استراحة – دردشة بين الأقصى والأموي
تكسرت النصال على النصال
متى نثور على التجزئة ونتعامل جميعا مع جميع قضايانا باعتبارها قضية واحدة؟
قال وهو يتابع في التلفزة مشاهد الغضب الجماهيرية العالمية نصرةً لغزة وأهلها:
يبدو لي أن ما يجري في غزة يلفت الأنظار عن ثورتنا في سورية وما يحاك لتصفيتها مع استمرار الإجرام في قمعها.
وفاجأته بقولي:
كأنك تقول لأهل فلسطين، قد قامت الثورة في سورية قبل سنوات فلفتت الأنظار عن قضية فلسطين، لا سيما عن حصار غزة.
نظر نظرة استغراب مما أقول، وتساءل مستنكرا:
ماذا تعني؟ وكيف تظن ذلك؟ أليست هذه ثورة شعبية انطلقت عفوية ضد الظلم والقهر والبؤس؟
قلت له مهدّئا من روعه:
رويدك أخي الكريم، هذا صحيح بلا جدال، ولكن أحببت التنويه إلى أن معظمنا منذ زمن يفكر ويتصرف بأسلوب يساهم في إضعافنا، عبر ترسيخ تجزئة مواطننا وقضايانا، وفق ما صُنع من حدود لنا حول فلسطين وسورية ومصر والعراق والجزائر وتركيا والسودان، وهكذا إلى آخر القائمة.
قال:
أليس الأصل أن يركّز كل فريق على العمل للقضية الأقرب إليه؟
قلت:
لنأخذ بهذا؛ ولنذكر إذن أن معظم المساجد والقباب والأروقة في المسجد الأقصى المبارك قد بناه الأمويون أثناء خلافتهم في دمشق، فقضيته بالمعنى الذي تتحدث أنت عنه هو قضيتنا أيضا، كما أن أهل غزة يدافعون هذه الأيام عما بناه الأمويون وعن مجموع المنطقة العربية والإسلامية.
قال:
حسنا ويبقى السؤال، أليس الأصل أن يركّز كل فريق على العمل للقضية المشتعلة الأقرب إليه؟
قلت:
بلى؛ على أن يعمل في الوقت نفسه على التواصل والتشبيك والتكامل من فوق حدود جغرافيةٍ وتجزئة انتمائية وألوان من الاختلافات التي تزيدنا فرقة وضعفا.
قال متمتما:
لكن يوجد من بدأ بذلك تجاه ثورة سورية.
قلت:
ردود الأفعال الغاضبة ودون تفكير، لا توصل إلى حصيلة انتصار السوريين في سورية والمصريين في مصر والفلسطينيين في فلسطين، وسواهم في بقاع أخرى، بل يؤكد الواقع أن أمتنا ستشهد انتصار الجميع أو هزيمة الجميع، والبداية هي انتصار الإنسان فيما يعمل له أو هزيمته إحباطا، وهذا أيضا شأن المكونات الاجتماعية العديدة التي تضمنا في بلد أو في منطقة إقليمية أو وطن كبير؛ سمّه ما تشاء. ألا ترانا على أبواب مزيد من التفتيت كما يراد لنا من خارج حدودنا، وعبر ما نصنع داخليا بأنفسنا؟
ورأيته ساكنا كأنه يتأمل فيما قلت، فتابعت أقول:
يا أخي الكريم قد انحدرنا من مستوى أمة إلى مستوى شعوب متعددة، فهزمنا حضاريا وعسكريا وسياسيا، ونكاد ننحدر إلى قاع فرق وطوائف وفئات وحارات وإمارات متعددة، داخل نطاق الشعب الواحد؛ ويعني هذا انتهاء وجودنا في المعمورة.
إنّ وَقْف هذا الانحدار هو الثورة الجامعة التي نحتاج جميعا إليها، لنتعامل مع جميع قضايانا على أنها قضية واحدة ومع شعوبنا وبلادنا على أن المصير واحد وعلى أن الطريق إلى صناعة المستقبل طريق مشترك.
وأستودعكم الله مع هذه الاستراحة ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب