كيمياوي الغوطة ذكرى سنوية؟

معايير الوفاء لما سقط الضحايا من أجله

رأي – الانتقال إلى مرحلة تالية نحو الهدف البعيد هو العمل الواجب في الوقفة عند الذكرى السنوية

66

رأي

يجب الوقوف بين يدي مجزرة الكيمياوي في الغوطة على الدوام، وليس في الذكرى السنوية فحسب، هو الأهم مما نصنع دون التهوين من شأنها ولا الدعوة إلى التخلي عن التفاعل معها.

ومن بين ما نصنع حاليا الرثاء المتكرر مع الألم العميق، والتعبير عن الغضب من المجرم، والإسهام قدر الإمكان في إغاثة المنكوبين من أهلنا، وتذكير بعضنا بعضا بالجريمة وأبعادها وتفاصيلها، ومتابعة التوثيق ونشر المعلومات التفصيلية، وفضح المتفرجين والمتآمرين إقليميا ودوليا.

جميع ذلك وما يشابهه مطلوب، لكن جريمة الكيمياوي وأشباهها، وما أفظعها وأفظع أشباهها، تضعنا أمام واجبات أكبر مما سبق، محورها الاستمرار في العمل التغييري الذي بدأ بالثورة، والوصول به إلى هدف القضاء الكامل على أسباب ارتكاب الجرائم بحق الشعوب ومرتكبيها الآن ومستقبلا.

وعندما نتحدث عن الجرائم فلتحويل الألم والغضب إلى طاقة متفجرة تعوض عما بذله ويبذله الضحايا قتلا والضحايا تشريدا والضحايا اعتقالا وتعذيبا، ممن أطلقوا الثورة في سورية، كأخواتها، أو احتضنوها أو أصبحوا مستهدفين بهمجية المحاولات المتواصلة لقمعها.

وفي مقدمة ما نحمل المسؤولية عنه داخل نفوسنا وواقع علاقاتنا وعبر التعاون بدل التشتت في صفوفنا، هو وضع حاجز يمنع التراجع عن بلوغ الهدف البعيد، طال الطريق أو قصر، وهو هدف التغيير الجذري، مهما جرى تنميق حلول وسطية، لا تنطوي على اقتلاع أسباب ارتكاب الجرائم الاستبدادية الهمجية من جذورها.

وفي مقدمة ما نحمل المسؤولية عنه ألا نجعل حدثا إجراميا مثل حدث مذبحة الكيمياوي في الغوطة مجرد ذكرى سنوية، فيتحول إلى دير ياسين أو النكبة، أو سواها فمسلسل الجرائم لم ينقطع، ولن ينقطع ما بقي الاستبداد وبقيت التبعية الأجنبية في بلادنا، وبقيت الهيمنة الاستغلالية في عالمنا مع سلطة شرعة الغاب فيه.

* * *

يجب أن نحول العمل على خلفية هذه المجزرة إلى عمل منهجي لا يقف عند حدودنا ولا عند حدود بلدنا ولا يقتصر على الكتابة والنداءات، بل يولّد منظمات عابرة للحدود لملاحقة من يصنع هذا السلاح ومن يستخدمه ومعاقبته، وأن نحول العمل على خلفية مجازر براميل الموت إلى عمل منهجي مماثل، وأن نحول العمل على خلفية صور الأطفال الضحايا، والنساء الضحايا والمعتقلين الضحايا، والمنشآت المدمرة والحقول المحترقة، إلى أعمال منهجية، أدبية وسياسية، فكرية وحقوقية، فنية وثورية، ليرتفع مستوى الأداء التغييري على كل صعيد، وليتكامل في مختلف الميادين، وليكون التغيير تغييرا شاملا حقيقيا ودائما.

المسؤولية كبيرة تجاه الضحايا وتجاه الأجيال القادمة وبين يدي الله عز وجل، وهي مسؤولية المخلصين من أصحاب القلم وحملة السلاح وأصحاب الثروات المالية، والمتخصصين في كل ميدان والعاملين في السياسة والإعلام والناشطين فيما نسميه الداخل والخارج، والجماعات على تعدد توجهاتها وتخصصاتها.

إن الانتقال بالتغيير الثوري إلى مرحلة تالية نحو الهدف البعيد هو ما يُرجى أن يرتفع بمستوى تعاملنا مع الذكرى السنوية لهذه المذبحة وسواها، إذا ما اكتسب صفة الديمومة من وراء الوقفة السنوية بين يدي الذكريات الأليمة، ومن دون ذلك تتكرر الذكريات الأليمة، ولا تتكرر الإنجازات الواجبة لوضع حد لارتكاب الجرائم.

وأستودعكم الله وأستودعه أهلنا في الغوطة وسائر سورية وأخواتها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب