دور السوريين في الشتات

نشر يوم ٧ / ٦ / ٢٠١٥م في موقع سورية نت

تحليل – السوريون خارج الوطن مطالبون بنوعية أخرى من العمل ترتبط بالداخل وبمسار التغيير

70
جيل المستقبل في المغتربات

تحليل

السوريون خارج الوطن فئات عديدة، منهم من يعيش مستقرا وينشغل بمعيشته فحسب، وليست هذه الفئة مقصودة بالسطور التالية، بغض النظر عن مشروعية تعليل أوضاعها وانتشار أساليب اللوم والتقريع تجاهها، ومنهم من يعيش خارج بلده منذ عشرات السنين اضطرارا، ووجد في الثورة أملا، فتحرك لدعمها في حدود قدراته أو اقتصر على التأييد كلاما، ومنهم أيضا من خرج أثناء الثورة من الوطن، لأسباب هو أعلم بها، فانضم تلقائيا إما إلى من يدعمها أو إلى من غرق في هموم ضرورات المعيشة اليومية. والسؤال:

كيف يتكامل الدعم من خارج الوطن مع المواجهة الميدانية داخل الوطن؟ ولا يشمل السؤال هنا الجوانب الإغاثية والمالية، مع عدم إغفال أهميتها الكبرى، ولكن يطرح جوانب سياسية وفكرية وإعلامية في الدرجة الأولى، ونعلم بوجود الكثير من الجهود على هذه الأصعدة، ولكن نعلم أيضا أن القصور ما زال كبيرا.

تمتد ميادين المشهد الحالي من مسار التغيير في كامل تراب الوطن، وخارجه، وتواكبه حملات إثارة الرعب والفزع، وأطروحات التقسيم الناجز أو الواقعي، مع توقعات مستقبلية واسعة الانتشار عن صراعات طويلة الأمد، ويغلب استخدام أسلوب إثارة الخوف من المستقبل وليس السؤال الموضوعي الواجب حول كيفية التعامل مع مختلف الاحتمالات.

. . .

ما الذي يمكن صنعه؟

كل عنصر من عناصر المشهد السوري يحتاج في طرحه طرحا وافيا إلى معاهد متخصصة ودراسات متعددة وربما مؤتمرات ومراجعات وتعديلات، وهنا يكمن جانب من جوانب معضلة التفاوت الكبير بين قوى الثورة داخل الوطن وخارجه وبين الأعاصير المضادة لها، ومحور التفاوت هو الإمكانات التقليدية لتوجيه مسار معركة تاريخية أو ثورة كبرى أو حدث بهذه الضخامة وذاك التشابك، والمقصود:

١- إن الأطراف الفاعلة في توجيه المسار من خارج سورية تتحرك على أسس استراتيجية منهجية وتملك إمكانات هائلة لتحديدها وتنفيذها، فكل قرار مدروس ومخطط وموضع تقويم وتطوير متجدد.

٢- وإن الأطراف الفاعلة في توجيه المسار على ساحة الوطن تقوم بمهام ميدانية جسيمة، تستنزف جهودها، فتبقى إمكاناتها الذاتية مركزة على القرارات الموضعية أو العملياتية ولا تشمل المشهد بأكمله وما يحتاج التعامل معه من قرارات مدروسة ومخططة وموضع تقويم وتطوير متجدد.

٣- أما القوى الثورية السورية الداعمة من خارج الوطن والمرتبطة بالثورة بشكل أو بآخر، فلم تصل حتى الآن إلى علاقة ثقة مع القوى الميدانية المخلصة، بما يكفي لتوزيع المهام وتكاملها، ومن وصل إلى ذلك منها لا يزال يسير في أطروحاته والتفاعل مع الحدث بسرعة السلحفاة في عصر الأقمار الصناعية، وانفراديا في غالب الحالات في عالم التكتلات الكبرى.

. . .

والسؤال: كيف يتحقق تفاعل ثوري هادف سياسيا وإعلاميا وفكريا مقابل تلك الاستراتيجية الخارجية؟  كيف يتكامل التحرك الميداني مع التحرك الداعم خارج الوطن؟ ما هو الحجم الحقيقي للتحرك الحالي؟

بغض النظر عن الجواب، هل يجمع التحرك الحالي بين سلامة المضمون، وتوافر شبكة علاقات فاعلة للتأثير على المشهد؟ هل يمكن أن يحقق فائدة مرجوة ما لم يتحقق الآن التأثير المقصود به، وليس بعد فوات الأوان؟

إن من يتصدون -وهم كثر- لزعامة السوريين خارج الوطن، ويعتبرون أنفسهم في مسار الثورة، مطالبون بنوعية أخرى من العمل، ترتبط بالميدان وتكمل إنجازاته الفعلية والمحتملة، وبأن يكون عملهم مدروسا وجادا ومشهودا بنتائجه على أرض الواقع ومواكبا لمسار الحدث ودافعا له، وليس لاحقا أو به أو لاهثا من ورائه.

ويظهر على ضوء ما سبق:

١- تفاوت ضخم بين إمكانات القوى المؤثرة على مسار الحدث.

وهذا طبيعي في مجرى كل حدث تغييري تاريخي كبير، فهو دوما تغيير يصنعه طرف لا يملك إمكانات كبيرة ظاهرة للعيان، رغم مواجهة طرف آخر أو أطراف متعددة تملك إمكانات كبيرة وتستخدمها.

٢- تفاوت الإمكانات يفرض ميدانيا التحرك وفق أولويات، والشرط الحاسم في جدواها هو أن توجد إنجازات كل مرحلة على حدة مزيدا من أسباب القوة الذاتية للتحرك في مرحلة تالية.

والسؤال: كيف تأخذ هذه المرحلية المحتمة مكانها في رؤية مستقبلية شاملة؟

مع وجود غرف عمليات ميدانية في الداخل لا بد من إيجاد ما يوازيها سياسيا وفكريا وإعلاميا، فلن يمكن دون ذلك الانضباط وفق رؤية شاملة مع استشراف مستقبلي موضوعي، ووفق مخطط عملي للأولويات والمراحل وآليات التنفيذ، فضلا عن إدارة قيادية تضمن حسن توظيف الإمكانات القليلة المتوافرة، وتبذل ما يكفي من الجهود لتنميتها.

في هذا الإطار يتركز واجب العمل على الأصعدة السياسية والفكرية والإعلامية التي تتوافر ظروف العمل لها خارج الوطن، أي من جانب الداعمين، أكثر مما تتوافر داخل الحدود، شريطة فعالية شبكة التواصل وسلامتها. 

يبدو أن الإشكالية الأكبر تتجاوز هذا الجانب النظري إلى جانب واقعي، يرتبط بتغيير النفوس والسلوك لترتفع فعالية وجودنا جزءا عضويا في مسار الثورة، ولكن تغيير النفوس والسلوك عملية طويلة الأمد، لا يسهل تحقيقها بالأساليب التقليدية لتواكب فعلا سرعة صناعة الأحداث في حقبة الثورة التغييرية إنما يمكن أن تتسارع الخطى بقدر ما نضاعف جهود الاعتماد على جيل التغيير وطاقاته، ويؤمل أن يكون ذلك بخطى متسارعة ترفع من مستوى العمل لتظهر إنجازات حقيقية، وتسدل الستار على مشاهد ما تزال سلبية في غالب تفاصيلها، رغم مرور سنوات عديدة على مواكبة مسار الثورة من خارج ميادينها على أرض الوطن، وعلى رصدنا لمسلسل التضحيات والمعاناة دون نهاية.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب