رؤية – استهداف تركيا (٢) إمكانات التحرك

وجدت جميع المطالب التركية الرفض الأمريكي والكردي، فهل يراد استفزازها لتتحرك في سورية بريا على انفراد؟

40

 

توضيح.. ومقدمة

(١) استهداف تركيا يعني "الدولة والشعب والوطن"، أما أن يتحول العنوان عند بعض الناقدين وبعض المؤيدين إلى "استهداف إردوجان" تحديدا، ففيه اختزال يشوّه المتابعة لسياسة تركية مؤسساتية متميزة، تتحرك منذ سنوات في حقول ألغام داخلية وإقليمية ودولية، وتحقق الإنجازات رغم ذلك.

(٢) لا يعني ما سيق التهوين من شأن دور إردوجان وأوغلو وأقرانهما وحزب العدالة والتنمية، فتلاقي هذه القيادة مع إرادة هذا الشعب وتطلعاته ومصالحه، هو ما مكّن تركيا من الانتقال خلال فترة وجيزة نسبيا إلى المستوى الذي أصبحت عليه سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وبالتالي إلى موقع متميز متفاعل مع الثورات الشعبية العربية.

(٣) الحديث عن استهداف تركيا لا يغفل أن المستهدف هو شعوب المنطقة أولا، وتحديدا "الإرادة الشعبية المتحررة"، مما يسري تخصيصا على شعب سورية وشعوب الثورات الشعبية العربية الأخرى، بما فيها شعب فلسطين الذي ظهرت إرادته الثورية في مسلسل الانتفاضات الشعبية واستمرار المقاومة، لأن تحرر الإرادة الشعبية يفتح أبواب صناعة قيادات، وصناعة تقدم، وصناعة مستقبل أمن وسلام وتقدم وعدالة وكرامة وحرية وحقوق.

(٤) ما يتناول النقد للسياسة التركية بأسلوب الردح والتهجم، مع تجريم اعتباطي لكل ما له صلة بالدولة العثمانية غالبا، يفقد قيمته عبر نظرة واحدة إلى السياسة "الواقعية الحديثة" التركية الحالية.

(٥) بالمقابل لا يفيد رفع سقف التوقعات بشأن "ما تصنعه تركيا للثورة"، رغم فهم مفعول "التفاؤل" بسبب وضع الثورة والثوار، والشعب والمعاناة، ورصد ما يصنع إقليميا ودوليا، ولا جدوى من موقف التوقعات الحماسي العاطفي، سلبا أو إيجابا.

(٦) الثابت أن تركيا لم تنقطع على النقيض من سواها عن دعم الثورة بكل ما تقدّر أنه "واجب.. وممكن"، وفي هاتين الكلمتين ما يحدّد قدرة تركيا على التصرف الآن أيضا، ونستطيع تصنيف بعض التصريحات "الواعدة" في خانة "الواجب" كما تراه القيادة التركية، وتصنيف الخطوات الفعلية "الحذرة" في خانة "الممكن" أداؤه من هذا الواجب.

(٦) تميزت السياسة التركية بالقدرة على موازنة المصالح وتوظيفها لتحقيق أهداف بعيدة "واجبة" عبر تحقيق أهداف "ممكنة" مرحلية، وإذا سلكت الحكومة التركية سياسة دعم للثورة في سورية، متهورة أو ارتجالية أو عاطفية، دون حسابات الربح والخسارة داخليا وإقليميا ودوليا، لا بد أن تخسر القدرة على متابعة الدعم، إذ ينهار الأساس الذي يمكّنها من ذلك، وليس هذا من مصلحة شعب سورية وثورته ومستقبله قطعا.

 

بعض أسئلة الواجب والممكن

(١) تجاوز تشكيل التحالف الأمريكي الدولي، وتثبيت أهدافه المعلنة، وخطواته الأولى على أرض الواقع، الإرادة الشعبية الثائرة في سورية تخصيصا، كما تجاوز كافة الثوار العاملين على أرض الثورة، وكافة "السياسيين" العاملين تحت سقف "الائتلاف الوطني" وخارج نطاقه، والسؤال:

هل ينبغي لتركيا أن تنضم إلى التحالف، وتنضوي تحت قيادته الأمريكية، كما هو، دون مطالب ولا شروط، فتتجاوز من تجاوزهم، وتصنع مثل ما يصنع؟

(٢) استهدفت غارات التحالف "داعش" وقوى أخرى كانت في جبهات "القتال ضد داعش" في سورية، وكذلك "قوى وحاضنة شعبية" تطالب بموقع لها في الخارطة العراقية، والسؤال:

هل ينبغي لتركيا أن تصنع ما تصنعه أطراف التحالف الأخرى على هذا النحو، وإن لم تفعل، هل تستطيع أن تشارك "جوا" مع وضع أهداف أخرى مختلفة، ثم لا تعتبر "مشاركتها" هذه مساهمة غير مباشرة على الأقل في ضرب قوى ثورية بتهمة إرهابية أمريكية؟

(٣) يقول جميع المشاركين في التحالف إنهم لن يرسلوا قوات برية إلى أرض سورية، وسيان ما هي الأسباب، سياسية داخلية لديهم، أم سياسية خارجية تتناقض مع ما يقولون رسميا عن عدم إعادة إنتاج النظام الأسدي، أم سياسية إقليمية ودولية ترتبط بما يرونه لمستقبل علاقاتهم مع إيران وروسيا، ويبقى السؤال بالنسبة إلى تركيا:

هل يمكن أن تشارك وحدها "برا"، وتواجه وحدها ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية، أم أن قيادتها تدرك أن هذا "التحرك الانفرادي" بالذات هو ما يمثل جزءا من وسائل "استهداف تركيا"؟

(٤) الموقف الرسمي المعلن فيما يسمى "استراتيجية التحالف" الأمريكية، أن الدعم العسكري بالسلاح والتدريب، لا يشمل جميع الثوار في سورية بل "المعتدلين" وفق المواصفات الأمريكية الغربية وإن لم يوجدوا فيراد صناعتهم عبر سنوات عديدة، كما لا يشمل في العراق سوى نظام مرتبط بطهران وواشنطون معا، وكذلك "الأكراد" ممثلين في زعامة "البرزاني"، والسؤال هنا مزدوج:

أولا: هل تخدم تركيا "الثورة الشعبية في سورية" و"مستقبل العراق" وبالتالي المستقبل الإقليمي بمجموعه، إذا تحركت عسكريا مع التحالف، بصيغة تدعم الجناح الإيراني في النظام الحاكم في العراق، وتستثني حتى إضعاف بقايا نظام الأسد المرتبط بإيران حتى الحلقوم؟

ثانيا: قطعت تركيا شوطا كبيرا واجهت خلاله صعوبات داخلية كبرى، من أجل إيجاد حل لما يوصف بالمسألة الكردية في تركيا وعمرها ثلاثون سنة دامية، هل عليها أن تخاطر بذلك من خلال تدخل عسكري، من شأن شروطه الحالية المصنوعة عبر التحالف أن تبذر بذور نزاع إقليمي أكبر حول مستقبل الشعب الكردي -الذي لا ينبغي بالمقابل إنكار حقوقه المعطلة منذ عشرات السنين- ولا يخفى أن هذه المعضلة بالذات طرحتها معركة "عين العرب / كوباني" بقوة وإصرار خلال الأسابيع الأولى عقب شروع التحالف بغاراته الجوية؟

(٥) ليس مجهولا أن الدولة الروسية تخوض صراعا دوليا مريرا مع الغرب بزعامته الأمريكية، وأن "سورية" تشكل محطة رئيسية إلى جانب "أوكرانيا" في الوقت الحاضر، وليس مجهولا أن نظام إيران أيضا يخوض "جولة حاسمة" من جولات الانتقال بنفسه عبر المساومات مع "الغرب" من موقع "تصدير الثورة إقليميا" كما يعمل منذ ١٩٧٩م، إلى موقع "شرطي إقليمي" بمجال تحرك أكبر مما كان عليه "شرطي الخليج" في عهد شاه إيران قبل ١٩٧٩م، والسؤال:

سيان ما تقرره الحكومة التركية لتحرك عسكري خارج نطاق ما قررته القيادة الأمريكية للتحالف الذي صنعته، سيثير ردود أفعال روسية وإيرانية من قبيل ما يصنع فيما يسمى "معركة حياة أو موت"، فهل يمكن اتخاذ قرار تركي من هذا القبيل، أي دون تغطية "أطلسية"؟

هذا مع ملاحظة أن الدول الغربية جميعا لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تتجنب المواجهة المفتوحة مع روسيا وإيران، ومثال على ذلك رفض واشنطون إرسال أسلحة لحكومة أوكرانيا ضد "الانفصاليين المدعومين من جانب روسيا" وكذلك فساد نوعية "الصداقة" الغربية مع "ثورة الشعب في سورية" رغم ما يحصل عليه الأسديون من دعم عسكري هائل من جانب روسيا وإيران.

 

الحصيلة بإيجاز

طرحت تركيا خلال المفاوضات على تشكيل التحالف، سرا، ثم علنا، وكذلك أثناء المعركة في عين العرب / كوباني، ما يمكن تلخيصه بالعناوين التالية:

(١) حظر جوي أطلسي جزئي على الحدود

(٢) منطقة آمنة لتأمين المشردين من السوريين على الحدود

(٣) الإعلان عن "إسقاط نظام الأسد" هدفا رسميا للتحالف

(٤) إعلان الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المرتبط بحزب العمال الكردستاني المرتبط بدوره بالنظام الأسدي، أن يعلن التخلي عن دعم بقايا النظام وعن مخططات فصل جزء من الأرض السورية عن تراب الوطن المشترك

(٥) دعم الثوار في سورية -من غير داعش- بسلاح نوعي

(٦) تدريب المعتدلين .. وفق التصنيف التركي وليس الغربي للكلمة

ووجدت جميع هذه المطالب الرفض الأمريكي والكردي، سرا ثم علنا، ولا يوجد حتى الآن بوادر للتجاوب معها، وإن حصل سيكون جزئيا فقط.

ولهذا:

(١) لا يتوقع حاليا تدخل تركي واسع النطاق في مجرى الأحداث الحالية.

(٢) ستكتفي تركيا بحماية نفسها، ويبدو أنها تفسر الرفض بأنه "استهداف" لها عبر توريطها في مواجهات انفرادية وسط ظروف لا تمكّن من تحقيق الأهداف التركية بسبب الأهداف المغايرة لها إقليميا ودوليا.

(٣) لن يتوقف خلال ذلك ما تقدمه تركيا للثوار والمشردين من سورية على أرضها وعلى أرض الثورة.

(٤) إذا تبدلت الظروف المذكورة، سيتعدل القرار التركي تبعا لحجم التبدل، وسيبقى التدخل مدروسا وليس ارتجاليا ولا متسرعا.

والله أعلم

نبيل شبيب