رأي – بين قوة المفاوض وقوة الثورة

لا تجري المفاوضات الحقيقية مع "بقايا النظام" -ويستحيل بقاؤه- بل هي حول "ما بعده" وتجري مع القوى الدولية المعادية ومع القوى الإقليمية

36

عندما تكون القضية كبيرة كقضية المرحلة الحالية من ثورة التغيير الشعبية في سورية، وعندما يصبح الكلام بشأنها أكثر من الفعل عند كثير منا، لا سيما عندما نحصره في مسألة “التفاوض.. أو عدم التفاوض”، يصبح التروي مع الإيجاز في صياغة ما نقول ضرورة واجبة، ولا يفيد التسرع في التعامل حتى مع “المفاوضات” الجارية قبل “المفاوضات” لا سيما عندما يكون هذا التعامل جازما فيقال: قاطعوا وانسحبوا، أو يقال: شاركوا وفاوضوا على كل حال.

قد يصلح في هذه الأجواء ما يسمونه الأسلوب البرقي عبر الكلمات الخمس التالية، للتعبير عن بعض الأسس الضرورية في هذه المرحلة:

 

١- الحدث:
إن للثورة التغييرية الشعبية الحالية في سورية خصائص مميزة بالغة الأهمية وبالغة الأثر في مجرى عجلة التاريخ الحضاري البشري، ومعطيات غير مسبوقة في مجرى الثورة نفسها، فلا ينبغي لنا تحديد هذا الموقف الجزئي أو ذاك، سلبا أو إيجابا، من منطلق حماسي محض، كذلك لا ينبغي التعامل مع تفاصيل “مشهد الحدث الثوري السوري” كتفاصيل “التفاوض” أو سواها، قياسا على “خبرات ومعلومات” سابقة فحسب، فهذا الحدث “غير المسبوق” يحتاج إلى ما يناسبه الآن، ولا يستغنى عن “الاستفادة من الدروس التاريخية”، ولكن بين أيدينا ثورة تغييرية كبرى تتطلب تعاملا مختلفا، سواء عما كان في سورية في ثمانينات القرن الميلادي الماضي، أو كان في مجرى قضية فلسطين، أو عبر “ثورات” أمم أخرى في التاريخ الغابر، ولا حتى الثورات الشعبية العربية المعاصرة، إذ توجد معها قواسم مشتركة وتوجد أيضا خصائص مميزة لكل منها.

 

٢- التفاوض:
منذ عدة أعوام وحتى الآن لا تجري المفاوضات الحقيقية مع “بقايا النظام” -ويستحيل بقاؤه- بل هي حول “ما بعده” وتجري مع القوى الدولية المعادية ومع القوى الإقليمية، ومنها القابلة للتصنيف خارج خانة العداء قطعا، وهذه “مفاوضات” تتطلب “رص الصفوف”، الثورية والسياسية والإعلامية والفكرية والارتباط بالمرجعية الشعبية، أما التخوين الثوري لمن يقصر في رص الصفوف مثلا، أو التخوين السياسي لأي طرف ما دام لا يضع نفسه مباشرة في حظيرة بقايا النظام، وكذلك التشكيك فيمن أخذ موقع تمثيل الثورة، وأصبح من مصلحته الذاتية أن ينجح في ذلك، فجميع ذلك خدمات “متسرعة… أو طائشة”، تستفيد منها القوى المعادية وتطيل فترة السقوط المحتم لبقايا النظام وأفاعيله مع داعمي همجيته.

 

٣- الموقع التفاوضي:
ليست الثورة في حالة ضعف، بل عبرت طريقا طال لأعوام وكان حافلا بالإنجازات والبطولات والصمود والتضحيات، وهذا ما جعلها حدثا تغييريا تاريخيا يستحيل النكوص به إلى الوراء، وإن قوتها التغييرية هذه هي سبب الاصطفاف العدائي الدولي غير المسبوق وسبب الإجرام الهمجي غير المسبوق، فلا ينبغي لنا ولا ينبغي لمن يفاوض باسمها، أن يستهين بالثورة ولا بواقعها الحالي، ولا أن يستهين بقوة موقعه التفاوضي، كذلك لا ينبغي لنا الإسهام في إضعاف موقعه هذا، بدلا من دعمه ليزداد قوة، وليتمكن من تحقيق الهدف.

 

٤- النقد المطلوب:
كل هجوم مطلق على الطرف الذي تتحدث القوى الدولية معه بوصفه يمثل “الثورة” هو هجوم يضرّ بالثورة نفسها، بغض النظر عن شخوص هذا الطرف أنفسهم. وكل نقد إيجابي مع تأكيد الثوابت والمسؤولية التاريخية ومرجعية الشعب الثائر، نقد مطلوب، ويمثل ضغوطا مفيدة على “الطرف المفاوض” إذا وظفها “سلاحا في التفاوض”: لا نستطيع تجاوز إرادة من نتحدث باسمهم.

 

٥- الهدف:
إذا حققت المفاوضات هدف الثورة المنبثق عن ثوابتها، تحقق المطلوب، وإن لم تحقق فالثورة مستمرة لا “تخمدها” مفاوضات “فاشلة”، بل يخمدها -لا سمح الله- يأس الثوار من أنفسهم ولا يوجد ما يشير إلى ذلك، وتوقف الشعب عن العطاء، ولا يوجد ما يشير إلى ذلك… ولله الأمر من قبل ومن بعد.

نبيل شبيب