رأي – الإسلام بين إرهاب واستبداد محليا وعالميا
محاضن العنف والإرهاب داخل بلاد المسلمين مقتبسة مباشرةعن مثيلاتها من محاضن غربية
كلمات هادئة حول الإرهاب والتعامل معه، ففي ظلّ تصعيد ما يسمّى “الحرب على الإرهاب” نعايش درجةً خطيرة من إرهاب القصف عسكريا وفكريا وسياسيا.. ورغم وفرة ما كتب وما قيل عن الإرهاب، لا يزعم أحد وجود تعريف اصطلاحي تلتقي عليه الآراء إجماعاً أو إجمالا. ونشهد تطبيقيا (١) الخلط بين إدانة وسائل قتال مرفوضة، وخوض الحرب لأهداف مشروعة.. والشاهد في فلسطين وسورية وأخواتهما.. و(٢) الخلط بين أصل كلمة “جهاد” في صيغة القتال بشروطه المشروعة، وبين من يستخدم الجهاد عنوانا لأهداف متناقضة مع الإسلام بوسائل محرمة إسلاميا.
بالمقابل يسارع بعضنا إلى التبرؤ من جميع حالات استخدام القوة رافعا شعارات “السلام والتسامح” باسم الإسلام، وهو يعلم أن جميع القوى المعاصرة لا “تنسخ” إمكانية الاضطرار للقتال إطلاقا، ويتغافل عن أن الإسلام ينكر الاستخذاء في مواجهة المعتدين والظالمين، مثلما ينكر اعتداء المسلم على جنس الإنسان ما دام لا يعتدي هو على “الإنسان” وحريّة الإنسان وحقوق الإنسان، فإذا غاب “العدوان” يقرر الإسلام البرّ والقسط والإحسان والتسامح تجاه من لا يعتدون على الآخرين!
إن النقاش القديم الجديد حول: هل الإسلام دين العنف أو يوجد مناخَ استخدامِ العنف، نقاش يستخفّ بالمنهج العلمي للبحث التاريخي، وبمنطق الاستدلال والاستقراء عند العلماء المنصفين، إنّما نشأ العنف واستشرى مناخه في عصور سبقت ظهور الإسلام، أو ظهرت بعد غيابه وتغييبه عن ساحة صناعة الأحداث في حياة البشرية.
وحديثا أيضا ليس مجهولا أنّ..
١- أوّل حادثة قرصنة جوية معاصرة إنّما ارتكبتها الحكومة الفرنسية أثناء حربها الاستعمارية ضدّ ثورة الاستقلال الجزائرية..
٢- أوّل من آوى مختطفي الطائرات المدنية بعد استقبالهم في المطارات بحفاوة بالغة، كانت الحكومة الأمريكية في صراعها منذ ستينات القرن الميلادي العشرين مع كوبا وحكمها الشيوعي..
٣- أوّل ما انتشرت منظماتٌ وُصفت بالإرهابية لاستخدامها العنف اغتيالا وتفجيرا كان في الغرب في ظلّ ديمقراطياته الحديثة وتشهد على ذلك عشرات السنين في إيرلندا الشمالية والباسك الأسبانية، فضلا عن المنظّمات التي عرفتها إيطاليا وألمانيا وكورسيكا الخاضعة لحكم فرنسا، ناهيك عن وجود مئات المنظمات المتطرّفة في الولايات المتحدة الأمريكية، المتّهمة باستخدام أساليب إرهابية، وناهيك عن ظاهرة انتشار “الإجرام” ووصوله إلى مستوى أطفال المدارس بنسبة متعالية عاما بعد عام، بعد أن أصبحت فلسفة “الأقوى” تسري على العلاقات بين فئات اجتماعية حتى في الميادين المعيشية اليومية.
ليست محاضن العنف والإرهاب داخل بلاد المسلمين “إسلامية النشأة” بل صورة طبق الأصل عن مثيلاتها من محاضن غربية ولا يقال “مسيحية”، إنما هي إرهابية الجذور والمعتقدات والأفكار، إجراميّة الأهداف والأساليب والوسائل.
“التصنيفات الإرهابية” التي سبق وعرفناها في قضية فلسطين ونعاصرها الآن في قضية سورية، مرفوضة من حيث الأساس، ما دامت تفصل دون معيار قويم بين جرائم الإرهاب وجرائم الاستبداد.
إنّ كلّ إدانة لإرهاب أفراد أو منظمات أو جماعات لا تقترن بإدانة الاستبداد الذي كان في مقدّمة أسباب ظهور ذلك الإرهاب، وإدانة الاستغلال الذي يمكّن من نمائه، والأوضاع الشاذّة التي تحتضنه ولو زعمت مكافحته، ناهيك عن إدانة الاحتلال الوحشي بأصل وجوده وبما يستخدمه من أساليب ووسائل تفرض الردّ بالمقاومة المشروعة فرضا.
ليس الذين يأبون المشاركة في هذه الإدانة الناقصة والمنحرفة بعواقبها الوخيمة تلك، هم مَن يساهم في تسويغ الأعمال الإرهابية، وإنّما الذين يمارسون إدانة الإرهاب رافضين إدانة الاستبداد والاحتلال في الوقت نفسه، هم الذين يدعمون أسباب استفحال الإرهاب وانتشاره.
وما يسري على الاستبداد المحلي يسري على الاستبداد الدولي..
إنّ الاستبداد المحلي يفرض نفسه رغم إرادة الشعب على المستوى الوطني، ويعتمد على ما تسلّط عليه من أسباب القوّة، فلا يصلح كمرجعية تشريعية وتنفيذية لتحديد متى تكون مقاومته مشروعة وبأيّ وسيلة..
كذلك فالاستبداد الدولي الذي يفرض نفسه رغم إرادة شعوب العالم على المستوى العالمي، ويعتمد على ما تسلّط عليه منذ الحرب العالمية الثانية من أسباب القوّة، لا يصلح كمرجعية تشريعية وتنفيذية لتحديد متى تكون مقاومته مشروعة وبأيّ وسيلة.
إنما نؤكد لأهلنا تخصيصا، وجوب الحفاظ على ميزة خاصة للإسلام على مستوى العلاقات الدولية عبر ما قرّر من حدود وضوابط للجهاد الإسلامي بمعنى القتال، مما لا نجد ما يقاربه في أحدث التشريعات الدولية المعاصرة، وكما يوجد من يخرق التشريعات الإسلامية بممارساته، يوجد من يخرق المبادئ الموثقة في القانون الدولي دون حساب، فلا يمكن تحميل “الإسلام” بحد ذاته المسؤولية عن خرق أحكامه مثلما نتجنب تحميل “نصوص القانون الدولي” بحد ذاتها المسؤولية عن انتهاكها يوميا.
داخليا نواجه مشكلة إضافية تصنعها أوضاع شاذّة وظروف شاذّة، وتجمع بين ظاهرة التجرّؤ على فتاوى لا تخدم إلاّ استبداد سلطة حاكمة، وبين ظاهرة التجرّؤ على فتاوى لا تخدم إلاّ انحراف فئاتٍ معارضة، ومن يرفض هذا الصنف من الفتاوى وما يشابهها من ممارسات لأغراض مماثلة ولا يرفض ذلك الصنف في الوقت نفسه، يساهم في ترسيخ الاستبداد، أو الإرهاب، أو كليهما معا.. بل إنّ هذه المواقف بنوعيها أحد أسباب تغييب فتاوى أخرى عن الأنظار، ينطلق أصحابها من الإسلام كما أنزله الله، ويرجون من خلالها مكافحة وباء الاستبداد ووباء الإرهاب على السواء.
نبيل شبيب