رؤية – الجهاد والقتال
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.. أي التي شرعها الله تعالى وبينها لعباده فلا يجوز أن نحيد عنها
يقولون.. القتال هو الجهاد.. وليس القتال سوى صورة من صور الجهاد.. فالله تعالى يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة {وجاهدهم به جهادا كبيرا} أي جاهدهم بالقرآن.. بمعاني القرآن.. بأخلاق القرآن.. بقيم القرآن.. بما ورد في القرآن من وسائل كالدعاء والذكر والعبادة والشكر والإحسان والصبر.. وصون الجوارح – وأولها اللسان – عن ارتكاب المحرمات..
هل يعني ذلك أن القتال يأتي في مرتبة متأخرة؟
كلا.. فهو الجهاد بأغلى ما يملك الإنسان.. بنفسه التي بين جنبيه، إن تطلّب الأمر بذلها في ميادين القتال..
ولكن.. يجب أن ننتبه إلى أمرين:
أولهما أمر بسيط، وهو أن الله تعالى جعل أبواب الجهاد عديدة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وهذه من الآيات التي نزلت بمكة المكرمة أيضا قبل الإذن بالقتال..
لا ينبغي للمجاهد المقاتل إذن أن يستهين بإنسان عاجز عن القتال.. ولكن يجاهد بما يستطيع..
كذلك لا يجوز لإنسان عاجز عن القتال لسبب مشروع، أن يختلق لنفسه الأعذار فيقعد عن الجهاد عبر سبل أخرى.. وهو قادر على خدمة الثورة وخدمة المقاتلين بما يملك من كفاءات وإمكانات وإن كان خارج ميادين القتال، كالمال دعما، والتطبيب إغاثة، والفكر والإعلام بيانا وتبليغا وإرشادا.. بل حتى بالسياسة إن استقامت على طريق التغيير..
. . .
أما الأمر الثاني فهو خاص بالمجاهدين المقاتلين..
القتال.. إنما يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الجهاد.. عندما يكون جهادا حقا.. كيف؟..
لا يكون القتال في الإسلام قتالا مشروعا.. إلا إذا حمل صفة الجهاد..
ولا يحمل صفة الجهاد إلا وفق أحكامه الثابتة بالنصوص القطعية الورود والدلالة، ووفق آدابه المعروفة من عهد النبوة وعصر الصحابة، ووفق الأخلاق والقيم التي كانت الرسالة النبوية كلها من أجلها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..
هيهات أن يكون القتال جهادا.. إذا واكبته ممارسات محرمة مثل الكذب والفحش والتكبّر..
هيهات أن يكون جهادا إذا انطوى على الظلم والعدوان.. لا سيما قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق..
هيهات أن يكون جهادا إذا كان فيه طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أو طلب للدنيا الفانية على حساب الآخرة الباقية، أو سعي للشهرة والظهور والاستكبار.. أو الزعامة مع الاستعلاء.. أو تضييع لممارسة الشورى ومكانة القضاء وإقامة العدل على نفسك وتحقيقه لسواك..
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.. سبلنا: السبل التي شرعها الله تعالى وبينها لعباده
ألا إن جميع تلك السبل لا تحيد عن الصراط المستقيم، وإلا كانت من السبل المتشعبة التي تورد الإنسان موارد الهلاك.. وما أتعس من يبذل جهده ووقته وقد يخسر أهله وماله أو حتى يخسر روحه بين جنبيه.. ثم لا يفوز بمرضاة الله، بسبب شوائب المعصية أو فساد الأخلاق أو تسخير موقعه في الميدان لتحقيق رغبة من الرغبات وشهوة من الشهوات، بإغراء من إغراءات الشيطان..
ألا فلنسألنّ الله تعالى أن يجنبنا الزلل، ويهدينا إلى الحق ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.. لتكون الشهادة – إن كتبت لنا الشهادة – بابا لمرضاته في جنته، وليكون النصر – إن كتب لنا النصر – مفتاحا من مفاتيح طلب مرضاته في هذه الحياة الدنيا ونوال حسن الثواب في الآخرة.
نبيل شبيب