رأي – منهجية العمل والقيادة الراشدة شرط النجاح
كل خطوة في اتجاه توحيد الفصائل العسكرية خطوة إيجابية، وكل ثغرة في بناء الجسم العسكري الجديد مصدر خطر عليه
(نشرت السطور التالية عند الإعلان عن قيادة موحدة اندماجية في الغوطة الشرقية في الشهر الثامن ٢٠١٤م، وتنشر مجددا في مداد القلم على خلفية أحداث الغوطة الشرقية في مطلع الشهر الأول من عام ٢٠١٥م)
كل خطوة في اتجاه توحيد الفصائل العسكرية خطوة إيجابية، وكل ثغرة في بناء الجسم العسكري الجديد مصدر خطر عليه.
في الظروف الحالية لمسار الثورة يمكن فهم أسباب سلوك محاولات التوحيد طرقا لا تضمن بقاء بعض الثغرات، منها الاكتفاء بتلاقي قادة الفصائل ومن ورائهم "قادة التمويل" على بنود عملية التوحيد وما يترتب على ذلك هيكليا، لا سيما على مستوى القيادة المشتركة، وعملياتيا لا سيما على مستوى محددات صناعة القرار العسكري.
ولا شك أن استقبال كل خطوة توحيد عسكري، بأسلوب التشكيك، قبل أن تظهر النتائج على أرض الواقع، لا يمثل موقفا منصفا، ولا يخدم مصلحة مسار الثورة، كذلك لا يفيد كثيرا الدخول في التفاصيل التي تظهر عادة في الفترة التالية لقرار التوحيد وإعلانه وليس قبل ذلك، فمن يدخل في التفاصيل يدخل في باب التكهنات تلقائيا، وتؤثر عليه حصيلة محاولات سابقة أخفقت أو سببت مشكلات ما، بدلا من الانطلاق من رؤية الخطوة الجديدة وآثارها الجديدة ليكون موقفه منها أقرب إلى الصواب.
. . .
مع استقبال عملية التوحيد الجديدة في غوطة دمشق، ولأنها بالغة الأهمية، لا يمنع ما سبق من تأكيد عدد من المبادئ والقواعد الأساسية الضرورية لترجيح احتمال النجاح على الإخفاق ومنها:
١- يجب أن يظهر للعيان في كل موقف وبيان وتصريح وخطوة عملية، أن توحيد الفصائل يأتي لتلبية مصلحة مسار الثورة في الفترة الحرجة الحالية، وبالتالي المصلحة العليا للشعب والوطن، فهذا ما له الأولوية على كل ما سواه، لا سيما تأثير أطراف التمويل الخارجية وتعدد ما تتبناه الفصائل من توجهات يفترض أن يبقى اختلافها جانبا إلى ما بعد تحقيق الهدف الأول للثورة: إسقاط بقايا النظام.
٢- تجنب ترسيخ أسلوب "القيادة الفردية" مع إهمال موقع الكفاءات المخلصة، فلم تعد الثورة الشعبية في سورية، ولم تعد المعطيات المعاصرة في عالمنا، تقبل بهذا الأسلوب، فلا بد من القيادة الجماعية القائمة على التشاور والتعاون والمشاركة الواسعة في حمل المسؤولية عن صناعة القرار، لا سيما وأن ما يترتب عليه يتمثل في ضرورة الوصول إلى الأهداف المرحلية والبعيدة بأقل درجة ممكنة من التكلفة على صعيد الضحايا والخسائر وأكبر قدر ممكن من حسن توظيف الإمكانات المتوافرة وما يتراكم من إنجازات مرجوة.
٣- لا بد لكل تشكيل في أي ميدان وفي أي ظرف من الظروف، من ضمان وجود شفافية كافية في صناعة القرار وتنفيذه، والتمويل والنفقات، وتقويم العمليات ونتائجها، ولا قيمة لهذه الشفافية ما لم تقترن بآلية مضمونة للرقابة والمحاسبة، من خلال أجهزة تتشكل وتعمل بحيث لا تخضع لقيادة عليا، بل تشمل صلاحياتها تلك القيادة في الرقابة والمحاسبة، دون أن يتعرض أفرادها إلى الضغوط المرئية وغير المرئية.
٤- التخصص في عالمنا وعصرنا وفي مسار ثورتنا ضرورة مصيرية لنجاح أي عمل، وأي طرف، مع ضمان أن يكون المتخصصون مرجعية في مجال تخصصهم، فلا يكون وجودهم صوريا وعملهم ضائعا، سواء كان في ميدان سياسي أو قضائي أو إعلامي، إذ لا يقتصر التخصص الواجب على الجوانب الفنية، بل يشمل فروع العمل العسكري والسياسي والإعلامي والفكري والحقوقي وغيره، مما كان عدم الأخذ به مع حصر المسؤولية المرجعية عن المهام المتعددة في أياد معدودة مقربة من القيادة العامة، سببا في إخفاق كثير من المحاولات السابقة لتوحيد الفصائل.
٥- لا تقوم العلاقة القويمة الفاعلة في الميدان ما بين القيادات والأفراد، على أسلوب تمجيد القيادات، فهو الأسلوب البالي الذي يعتبر التخلص منه في صميم أهداف الثورة الشعبية، إنما تقوم من خلال الالتحام المباشر، والتشاور الواسع النطاق، وتلبية الاحتياجات الفردية المشروعة ما أمكن، مع تقاسم ما قد يقتضيه النقص في التموين وغيره، وتقاسم ما يتحقق من إنجازات ويتوافر من إمدادات.
٦- كل عمل عسكري يحتاج إلى رؤية سياسية للمدى القريب والمدى البعيد، لا تحتمل الارتجال في صياغتها، ولا تحتمل التأخير طويلا، إنما لا يمكن وضعها دون الاعتماد على المخلصين بمعيار الارتباط بالثورة وأهدافها الشعبية، من أصحاب الكفاءة والقدرة لوضعها، سواء من كان منهم داخل صفوف التشكيل العسكري أو خارج إطاره.
. . .
إن الاستجابة المرجوة للدعوات بالنجاح والتوفيق والنصر، مرتبطة بصدق الإيمان واستقامة الاستجابة لله الذي نطلب النصر منه وندعوه، ومرتبطة بالرشد، وأول ما يتجلى ذلك في ميدان الثورة يتجلى في وجود قيادات راشدة:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون }
والله غالب على أمره.
نبيل شبيب