطيات والمتغيرات، فإن بداية الطريق للخطوات العملية هو انتشار الاقتناع العام بسلسلة من القيم والقواعد الأساسية من أجل "سياسة ثورية فاعلة"، ومن ذلك على سبيل المثال:
فن الممكن!
١- السياسة المعاصرة هي فن "فرض الممكن وغير الممكن" من منطلق المسؤولية عمن يمثلهم السياسي من الناخبين أو أصحاب النفوذ والتأثير في بلده.
٢- أصبح "فن الممكن" عند بعض السياسيين في بلادنا عنوانا للحرص على منصب وموقع وعلاقات منفعية، بالخضوع لمن يصنعون الواقع ويغيرونه يوميا.
٣- من يخضع بذريعة "ضعفه السياسي" لواقع يصنعه سواه ويغيره يوميا، يفقد يوميا المزيد من أسباب القوة لأي تغيير مستقبلي.
٤- هل أنت سياسي ثائر؟ فما علاقتك إذن بقيود فن الممكن؟
٥- السياسي الثوري في اللحظة الثورية التغييرية هو من يتقن فن صناعة ما يبدو مستحيلا بمنظور من لا يريد التغيير.
المنصب والموقع
٦- السياسة مسؤولية وكفاءة ونجاح حتمي.. فإن سقط بعض ذلك سقط السياسي نفسه، وإن بقي في منصب أو موقع.
٧- إن كنت سياسيا فليكن أي منصب أو موقع تصل إليه مسؤولية إضافية ووسيلة للممارسة السياسية وليس أداة لأي غرض شخصي.
٨- إن كنت سياسيا فلا تقبل بمنصب أو موقع لا تملك الكفاءة السياسية التي يطلبها ولو كنت صاحب مكانة انتمائية حزبا أو جاها أو قرابة أو مالا أو ارتباطا خارجيا.
٩- إن كنت سياسيا فنجاحك ليس بالعمل من أجله، بل بالعمل لتحقيق من تمثله، وهو الشعب وليس الحزب.
خطأ السياسي
١٠- إن كنت سياسيا فاعلم أن الحياة السياسية رهن بالإنجازات وأن الموت سياسيا هو وقوع خطأ جسيم أو انحراف، حتى وإن وجدت من يمكّنك من البقاء في منصب أو موقع.
١١- إن كنت سياسيا فلا تترك مجالا للخطأ في خطابك السياسي.. إن ما تقول يطلع عليه جميع من تهمهم القضية، وليس طرفا بعينه تطلب رضاه أو سخطه.
١٢- إن كنت سياسيا فاعلم أن خطيئة السياسي أكبر من حيث المسؤولية من خطيئة من يرتكب جنحة وجريمة، وإن لم يرتكب ما يخالف قانونا أو يستدعي محاكمة قضائية.
السياسي المقبول ثوريا
١٣- أهداف الثورة هي أهداف شعبها الثائر، وأقصى ما يستطيعه السياسي هو صياغتها المناسبة، للعمل لها.
١٤- نجاح الثورة بتحقيق أهداف شعبها حتى ولو خسر السياسي أهدافا شخصية.
١٥- أنت من ساسة الثورة؟ أنت تمثل إذن شعبا ووطنا وثورة، ولا تمثل حزبا وتجمعا واتجاها وممولا.
١٦- صلاحية ساسة الثورة رهن بإبداع سياسي ثوري، وليس بممارسات قامت الثورة لتغييرها.
١٧- نجاح السياسي في اللحظة الثورية التغييرية، مرتبط بنهج ثوري ومخطط تغييري، وهما معيار كل ما يصنع ويقول، سيان مع من يتعامل من خارج الثورة.
١٨- أيها السياسي "الثوري".. انقل الثورة ومطالبها إلى تعاملك مع من هم خارجها، ولا تكن جزءا منهم تمثل مطالبهم تجاه شعب الثورة.
١٩- الثورة في حاجة إلى "رؤية سياسية جامعة" و"تخطيط تغييري بعيد المدى".. من صنع الثورة نفسها وليس من صنع حزب أو فئة أو جهة أجنبية.
٢٠- لن تكون سياسيا "ثوريا" ما لم تجعل تسعين في المائة وأكثر من لقاءاتك وجهودك وتفكيرك مرتبطا بمن تمثل من الشعب الثائر، والبقية مع من "يتعاملون" من خلالك مع الثورة.
من يحاسب السياسي الثوري
٢١- السياسي الثوري يستخدم وسائل العصر لخدمة الثورة وأهدافها، ولا تستخدمه لتطويع الثورة وتوجيهها، فذاك هو الإخفاق الأكبر في حمل مسؤوليته.
٢٢- يا أيها السياسي الثوري الذي لا تجد في "تشكيلات سياسية" من يحاسبك على ما تقول وتصنع، أنت المسؤول عن إيجاد آليات وأجهزة للمتابعة والمراقبة والمحاسبة، لك ولسواك.
٢٣- لا تقل ليس للثورة الآن مجلس نيابي وقضاء لمحاسبتي.. الشعب يحاسبك، ورب العباد يحسب عليك كل نفس تتنفسه باسم الثورة.
نبيل شبيب