ما بين ماكرون والسيسي
تحالف مشبوه ضد الإنسان والسلام والاستقرار
تحليل – ما هو العنصر الأهم من وراء التحالف الثنائي المشبوه؟
تحليل
بين أيدينا:
أحداث جارية عربيا مع انتهاك القوانين الدولية والإنسانية عبر التطبيع مع المشروع الصهيوني العدواني كحلقة أخرى في التحرك المضاد لتحرير إرادة الشعوب.
وأحداث جارية إقليميا بجهود غربية جديدة لاستهداف تركيا وسياساتها المتحررة ذاتيا والداعمة لتحرير سواها ما بين ليبيا وأذربيجان.
وأحداث جارية ومتوقعة عالميا لإعادة التموضع مع ما ستأتي به حقبة أخرى من مسلسل صناعة السياسات الأمريكية.
وبين أيدينا أيضا ازدياد ملحوظ في تحرك مؤسسات المجتمع المدني الغربية المنشأ، لصالح شعوب مسلوبة الحقوق استهدفتها ولا تزال تستهدفها سياسات غربية يحكم المال صناعة قرارها بمشاركة أنظمة استبدادية مدعومة من جانبها، وقد يأتي هذا التحرك بتحوّل نوعي على خلفية ما صنعته جائحة كورونا نفسانيا وليس اقتصاديا فقط وما وصل إليه مسار التغير المناخي من آثار ملموسة في الحياة المعيشية وتيارات التشريد والهجرة.
هذه أهم معالم خلفية ما نشهده ولا نستغربه من أسلوب استعراضي متبجح بتجاوزه لحقوق الإنسان وللقانون الدولي، عبر تحالف ثنائي، نوعي عميق، وخدمي نفعي، بين:
السيسي: ممثل الاستبداد المحلي الأبشع تاريخيا داخل مصر، وربيب تغلغل مشروع الهيمنة الصهيوني بمشاركة “تطبيعية” من جانب أنظمة الاستبداد في المنطقة.
وماكرون: ممثل الصيغة الأشد سوادا في الردّة الحديثة على مسارات التنوير الأوروبي القديم، وممثل طفرة غير محسوبة النتائج لتجديد ممارسات الاستعمار الامبراطوري بعد تهالكه تاريخيا.
وأبرز بنود حصيلة اللقاء بين الطرفين في ٧ و٨ / ١٢ / ٢٠٢٠م:
السيسي يتحدى جنس الإنسان عندما يتحدى علنا مطالب معلنة من جانب مجموعات سياسية ونيابية ومدنية، فرنسية وأوروبية، وهو على أرض فرنسا في قلب أوروبا، بل ينكر أصلا وجود استبداد وقهر واعتقال وانتهاك لحقوق الإنسان على أرض مصر، وعلى حساب شعب مصر المبتلى بتسلط عسكري.
وماكرون يتحدى جنس الإنسان عندما يتحدى علنا مطالب معلنة من جانب مجموعات سياسية ونيابية ومدنية، فرنسية وأوروبية، فيؤكد تشبثه بعدم اشتراط مراعاة حقوق الإنسان في مصر لاستمرار تصدير أسلحة نوعية ثقيلة إلى نظام متسلط على الشعب ويستخدم السلاح ضد الشعب، ويتحالف إقليميا مع من يفترض التعامل معه – على الأقل – كعدو يحرم بالقوة شعبا فلسطينيا شقيقا من فتات الفتات من حقوقه الشرعية.
ليست القضية قضية مكافحة إرهاب كما يزعمون، لا سيما وأن حجم الحملات العسكرية وما تمارسه من تقتيل وتدمير وتشريد واعتقال وتنكيل، كما تشهده سيناء مصر وعامة المدن في مصر، يتجاوز ما تتطلبه مكافحة أي جماعة مسلحة إرهابية، إلا إذا كانت الأكثرية الكاثرة من شعب مصر إرهابيين وفق أقاويل ماكرون والسيسي وأمثالهما.
وليست القضية قضية مكافحة تيارات الهجرة الإفريقية على ما يسمى قوارب الموت عبر البحر الأبيض المتوسط، فقد سلكت الدول الأوروبية طرقا أخرى مع بلدان أخرى في شمال إفريقية دون صفقات عسكرية يتلوث ثمنها وتتلوث هي نفسها بدماء الضحايا في مياه المتوسط وفي الصراعات المسلحة، وفي مقدمتها في الوقت الحاضر الصراع الدائر على أرض ليبيا مع العمل على عرقلة جهود المصالحة والتفاهم، ومع دعم من يستخدم السلاح داخل ليبيا مباشرة من جانب ماكرون والسيسي وأقرانهما إقليميا.
ما هو العنصر الأهم إذن من وراء التحالف المشبوه؟
ماكرون يبحث عن مكانة قيادية عالمية لفرنسا، ولم تعد لها مكانة متقدمة ولو كانت استعمارية بشعة، ولا مكانة متقدمة كريمة في ميدان حقوق الإنسان على خلفية الأحداث الجارية داخليا منذ سنوات، ولا مكانة أولى في زعامة أوروبا أو في القطاعات الصناعية والتقنية عالميا، ولا تكاد تدور جولة انتخابات فرنسية إلا وتظهر طفرات التطرف اليميني وأنه يتقدم على أحزاب سياسية تقليدية سقطت من جهة في امتحانات تلبية الاحتياجات المعيشية للسكان وسقطت من جهة أخرى في وحل التطور في الفساد على أعلى مستويات القيادة كما شهدت قضايا رؤساء جمهورية سابقين وفي مقدمتهم جاك شيراك ونيقولاي ساركوزي.
ومنذ فترة تتحدى تركيا بمسيرة مشروعة وفق القانون الدولي ما بقي لفرنسا من إرث نفوذ استعماري، لا سيما في شرق المتوسط، وهنا بالذات تتلاقى المطامع الفرنسية من جانب ساركوزي مع مطامع إثبات الوجود من جانب السيسي، رغم أنه لم يثبت لنفسه القدرة على التأثير الفعال ضمن تحالفات نسجها العداء المشترك لثورات تحرير إرادة الشعوب العربية، وبقي الإخفاق حصيلة جهوده أو جهود حلفائه من اليمن إلى الحبشة إلى إيران إلى ليبيا والآن إلى شرق المتوسط على الأرجح.
المشكلة الأكبر في التحالف بين السيسي وماكرون أن كليهما لا يتقن اللعبة السياسية حتى بوجهها الكالح المتبجح بمخالفة المبادئ والقوانين الدولية، وأن العنصر الأساسي المشترك بينهما هو خوضهما بالتزامن معركة المواجهة مع الحقوق الإنسانية لشعب فرنسا بكل أطيافه ولشعب مصر بكل فئاته.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب