التفاعل الإسلامي الثقافي في الغرب

نشرت يوم ١٤ / ٧ / ٢٠١٦م في المركز العربي للدراسات الإنسانية - القاهرة

دراسة – المسلم جزء من المجتمع حوله يعتمد على الثقة بنفسه والحكمة في تفاعله

220
مقدمة مرئية ٤:٢٥ دقائق
المقدمة صوتيا


pdf word

نُشرت الدراسة المرفقة للتحميل في المركز العربي للدراسات الإنسانية في القاهرة، مطلع عام ٢٠١٧م، وحملت عنوان الاندماج الثقافي للمسلمين في الغرب، ومن يقيم منكم أيها الكرام منذ زمن في بلد غربي قد يقدّر كما أقدّر أن العلاقات الثقافية ليست شارعا باتجاه واحد، وهو ما كان بعضنا يخشاه على نفسه وربما على أولاده، إنما يوجد تفاعل متبادل، سلبا وإيجابا، وقد استُخدم تعبير اندماج لتأكيد رفض الذوبان في المجتمعات الغربية ذات الغالبية السكانية من غير المسلمين، وكذلك لتأكيد رفض نهج الاعتزال والانفصال عن المجتمع.

وفيما يلي النص الكامل للدراسة للقراءة المباشرة

دراسة

المحتوى

١       العنصر الثقافي في العلاقة بالآخر

٢       التعددية الثقافية في “المجتمعات” الغربية

٣       التعددية الثقافية للمسلمين في الغرب

٤       المسلمون في الغرب من وافدين إلى جزء أساسي من المجتمعات الغربية

٥       تبدل تدريجي لدور منظومة القيم في علاقة الآخر بالمسلمين في الغرب

٦       نماذج لتعدد التجليات الثقافية للمسلمين في الغرب

٧       نماذج لتأثير جيل الشبيبة من المسلمين في التفاعل الثقافي

٨       نظرة استشرافية للتأثير الثقافي المتبادل بين المسلمين والآخر في الغرب

٩       هوامش

ليس الغرب كتلة واحدة رغم وجود قواسم “غربية” مشتركة، وليست كلمة “ثقافة” مصطلحا توافقيا، مما يجعل البحث في “الاندماج الثقافي” أو “التفاعل الثقافي” للجاليات المسلمة في الغرب عسيرا نسبيا، لا سيما وأن وصف المسلمين بالجاليات المسلمة في الغرب ليس مسلّما به أيضا، نظرا إلى التنوع الكبير بين فئات عديدة من المسلمين في الغرب، بدءا بمعتنقي الإسلام الغربيين، انتهاء بدفعة المسلمين “الوافدين” حديثا عبر موجات التشريد في مرحلة التصدي العنيف للثورات الشعبية العربية.

العنصر الثقافي في العلاقة بالآخر

سواء في الكتابات العلمية أو في المعاملات اليومية يتداخل تعبير “الثقافة” مع تعابير مشابهة من حيث التأثير على تكوين الإنسان الفرد والمجتمعات، فالثقافة هي الحضارة تارة، وتعبر تارة أخرى عن رؤى تصوغ الإنتاج الأدبي والفني، كما يطرح الشأن الثقافي في صيغة “نزاع” مع الشأن الديني العقدي، مثلما تُدرج حالات وعلاقات اجتماعية تحت عنوان “الحالة الثقافية”، وفي جميع ذلك لا يسهل التمييز بين “الثابت” و”المتغير” مكانيا وزمانيا عندما نتحدث عن شأن “ثقافي”.

لهذا أصبحت كلمة ثقافة وما يشتق منها من أكثر العناوين المختلف على مضامينها، بين الدارسين المتخصصين وكذلك تحت تأثير التصورات والمنطلقات الذاتية للباحثين والناشطين في استخدام كلمة “ثقافة” لتحقيق تطلعات يرونها (١)، ويحتاج بيان ذلك إلى دراسات تخصصية قائمة بذاتها، فيكفي في مطلع هذا البحث تحديد إطار عام يلتزم به في موضوعه.

نميز ابتداء بين “الرؤية الثقافية” نظريا، و”الممارسة الثقافية” على أرض الواقع، وكلاهما عامل متغير متطور، سلبا وإيجابا، نتيجة تطور الإنسان الفرد وعلاقاته بسواه، ونتيجة تطور الظروف المحيطة به والمؤثرة على ممارساته توافقا أو ضغوطا، وقد يحافظ المرء على رؤيته الذاتية في وسط تغلب عليه رؤى أخرى، إنما لا يستطيع أن يحافظ بقدر مماثل على ضبط ممارساته نتيجة الاحتياجات والضرورات التي تحيط به، وتجعل “عامل الممكن” أشد تأثيرا من “عامل الرغبة والاقتناع”. بين هذا وذاك يأتي تعبير “الاندماج الثقافي” للمسلمين الأقل عددا وإمكانات من سواهم في مجتمعات غربية ذات الأكثرية السكانية من غير المسلمين، وهذا ما يدركه الغربيون أيضا، الذين ينطلقون من أن “الدين” جزء من الثقافة (٢).

مستقبل المسلمين في الغرب وتأثيرهم فيه وخارج نطاقه مرتبط بتطور هذه المعادلة للاندماج بجناحيها القيمي والفكري من جهة والسلوكي والإنتاجي من جهة أخرى، وفي هذه المعادلة كانت تنعكس دوما درجة التبعية تأثرا والاستقلالية الذاتية تأثيرا، ولهذا نتحدث عن حقبة الغزو الفكري والقيمي والثقافي بين حقبة بدء انهيار البنية الحضارية الإسلامية ذاتيا واستكمال السيطرة الحضارية المادية للغرب على المنطقة الإسلامية، وعندما نتحدث حاليا عن “إرهاصات” نهضة حضارية متجددة للمسلمين، نرى بذورها الأولى في الانعتاق من هذه التبعية على صعيد منظومة القيم والأفكار الذاتية، وقد بات الغالب في الكتابات -سلبا وإيجابا- يتناولها تحت عنوان “الثقافة”، وبهذا المنظور مع اتخاذ عنصر الانتماء الديني لدى المسلمين معيارا، نستخدم تعبير “الثقافة” في الفقرات التالية كحالة تأثّر وتأثير بعوامل عديدة، عقدية وقيمية واجتماعية تشكل معا تصورات ومنطلقات ذاتية يتميز البشر بها عن بعضهم بعضا، فإن توافقوا رغم التمايز يتحقق الاندماج إيجابيا، وإن تحوّل تمايزهم إلى سبب مواجهات، بغض النظر عن الوسيلة، فقد يكون الاندماج -إذا حصل- سلبيا وربما قسريا بسبب ضرورات التعامل في مجتمع واحد. وبتعبير آخر، تتحدث الفقرات التالية حول تجليات اندماج المسلمين على تنوعهم في المجتمعات الغربية المتنوعة أيضا، وكيفية تصنيف الإيجابيات والسلبيات بمعيار “قيمي” مستمد من الانتماء الإسلامي الديني.

التعددية الثقافية في “المجتمعات” الغربية

يؤكد الواقع “الثقافي” للغرب أهمية مراجعة مقولات انتشرت وكأنها بدهيات فساهمت في تغييب عنصر التمايز الثقافي بين “غرب وغرب”. من ذلك مقولة “الغرب غرب والشرق شرق” والواقع أن الغرب أمريكي وأوروبي، والأمريكي شمالي وجنوبي، وفي كل منهما تنوع ثقافي كبير، كذلك الأوروبي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، والاختلاف قائم أيضا بين بلدان سكسونية وأخرى كبلدان البلقان وبلدان بحر البلطيق وهكذا، فضلا عن التنوع داخل البلد الواحد.

ومن التصورات الشائعة أن النسبة الأعظم من أهل الغرب “مثقفون”، والشاهد ارتفاع نسب الكتب المطبوعة والمباعة، إنما الإقبال الأعظم يتركز على الروايات وكتب مبسطة المواضيع (٣)، وهو ما يوسّع المدارك عموما، ولكن لا يرفع المستوى “المعرفي الثقافي” العام، وهذا ما ينعكس مثلا في تنامي تأثير من يوصفون بالساسة “الشعبويين” في وقت الأزمات والأخطار.

وليس التمايز القائم -بما في ذلك الثقافي- داخل “الغرب” مجرد معطيات نظرية، ولا يقتصر على ما يوصف بالحياة الثقافية من آداب وفنون، إذ يلعب دوره في الحياة اليومية والتشريعات القانونية والعلاقات الاجتماعية والسياسات العامة، بل يؤثر أيضا في خلفية أحداث كبرى مثل الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، والخلاف حوله داخل “المملكة المتحدة” (٤)، أو -كمثال آخر- المعارضة الفرنسية للتعامل مع “المنتوجات الثقافية” الأمريكية وغيرها كالمنتوجات الصناعية في اتفاقيات تحرير التجارة (٥) وهكذا.

حتى القواسم المشتركة في الغرب من حيث تأثيرها على تكوين أهله ثقافيا لا تمثل “اندماجا منسجما” فالقيم المسيحية مثلا متفاوتة التأثير مذهبيا بين أرثوذكسي وكاثوليكي وبروتستانتي، والتزاما تطبيقيا بين منطقة وأخرى، ناهيك عن تفاوت درجات اندماجها أو عدم اندماجها فيما صنعته التوجهات العلمانية والحداثية من قيم بديلة، لا تعتبر من الثوابت، بل هي قابلة للتغيير المطّرد (٦).

ويلعب التاريخ دوره أيضا، فالفارق كبير بين بلدان تكونت ولا تزال تتكون من الهجرات البشرية المتتالية، وبين بلدان استقرت حدودها الحديثة على خلفية اندماج قومي، كذلك الفارق كبير بين دول غربية تُعتبر بتكوينها الثقافي امتدادا لمفعول الفلسفة الإنسانية وفلسفة التنوير في أوروبا، وتتفاوت فيها درجات تأثير علمانية متشددة أو ما يوصف منها بالحيادية، ودول أخرى انقطع فيها هذا المفعول في حقبة انتشار الشيوعية الإلحادية التي ترتبط بانتشار فلسفة الحداثة بعد فلسفة التنوير.

ولا مجال للتفصيل كما يتبين من اقتصار هذه السطور على مجرد تعداد العناوين للعوامل الكبرى ذات التأثير على تكوين قيم ومعطيات ثقافية متنوعة ومتباينة في المجتمعات الغربية.

التعددية الثقافية للمسلمين في الغرب

مقابل التنوع الثقافي في المجتمعات الغربية يسود تنوع ثقافي كبير أيضا في أوساط المسلمين في الغرب، فمعتنق الإسلام من أهل البلاد الأصليين لا يتحول ثقافيا إلى “شخص آخر” بل يحمل قسطا كبيرا من المكونات الثقافية التي أثرت في تكوين شخصيته قبل إسلامه، والوافدون المسلمون الأوائل قبل الحربين العالميتين وبينهما، يختلفون ثقافيا عن موجات تالية من قطاعات عمالية وريفية في بلدانهم الأصلية، كما نجد حملة إرث الهجرة والتشريد في العهد الاستعماري كذوي الأصل الجزائري في فرنسا والباكستاني في بريطانيا، بينما تتميز النسبة الأكبر من جيل الشبيبة المسلمين في الغرب الأوروبي حاليا، بأنهم من مواليد الغرب، ونشؤوا في مدارسه، وأتقنوا لغاته، ويمتلكون قدرا لا بأس به من وسائل التعبير الثقافي والتأثير على الآخر (٧).

يضاف إلى ذلك تنوع العوامل المؤثرة ثقافيا على صعيد الوافدين، ومن ذلك أن كثيرا من الوافدين في فترة الستينات إلى أواسط السبعينات من القرن الميلادي العشرين، كانوا من حملة الأفكار القومية والعلمانية والاشتراكية، وتبدل ذلك في العقود التالية بغلبة الفكر الإسلامي في حقبة ما عرف بالصحوة الإسلامية.

لا نتحدث إذن عن مشهد انسجام ثقافي بشري إسلامي في الغرب، بل للمشهد صورة فسيفسائية، ازدادت ألوانها وأشكالها عبر تنوع الاتجاهات الفكرية والحركية الإسلامية أيضا، ما بين صوفية وحزبية وسلفية، مع تعدد التوجهات في كل منها على حدة، ولم يوحّد الانتماء الإسلامي المشترك أشكال التفاعل مع المؤثرات الثقافية، بل يسود بين مسلمي الغرب شبيه ما يسود بتنوعه وآثاره من تعددية سلبية داخل البلدان الإسلامية.

الجدير بالذكر أننا نتحدث كثيرا عن مواجهتنا “الغزو الفكري والثقافي والقيمي الغربي” المتعدد الأشكال والميادين، ويقابل ذلك “التخوف المرضي من الإسلام.. إسلاموفوبيا” كصيغة معاكسة في الوعي الذاتي في الغرب تجاه انتشار أفكار وممارسات و”خطاب إسلامي” متنوع في المجتمعات الغربية أيضا (٨).

ولا نغفل عن تطور مفعول ثورة تقنيات التواصل، فبعد غلبة المخاوف في أوساط المسلمين أو ذوي الاتجاهات الإسلامية من “الذوبان” عبر صناعة “إنسان مسلم الهوية غربي السلوك”، ظهرت في هذا الأثناء مرحلة تبدو “فوضوية” للوهلة الأولى، والواقع أنها مرحلة تعدد تيارات التأثير والتأثير المعاكس في صيغة أقرب إلى صراع القيم والأفكار، بغض النظر عن تقويمها، ويمكن أن تصل في مرحلة تالية إلى تلاقح ثقافي إيجابي، مع استحالة الفصل بدقة بين “ثقافة” إسلامية وأخرى “غربية”. وعلى صعيد ذوي الانتماء الإسلامي نجد أيضا وصف ثقافة “الآخر الإسلامي” انطلاقا من الموقع الذاتي وفق معايير يعتبرها كل طرف مستمدة من الإسلام، فنجد تصنيفات من قبيل متطرفين ومتشددين وتقليديين وأصوليين ومعاصرين، ناهيك عن “إرهابيين” و”متغربين”.

بغض النظر عن البعد السياسي وراء هذه التصنيفات، يهمنا هنا مفعولها بمنظور التكوين الثقافي، وسلبياته بالنسبة إلى حديثي العهد بالإسلام وحديثي العهد في الإقبال على التزام الإسلام من جيل الشبيبة، مما يجعل قضية الخروج من فوضى المفاهيم والمصطلحات والتوافق على الأسس والمعايير المشتركة قضية بالغة الأهمية لمن يريد أن يشتغل في الشأن الثقافي للوجود البشري الإسلامي الكبير والمتنوع في بلدان الغرب.

المسلمون في الغرب من وافدين إلى جزء أساسي من المجتمعات الغربية

يتطلب التلاقح الثقافي بين الحضارات البشرية انفتاحا متبادلا يغيب تأثيره في حالة الصراع، ولا يخفى ذلك في معظم الردود الفكرية على أطروحة صموئيل هيننجتون بشأن “صراع الحضارات”. والصراع من صنع تطلعات “الهيمنة” التي لم تقتصر على جوانب سياسية وأمنية واقتصادية، بل اعتمدت اعتمادا أكبر على القطاعات الفكرية والثقافية، ويواجه الإنسان الفرد في الغرب حاليا صورة مشابهة بمنظوره، هي ما يوصف بتعبير “إسلاموفوبيا” الذي لا يقتصر على إثارة المخاوف بذريعة ظاهرة “الإرهاب”، هذه الحالة هي التي نشرت صيغة تقول إن الوجود الإسلامي في الغرب وجود طارئ أو وافد، ونخطئ خطأ جسيما عندما ننطلق منها في متابعة تجليات الاندماج الثقافي للمسلمين في الغرب، فالواقع أن العنصر الإسلامي كان -تاريخيا- من المكونات البشرية والثقافية لما نسميه الغرب حاليا (٩).

وانطلاقا من المعيار العقدي أيضا تحسن الإشارة إلى أن الوجود المسيحي في الغرب نشأ نشأة مشابهة، بشريا في أوروبا بالاعتناق التدريجي للمسيحية التي ظهرت أولا في “المشرق العربي” كالإسلام، ثم انتشر تأثيرها الثقافي في صيرورة الغرب تدريجيا.

لم يقتصر وصول المسلمين إلى أوروبا على الفتوحات قديما والهجرة العمالية والطلابية ثم التشريد السياسي حديثا، فعلاوة على سلسلة الفتوحات العربية والتترية والعثمانية منذ الوصول إلى داغستان (٢١ هـ)، تتحدث كتب التاريخ عن الوجود الإسلامي البشري في منطقة البلقان وسواها قبل الفتح العثماني بقرون.

وبين أيدينا شواهد عديدة “غربية المصدر” نردد ذكرها على ألسنة مفكرين وأدباء غربيين، بصدد التأثير الفكري والثقافي للإسلام في تكوين الغرب الحديث ثقافيا، منذ حقبة الفلسفة الإنسانية وفلسفة التنوير التي أصبحت بداية النهاية للسيطرة السياسية والثقافية الكنسية.

في الوقت الحاضر لم تتجاوز ألمانيا -كمثال- نفسها وتتعامل مع الإسلام باعتباره جزءا منها، إلا بصعوبة كبيرة بعد جدال دام عدة سنوات، والواقع أن الإسلام جزء أساسي تاريخيا وواقعيا في القارة الأوروبية بمجموعها ولا سيما في غربها (١٠).

إن تعامل المسلمين مع أنفسهم كوافدين أوجد انفصاما مع الآخر عقديا، ونشر ذلك أيضا في علاقة الناشطين مع سواهم، والعلاقة بين الوافدين فعلا وبين فريقين من المسلمين هما الأقدر على ممارسة الأنشطة المؤثرة عموما، فريق معتنقي الإسلام من ذوي الأصول الغربية وفريق الجيل الناشئ منذ ولادته على الإسلام في الغرب فيعتبره موطنه الأصلي ويتعامل مع البلدان الإسلامية وقضاياها باعتبارها مواطن أسلافه وإن ارتبط بعقيدة أهلها.

إن شعور المسلم في الغرب أنه في “موطنه” من أهم الشروط الموضوعية لتغلب إيجابيات الاندماج الثقافي على سلبياته، بالمعيار العقدي، فهذا الشعور يوجد الثقة بالنفس بما يشمل المعتقد والقيم والقدرة على الإسهام في تكوين المجتمع، كما أن طرائق العمل الجماعي في قلب المجتمع وتنوع فئاته، تكتسب آنذاك أشكالا جديدة أكثر تأثيرا مما ساد في عقود سابقة. والواقع أن كل صيغة من الصيغ المعبرة فرديا عن الانتماء العقدي -كالحجاب مثلا- تعبر في الوقت نفسه عن صورة من صور التجليات الثقافية بالمعنى العام للكلمة، ويمكن بالتالي أن تجد الرفض عند ممارستها من منطلق “تميز الوافد” الطارئ على المجتمع، أو أن تجد التفاعل الإيجابي عند ممارستها من منطلق “الحق المشروع” لفرد ينتمي إلى ذاك المجتمع ويعتبر نفسه جزءا منه ويتعامل مع الآخر على هذا الأساس، وعندها تظهر حواجز “مشتركة اجتماعيا” تعزل من ينكرون هذا الحق المشروع لجزء من المجتمع المتنوع واقعيا.

على أن ذلك لا يحقق مفعوله المرجو عندما تكون الممارسة دون أن يكون الفرد المسلم قادرا على التعامل مع حقوق الفرد “الآخر” بدرجة مشابهة من الاحترام وإن اختلفت مع ما يعتقد به، ولا يعني ذلك المشاركة المباشرة، أو التخلي عن التصورات الذاتية. كما يعزّز الفرد المسلم موقعه في المجتمع عبر الحرص على تفعيل القواسم المشتركة مع الآخر، أي التحرك بموجبها في أنشطة ودعوات وممارسات جماعية لصالح المجتمع في ميادين عديدة، تبدأ بحماية البيئة مثلا وتصل إلى مناصرة قضية الإنسان والعدالة، وبالتالي مواجهة المظالم السياسية والاقتصادية والأمنية التي تستهدف الإنسان وتنتهك العدالة والكرامة والحريات والحقوق المشروعة، في أي بقعة من الأرض، بما في ذلك البلدان الإسلامية التي يرتبط بها مسلم الغرب عقديا من جهة، ومن جهة أخرى يرتبط بها إنسانيا مع “الآخر عقديا”.

جوهر المشكلة كامن في النقلة الصعبة بين النظرية والتطبيق، وهنا يلعب الإرث المعرفي والثقافي لدى الفرد المسلم في الغرب دوره، وليس مجهولا أنه إرث مثقل لدى الجيل الأكبر سنا بأعباء جولات الصراع والهيمنة منذ قرون عديدة، إذ تركت تأثيرها فكرا وثقافة وتصورا على أجيال متتابعة، وتتسرب إلى الشباب المسلم في الغرب أيضا، وبالمقابل تتسرب بصورة معاكسة إلى “الآخر” من الشباب الغربي.

لهذا نرصد في أوساط الشبيبة من الطرفين ما يبلغ درجة الانحلال الفكري والقيمي والسلوكي، أو درجة التطرف والاستعداد لاستخدام العنف غير المشروع، فينزلق فريق إلى طريق تنظيمات “إرهابية” تحت عناوين إسلامية، وينزلق في آخر إلى أنشطة معادية للإسلام والمسلمين، مما يوصف غالبا باليمين المتطرف.

تبدل تدريجي لدور منظومة القيم في علاقة الآخر بالمسلمين في الغرب

الانطلاق في الشأن الثقافي من معايير منظومة القيم العقدية للمسلم في الغرب يستدعي مراعاة ما يوجد من معايير قيمية أوسع انتشارا في المجتمعات الغربية، مع ملاحظة أن القيم الإسلامية في منزلة “ثوابت” عقدية تصلح لكل زمان ومكان، بينما يجمع التصورات الثقافية وغير الثقافية في الغرب قاسم فلسفي مشترك يرى “القيم” بما فيها العقدية من صنع الإنسان لنفسه، فهي قابلة للتبدل بتأثير الظروف والمستجدات والرؤى البشرية، وهذا مما تعنيه دعوات دائمة أن يخوض المسلمون بإسلامهم مرحلة “حداثية” على غرار ما شمل الكنيسة في أوروبا من قبل.

تطوير القيم، بمعنى تبديلها في الغرب ترك أثره في مختلف الاتجاهات الثقافية والممارسات الاجتماعية التي نعايش حاليا آخر ما وصلت إليه مبدئيا، واستغرق ذلك مسيرة أجيال متتابعة، أبرز ما كان خلالها بأثر توجيهي في صناعة الإنسان الغربي هو هيمنة الاتجاه الفلسفي الماركسي في شرق أوروبا، والوجودي الحداثي في غربها، والواقعي النفعي “البراجماتي” في الغرب الأمريكي. ورغم كثرة الحديث عن “الحريات والحقوق” يجمع بين تطبيق هذه التصورات الفلسفية قاسم مشترك ينطوي على “إكراه” الإنسان الفرد على نمط معيشي اجتماعي وثقافي، يُفرض قسرا أو ينشأ تدريجيا نتيجة ضغوط المجتمع، يصنعه استبداد حزبي بمنطق “حتمية التاريخ” شيوعيا، أو الإغراء بإلغاء ضوابط “التحرر الفردي” وجوديا، أو إعطاء الأولوية للمنفعة الفردية وبالتالي للقوة المادية على ما سواها “براجماتيا”.

بلغت هذه الاتجاهات “الحداثية” وما شابهها منتهاها إنسانيا فماتت “الحداثة” وفق تعبير فلاسفة ما بعد الحداثة. وكان استقرارها ردحا من الزمن عبر صياغة علاقات اجتماعية وثقافية تشمل تكوين نسبة من أفراد المجتمع، يدافع الفرد منهم بنفسه عن أسباب السيطرة المادية على نمطه المعيشي، وهذا ما اعتمد إرث معرفي وثقافي غربي ارتبط تاريخيا بجذور فلسفة عنصرية طبقية منذ “المدينة الفاضلة” إغريقيا، وبهيمنة فلسفة الغلبة في جولات الصراع المتوارث حتى عصرنا الحاضر.

إن طبيعة العلاقة مع الآخر عالميا -وليس داخل نطاق الغرب فقط- هي من منتجات التمييز بين إنسان وآخر عنصريا وعقديا، ونشر رؤية ذاتية تحققها الغلبة بمختلف أسباب القوة. هنا يتحول حق الحرية الفردية في أدنى الدرجات إلى “حظر المعارضة الفعالة” للممارسات التي يملك إمكانات صياغتها ونشرها من يملك أسباب القوة المتعددة الأشكال لتبديل منظومة القيم.

تحقق ذلك داخل الغرب بأجنحته الجغرافية الثلاثة المشار إليها، واعتمد على أن منظومة القيم في حقبة السيطرة الكنسية والإقطاعية اعتمدت بدورها على فرض ما تراه بمنطق الغلبة والتمييز، فأمكن توجيه التخلص الفردي والجماعي منها باستخدام سلاحها نفسه إذا صح التعبير. ولم يكن هذا قابلا للتطبيق بنتائج مستدامة مع عنصر الوجود البشري الإسلامي وارتفاع نسبته في المجتمعات الغربية، مما يسري في الشرق الجغرافي فينعكس في ديمومة تمرد الشعوب الإسلامية في وسط آسيا وفي قفقاسيا، كما يسري في الغرب الجغرافي على الكتلة البشرية المتزايد عددها من المسلمين، وينعكس في عدم التخلص من توتر العلاقات الاجتماعية والثقافية لفترة طويلة، فيلاحظ حاليا أن إخفاق التجربة الشيوعية مع “الآخر” من المسلمين وعدم انصهارهم قسريا، أورثت حرصا كبيرا على عدم القبول بازدياد الوجود البشري للمسلمين، والحجة العلنية هي الخشية على “القيم المسيحية والعلمانية”، بينما يشهد التعامل مع “الآخر” من المسلمين في الغرب بدايات تعديل ممارسات سابقة مماثلة، وإن بقي ذلك حتى الآن في مرحلة “تطور تدريجي” لم يصل إلى غاياته (١١).

على ضوء ما سبق وانطلاقا من دور “القيم” في علاقة الآخر مع المسلمين في الغرب ومفعولها الثقافي والاجتماعي، نفصل بين ممارسات ترتبط بالعلاقات البينية الغربية ثقافيا واجتماعيا، كالعلاقة بين الجنسين، وإعطاء الأولوية للحرية الفردية لا سيما الإعلامية والفنية على حرية العقيدة، عن قطاع علاقة الغرب بالمسلمين فيه على هذه الأصعدة وسواها، وهنا يوجد توجه عام لاعتبار الالتزام بالدساتير والقوانين يوجب على المسلمين تأييد تلك الرؤى والممارسات بل والمشاركة فيها، وليس هذا صحيحا، والشاهد عدم وجود أي نص قانوني يمس التعامل مع القيم والممارسات الاجتماعية، دون وجود أصوات معارضة له داخل أجهزة التشريع الرسمية نفسها، فلا يوجد دستوريا ما يلزم “جميع” الأفراد والفئات بتأييد ما يتناقض مع “ضميرهم” -وفق التعبير الدستوري- وإن وجد غالبية عالية من التأييد.

إن الدعوات لالتزام المسلمين بتأييد ما لا يقتنعون بصحته “قيميا”، والتي تصل إلى درجة الضغوط المباشرة، في المدارس مثلا، تنطوي على تناقض كبير يمكن أن يعتمد عليه المسلمون للحفاظ على معاييرهم الذاتية في التعامل مع تطور القيم الغربية ومفعولها تطورا يتناقض مع معايير قيمهم العقدية. ويكمن التناقض في تطبيق ما يسمى “حق الأقليات”، فمفهوم حق الأقليات يشمل -نتيجة تعميمه على فئات من المجتمع عموما- ما يسمونه علاقة المثليين من الجنسين مثلا، فيعطي المنطق الدستوري لأقليات المسلمين سكانيا إمكانية المطالبة فكرا وإعلاما وسياسة وأنشطة إلى درجة المقاضاة، بأن تكون لهم تصوراتهم وممارساتهم المرتبطة باقتناعاتهم ومعتقدهم، وليس هذا الطريق سهلا، ولكنه يحقق الغاية المطلوبة ألا يتعرض المسلمون في نهاية المطاف إلى المحاسبة على تميزهم القيمي في مجتمع غربي يوجد فيه أنواع عديدة أخرى من مثل هذا التميز.

على هذا الصعيد يمكن اعتبار تجربة التعامل “قضائيا وتقنينا” مع الحجاب في ألمانيا نموذجا، فقد وجدت العقبات والرفض في بدايات إثارتها عبر أولى خطوات حظر حجاب المعلمات في المدارس، ولكن شهدت الأعوام التالية كيف انتشر الحجاب باطّراد، في المدارس، وعلى نطاق واسع في معظم القطاعات المهنية والاجتماعية فأصبح واقعا قائما (١٢).

قضية التجليات الثقافية للمسلمين في الغرب قضية شاملة لمختلف الميادين الاجتماعية والسياسية والفكرية والأدبية وغيرها، وتلعب “القيم” من ورائها دورا حاسما في صناعة منظومات السلوك الفردية والجماعية، ولهذا يمكن التأكيد أنها قضية أجيال، وليست مجرد جولة من الجولات، ولا ينبغي التعامل معها وكأنها “مشكلة” اللحظة الآنية وحدها.

نماذج لتعدد التجليات الثقافية للمسلمين في الغرب

على خلفية ما سبق ينطلق كاتب هذه السطور من معايشة الوجود الإسلامي في الغرب خلال خمسين عاما، في المحاولة التالية لتصنيف التجليات الثقافية للمسلمين عموما، بمعنى تصنيف ما يسود من تصورات وممارسات فردية وجماعية، ما بين محددات “العزلة” و”الذوبان” أو الانصهار بمنظور المعايير العقدية إسلاميا.

١- العزلة السلبية: هي الانقطاع عن التعامل الفعال فوق حد الضرورة مع المجتمع، وسلكت نسبة عالية من المسلمين في النصف الثاني من القرن الميلادي العشرين سبيل العزلة الثقافية والاجتماعية والسياسية عن المجتمع الغربي، لأسباب عديدة، منها أن الغالبية كانت من أوساط عمالية ومن المشردين، فلم تملك الوسائل والأدوات للتعامل إسلاميا مع الحياة الثقافية والممارسات الاجتماعية في الغرب، كما أن “المستوطنين” من المسلمين كما في فرنسا وبريطانيا كانوا في مركز الأضعف اجتماعيا، نظرا إلى انتماء غالبيتهم إلى بلدان مستعمَرة.

ثقافيا انعكست نتائج العزلة السلبية في نشأة تجمعات منعزلة ذات مستويات ضعيفة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، فلم تطرح أنشطة وممارسات تعبر عن قيم إسلامية مميزة، ناهيك عن طرح صيغة “حياة” متكاملة بديلة أو مؤثرة داخل المجتمعات الغربية، وإن حملت الظواهر السلبية عناوين “عقدية” إسلامية لا تتوافق مع ما يطرحه الإسلام وقيمه من رؤى إنسانية ترقى بالفرد والمجتمع إلى درجة ريادية نافعة.

٢- العزلة الإيجابية: المقصود بالتعبير هنا هو ارتفاع نسبي لمستوى فهم الإسلام وتطبيقه في الحياة الفردية والأسروية وبعض الأنشطة الجماعية، ولكن تركز ذلك على علاقات المسلمين ببعضهم بعضا، ونشأ في العقود الأخيرة من القرن الميلادي العشرين بتأثير تنظيمات إسلامية ترتبط بالمواطن الأصلية للوافدين، إنما لم يقترن بارتفاع مستوى الفهم والتطبيق في مواطن التماس والتداخل مع مجتمعات غير المسلمين من الغالبية السكانية، وكانت العزلة الإيجابية من نتائج الصحوة الإسلامية وانتشار “العمل الحركي” في الغرب الأمريكي والبريطاني خاصة ثم في سواهما، ولكن غلب الاهتمام بقضايا البلدان الإسلامية فعزّز الانطباع بأن المسلمين في الغرب جزء من “العالم الإسلامي” داخل “العالم الغربي”، دون قواسم مشتركة مع الآخر في الغرب.

ثقافيا كان من انعكاسات العزلة الإيجابية ارتفاع مستوى معرفة الفرد المسلم بقيمه العقدية، وإعداد شخصيته الفردية إعدادا أفضل، مقابل عدم توظيف الوعي والمعرفة في العلاقة مع الآخر في الميادين المعيشية عموما وليس في الميدان الثقافي فحسب.

٣- المعركة الخاسرة: مع ازدياد مفعول “الاستعمار الحديث” عالميا -هيمنة أمنية وسياسية واقتصادية- يصوّر تعبير المعركة الخاسرة “حالة احتجاجية” من جانب نسبة عالية من المسلمين الناشطين لصالح البلدان والقضايا الإسلامية، دون تحقيق الأهداف المرجوة، لافتقارها إلى حرفية تنظيمية وإدارية وإمكانات مالية كافية، وكذلك إلى قاعدة بشرية عريضة، واعية وناشطة، ليس من المسلمين فقط، بل بمشاركة ناشطين منصفين من غير المسلمين، يشاطرون المسلمين الرؤية إزاء ممارسات “الاستعمار الحديث”، كما تشهد موجات الاحتجاج الأوروبية الجماهيرية على تلك السياسات، في مواكبة ما تعرض له قطاع غزة والعراق بعد أفغانستان، وذلك بمشاركة صناع الحدث الثقافي والأدبي والرأي العام خارج نطاق السياسات الرسمية.

ثقافيا كان من نتائج حالة “المعركة الخاسرة” غياب المكاسب وبالتالي انتشار خيبات أمل ذاتية، أوجدت حاضنة لردود فعل ذاتية متطرفة، سهّلت توظيفها في إثارة حملات مضادة شاع وصفها بعداء اليمين المتطرف والتخوف المرضي (الرهاب) من الإسلام / إسلاموفوبيا دون أن يمتلك من يخوضون من المسلمين تلك المعركة الخاسرة وسائل ثقافية وأدبية واجتماعية ضرورية لمواجهة تلك الحملات مواجهة هادفة.

٤- المسلمون الغربيون: رغم أن التعبير “استفزازي” لبعض من يخطئون في حصر “عالمية الإسلام ودعوته” في إطار المسلمين من البلدان ذات الغالبية السكانية من المسلمين، فهو التعبير الأنسب لوصف جيل من فئة عمرية لم تعد من الناشئة والشبيبة فقط، تمثل غالبية الوجود البشري للمسلمين في الغرب، وتضم معتنقي الإسلام من أهله الأصليين كما تضم الجيل الثاني والثالث من مواليد الغرب، انحدارا من أجيال الوافدين سابقا، وهؤلاء يعتبرون الغرب “موطنهم” ويتعاملون مع مجتمعاته على هذا الأساس، ولم ينشأ بذلك ما شاع وصفه سلبيا بإسلام غربي يفتقر لمقومات أساسية، فالواقع أن المنتسبين إلى هذا الجيل يجتهدون في ممارسة “الإسلام الصالح لكل مكان.. وزمان” وفي الجمع بين مقوماته الأساسية ومقتضيات العالم والعصر حيث يعيشون.

ثقافيا كان من نتائج ولادة هذه الفئة ظهور أنشطة وممارسات ثقافية وفكرية واجتماعية وأدبية، متفاعلة مع منظومة القيم الإسلامية، ومتأثرة بالأساليب السائدة في مجتمعات غربية، ولا يمتنع هؤلاء عن مشاركة “الآخر” حيثما غلب على تقديرهم عدم التناقض مع ما وصل إليهم من العلم بكليات الإسلام ومقاصده الكبرى، دون التقيد بالاجتهادات الفرعية القديمة والحديثة. إنما لا يخفى وجود نقص معرفي لنقص المصادر والمراجع على مستوى الكليات والمقاصد بالمقارنة مع ما يطرح الاجتهادات “المترجمة والمصنفة”، وبالمقابل لا يخفى أن هذه الفئة أقرب إلى تمثيل “الاندماج الإيجابي” ما بين العزلة والانصهار، ارتفع تعدادها ولا تجد من يحتضنها ويحتضن أنشطتها المتنامية، وفي الفقرة التالية المزيد حول هذه التوجهات.

٥- المسلمون المتغربون: ليس هذا التعبير دقيقا ولكنه أقرب إلى وصف فئات أصبحت محدودة العدد في هذه الأثناء، لا تتميز عطاءاتها الثقافية والفكرية والأدبية جوهريا عما يسود في الغرب عموما، وكانت نشأتها الأولى مواكبة لنشأة فئات العزلة السلبية والإيجابية من المسلمين، وقد وجد الأقدر من أفرادها على خوض ميادين التأليف تخصيصا من يحتضنهم من الأوساط الغربية، عبر دور النشر ومراكز الأنشطة الأدبية والفنية، ومن خلال جوائز التكريم وعبر وسائل الإعلام، ومن هؤلاء من تقدمت بهم السن وضعف تأثيرهم، إلا أن ما أنتجوه مباشرة أو تبنوه -ترجمة وترويجا- من إنتاج فئات مشابهة داخل البلدان الإسلامية، ساهم في ظهور فئات محدودة العدد أيضا، مؤثرة نتيجة احتضانها غربيا، من جيل أصغر سنا، وأبعد مدى في رفض القيم العقدية والممارسات السلوكية الإسلامية وتبني القيم والممارسات الغربية (١٣).

ثقافيا يوجد خلل كبير عند رصد حجم الدعم الغربي للعطاءات المتغربة، الثقافية والأدبية والفكرية وحتى الإعلامية والسياسية والأنشطة الاجتماعية، ومقارنة حجم هذا الدعم بانخفاض نسبة القائمين على هذه العطاءات، وهم من المنصهرين غربيا، مع صعوبة نسبتهم إلى ثقافة وفكر بمعايير إسلامية.

نماذج لتأثير جيل الشبيبة من المسلمين في التفاعل الثقافي

لا ينشأ التفاعل الثقافي بمعنى الأدبي والفني وما يتفرع عنه نشأة تلقائية، بل يحتاج إلى أرضية يقوم عليها، لا سيما وأن الإرث المعرفي للعلاقة بين “الإسلام والغرب” إرث ثقيل، تمنع صيرورة هيمنة المواجهة فيه من نقلة سريعة إلى وضع حضاري وثقافي متوازن يقوم على التلاقح دون فقدان الهوية من جهة، ودون محاولات قهر “الآخر” حضاريا وثقافيا من جهة أخرى.

الخطوة التمهيدية الأولى لتجاوز أعباء متوارثة وأحكام مسبقة، هي إيجاد أسس ومعطيات جديدة للتعامل، وهو ما لم يتم ترسيخه عبر أنشطة حوار تميزت بها العقود الأخيرة من القرن الميلادي العشرين، إذ قضت عليها وعلى بدايات تأثيرها حقبة الحروب الجديدة مع مطلع القرن التالي، وسط شعارات وممارسات كان معظمها حول محور “الإسلام عدو بديل” بعد سقوط الشيوعية وحول محور “الحرب على الإرهاب” لتبرير حملات هيمنة وصلت في هذه الأثناء إلى ما ينبغي وصفه بالفوضى الهدامة.

إن الجهد العملي المباشر لإيجاد أسس ومعطيات جديدة للتعامل الإيجابي هو العنصر المميز لنماذج تنتشر في الغرب عموما، تمثل بدايات تيار يتنامى حجما ومفعولا، ويغلب الصواب فيها على الخطأ برأي كاتب هذه السطور، الذي يختار معظمها من ألمانيا نتيجة الاطلاع المباشر بحكم مكان الإقامة.

من هذه النماذج “أسنان العجلة” (١٤)، وهو تعبير يرمز لأهمية عمل الفرد، فلكل سنّ دوره، ولأهمية العمل الجماعي، فإنجازات العجلة حصيلة الأعمال الفردية المتناغمة. واختير هذا التعبير لتسمية شبكة أنشطة شبابية إبداعية يقوم عليها شباب مسلمون في ألمانيا في الدرجة الأولى، من أبرز مؤسسيها وأعضائها علي أصلان جوموسي، الذي يعدّ حاليا رسالة الدكتوارة في إدارة الأعمال في جامعة أوكسفورد، وزوجه “كبرى جوموسي” حفيدة أحد الوافدين الأتراك للعمل في ألمانيا، وعُرفت قبل زواجها بكتابات صحفية إسلامية في وسائل إعلام ألمانية معروفة، مثل جريدتي “دي تسايت” الأسبوعية و “تاجس” اليومية، ويقول أصلان علي: “يريد المسلمون المشاركة في المجتمع الألماني، ولا يتمكنون من ذلك غالبا أو لا يعرفون الطريق الناجعة لمشاركتهم” وهذا منطلق الفكرة التي دفعته عام ٢٠١٢م مع عدد من الشبيبة المسلمة في ألمانيا إلى تأسيس شبكة “أسنان العجلة” التي مارست أنشطة عديدة في هذه الأثناء وعقدت مؤتمرات سنوية، آخرها في أيار/ مايو ٢٠١٦م في مدينة كولونيا، وتستقطب المؤتمرات والأنشطة الشبيبة الإسلامية المثقفة، فهم “صناع التغيير ومؤسسو شركات تدعم المبادرات الذاتية والإبداعات واستقلال الشخصية وتضع حلولا للمشكلات التي تعترض المشاركين فيها”.

هذا ما يبرز للعيان في المؤتمرات السنوية الجامعة وفي لقاءات عديدة على مستوى الولايات الألمانية، إذ يطرح الشباب والشابات أفكارا ومشاريع عملية مفيدة ذاتيا. وتجد هذه المبادرات والمشاريع الدعم للانتقال بها إلى أرض الواقع، وكان من العناوين لذلك قبيل المؤتمر الأخير في أيار / مايو ٢٠١٦م “الإمكانات المتوافرة من أجل المكفوفين المسلمين”، و”العقبات التي تعترض الصمّ المسلمين في الحياة اليومية”.

وتجد شبكة “أسنان العجلة” دعم “مجلس التطوير البريطاني” و”الهيئة الإسلامية العالمية للإغاثة-ريليف” و”رابطة التعليم والمساعدة” في ولاية رينانيا وستفاليا الألمانية، ويشير تنوع مشارب الجهات الداعمة إلى الأصداء الإيجابية من وراء سلوك طريق عملية في العطاء والاندماج إلى جانب انطلاق الشبيبة من تجاوز إشكالية تعدد التنظيمات.

يسري ذلك أيضا على مجموعة “جائزة إ-سلام” (١٥) والفصل مقصود بالشرطة الاعتراضية نقلا عن كتابة التسمية بالحروف اللاتينية، وذلك بصورة فنية يرمز فيها حرف (إ) إلى التقنية الافتراضية، بينما تبرز كلمة “سلام” مستقلة، والحصيلة هي: “إسلام”، وتشمل أنشطة المجموعة مسابقات للشبيبة والناشئة من المسلمين في الأدب والشعر والتصوير والموسيقا وغير ذلك، وهو ما ينطوي تلقائيا على الصبغة الإسلامية في نقاط التماس بين القيم الذاتية والقيم الغربية.

ونموذج من نوع آخر للأنشطة الشبابية من منطلق إسلامي في الغرب ما أقدم عليه نيفيد أخضر، وكان صحفيا في بي بي سي العربية، فأسس شركة “الشيميا ميديا” لإنتاج ثقافي متنوع حول الإسلام والعالم الإسلامي، بما يشمل ميادين عديدة ما بين التاريخ والفنون، وما بين التعريف بشخصيات إسلامية معاصرة والأزياء، ويقول:

“السوق (الإعلامية) حافلة بأسوأ الأخبار عن الإسلام، والعالم كله يريد أن يعرف الإيجابيات عن ديننا بدلا من الاكتفاء بأخبار المشاكل والأزمات الواردة من سورية وليبيا واليمن وغيرها” (١٦)، ويحرص أخضر على تأمين نفقات مؤسسته عبر الواردات والاشتراكات الفردية ليمنع التأثير السلبي المحتمل عليها من جانب كبار الممولين كما يقول.

ومن النماذج التي تعتبر جسرا بين أساليب الأنشطة الإسلامية في العقود الماضية وأساليب جديدة مستقبلية، ما حققه “مركز وملتقى تدريب وتأهيل النساء المسلمات” (١٧) في كولونيا، الذي تأسس عام ١٩٩٦م بمبادرة من المسلمة الألمانية المتخصصة في التدريس والتربية إيريكا تايسن، ويتردد عليه ويستفيد من أنشطته سنويا مئات المسلمات الشابات والناشئات من أكثر من أربعين جنسية، وحصل على جوائز تقديرية عديدة، لعمله في “الدعم والترشيد والتدريب للنساء والبنات بهدف النجاح في المجتمع مع الحفاظ على الهوية المسلمة”. وهنا أيضا كان من وراء النجاح الملحوظ للمركز سلوكه الطريق العملي للاندماج الإيجابي، مع عدم البقاء في حلقة تنافس سلبي أو صراع مسيء بسبب تعدد الانتماءات للمسلمين.

ويمكن تعداد مزيد من النماذج لأنشطة كبيرة وصغيرة، إذ لا تخلو مدينة يقطن فيها مسلمون إلا وفيها أنشطة شبابية قائمة بذاتها، تخدم الجمع بين التعليم والتربية والإبداع في المجالات الثقافية وغيرها. وألمانيا مثال على سواها من حيث حضور جيل الشبيبة من المسلمين على كل صعيد، بل أصبح العديد من الشباب والشابات من المسلمين الجامعيين مرجعا لدى المسؤولين السياسيين والباحثين الجامعيين في قضايا هامة وحساسة مثل تدريس الدين الإسلامي وإعداد الأساتذة والتعامل مع قضية الاندماج في البلاد.

كما يزداد ظهور الشبيبة المسلمين من المثقفين والمتخصصين سنويا في عالم الإعلام، بعد أن كان حكرا على من يوصفون بالخبراء في الإسلام ممن كان ينطلق غالبا من رؤى غربية تقليدية متوارثة وأحكام مسبقة. ومن هؤلاء مسلمون مستوطنون، تصدروا من قبل المشهد الثقافي نتيجة دعمهم من جانب دور النشر ومراكز الفنون في الدرجة الأولى، ولا يزال لهم وجود على الساحة أيضا، إنما بنسبة محدودة بالمقارنة مع العقود الماضية، وقليل منهم من ينتمي إلى الجيل الثاني من المسلمين الوافدين سابقا.

إن بذور الأنشطة الإيجابية الشبابية للمسلمين في الغرب حاليا، هي الخطوة الأولى على طريق تأثير ثقافي مستقبلي من جانب المسلمين في الغرب على مجتمعاتهم، بعد أن سادت لفترة طويلة حالة الضعف الشديد، إما نتيجة العزلة السلبية أو نتيجة الانصهار وفقدان الهوية الذاتية.

نظرة استشرافية للتأثير الثقافي المتبادل بين المسلمين والآخر في الغرب

قبل جيل أو جيلين كان أقصى “تمنيات” القلة المسلمة في بلد كألمانيا أن تتناول وسائل الإعلام ولو بخبر عابر قضايا الإسلام والمسلمين، أو أن يقول أحد أصحاب التأثير كلمة منصفة بشأن الإسلام، أو أن يقبل الشباب على القليل من المصليات في مدن تجمع عددا لا بأس به من المسلمين.

جميع ذلك موجود الآن بصورة تجاوزت التمنيات والتوقعات، واحتاج هذا التطور إلى عدة عقود من الزمن، لأنه قضية أجيال بطبيعته ولا يحصل قسرا أو يظهر فجأة، وشبيه ذلك يمكن أن يحصل خلال جيل أو جيلين على صعيد “الأمنيات” الحالية، أن يكون للمسلمين في الغرب تأثير ثقافي وحضاري هو الأساس للتأثير على صناعة القرار في ميادين أخرى، ويوجد بين أيدينا ما يكفي من أسباب للقول بوجود شتلات مستقرة على هذا الصعيد وليس مجرد “نواة” فحسب. ويسري شبيه ذلك على أصعدة عديدة، إذ لا تنفصل أسباب التأثير الثقافي ووسائله وأدواته عما يماثل ذلك من تأثير في الميادين الأخرى، العلمية والتربيوية والاجتماعية وغيرها، وجميع ذلك في حاجة إلى تراكم الإبداعات والتفوق فيها.

إن استشراف نمو التأثير الثقافي للمسلمين في الغرب رؤية مستقبلية غير جامدة، بل تتغير بتغير المعطيات، وترتبط بمدى ما يبذل من جهود، ستواجهها بالضرورة عقبات متوالية، فيتطلب تجاوزها الاستمرار مع مضاعفة الجهود، ولا يفيد هنا استعجال مسار التطور الطبيعي المطلوب بخطوات أو تحركات متسرعة، بل يمكن أن يصنع التسرع مزيدا من العقبات الكأداء أيضا.

ومن باب رؤية ذاتية لتحديد بعض المعالم الكبرى لاستشراف المستقبل الثقافي للمسلمين في الغرب، سلبا وإيجابا، يمكن طرح بعض عناصر التأثير الثقافي المرجو مع الاندماج الإيجابي المطلوب، والشروط الأساسية الواجب توافرها، والآليات المطلوبة العمل لذلك.

من عناصر ممارسة تأثير ثقافي أكبر:

١- انتشار إبداعات أدبية وفنية راقية بخلفية أو روح إسلامية، تجد القبول والتقدير في الأوساط العامة.

٢- ظهور شبكات فعالة للتواصل والتلاقح الثقافي المتوازن بين أصحاب العطاءات من مختلف الانتماءات.

٣- ارتفاع المستوى العلمي والمعرفي بين المسلمين ولا سيما جيل المستقبل منهم.

٤- تأمين قاعدة شعبية أكبر للتفاعل، عبر معالجة ما بقي من مظاهر العزلة بين المسلمين وسواهم.

٥- تطوير العلاقة بين المسلمين من علاقة تعددية سلبية إلى علاقة تنوع وتخصص تكاملية.

٦- تجاوز ما بقي من “انفصام بين الأجيال” عبر مزيد من التركيز على استقلالية المسار الشبابي ودعمه.

إن الفئة المرشحة للقيام بهذا الدور مستقبلا هي جيل المستقبل، من الشباب والناشئة حاليا، ولا يمكن أن تنهض بدورها دون العمل منذ الآن لتأمين الشروط الضرورية للتوازن بين ضوابط التأثير المتبادل مع المجتمعات الغربية، وبين ضوابط الحفاظ على هوية الوجود البشري الإسلامي في المجتمع المشترك دون عزلة سلبية ودون روح “التعالي” على الآخر، التي يجد بعض المتحمسين ما يعللها ويبررها، وهذا منطلق في العلاقات الاجتماعية والثقافية، لا يختلف في خطورة مآلاته عن حالة الانصهار المرفوضة أيضا.

ومن الشروط المعنية بذلك:

١- التفوق في إتقان لغة بلد الإقامة وسواها من اللغات الغربية، فالعطاء الثقافي مرتبط بذلك.

٢- درجة كافية من المعرفة بتاريخ المجتمعات الغربية وتطور الأفكار الفلسفية والرؤى المؤثرة فيها.

٣- ارتفاع نسبة المتفوقين في الدراسات والبحوث العلمية في مختلف الميادين وليس ما يعتبر ثقافيا منها فقط.

٤- مضاعفة الاهتمام بشبكات التواصل في خدمة “التخصصات” ومتابعة ما يستجد فيها والعمل لتكاملها.

٥- تجنب الطرح النظري وربط العطاء الثقافي بمتطلبات الواقع القائم استيعابا وتعزيزا للقواسم المشتركة.

٦- تنمية المعرفة الذاتية بكليات الإسلام ومقاصده وقيمه، وتجنب لغة الطبيب والمريض في التعامل مع الآخر.

وإذا كانت البدايات الأولى لتنمية التأثير الثقافي المتنامي قد ظهرت متفرقة، فلن يكون استشراف زيادة مفعوله قويما دون الانتقال من حالة “التمنّي” إلى حالة صنع الآليات الضرورية لدفع عجلة التأثير الثقافي في الاتجاه الصحيح. ولن توجد هذه الآليات دون جهود مباشرة من المسلمين في الغرب، لا سيما جيل الشبيبة منهم، ومن الآليات على سبيل المثال دون الحصر:

١- دعم الجيل الأول دون شروط مسبقة للأجيال التالية لتظهر من صفوفه تشكيلات تواصلية -وليس تنظيمية تقليدية- على أساس التخصص، تتكامل مع بعضها بعضا في ميادين العطاء والإبداع.

٢- تطوير المرجعيات الحالية للإسلام في الغرب، مثل المجلس الأوروبي الأعلى للإفتاء، بتوسيعه لتمثيل المسلمين في الغرب مباشرة واستعانته بلجان تخصصية في مختلف الميادين الأساسية، وتنقية ما يتم تبنيه من اجتهادات، لتتوافر فيها شروط تلاؤم الفتوى مع المستفتي وظروفه الواقعية من حوله.

٣- إيجاد مؤسسات مشتركة ما بين الفعاليات الثقافية والمعرفية للمسلمين وبين ما يوجد في المجتمعات الغربية، لاستحداث أنشطة ثقافية مشتركة، بما في ذلك ما يستخدم جوائز التكريم والتقدير للإبداعات الثقافية والعلمية، التي تشمل المسلمين وسواهم.

٤- إيجاد مركز يرصد الأنشطة والمواقف المعادية للإسلام والمسلمين، ويرصد الأنشطة والمواقف الصادرة عن مسلمين المعادية للآخر، مع آلية اتخاذ القرار المشترك المناسب إزاءها، وتجنب أسلوب “شارع ذي اتجاه واحد” كما يجري في ميادين الجوائز الثقافية خاصة وميدان الدفاع عن حقوق الإنسان.

٥- ربط ما يوجد من مراكز بحوث علمية تتعلق بالإسلام والمسلمين في الغرب عبر شبكة تواصل وتعاون مع التخطيط لإنتاج مشترك، يرقى إلى مستوى ضبط التلاقح الثقافي دون هيمنة على الآخر أو عقدة نقص ذاتية.

والله من وراء القصد.

نبيل شبيب – ١٤ / ٧ / ٢٠١٦م

الهوامش

(١) لمن يريد الاستزادة حول الشأن الثقافي نشر بالعربية حول الثقافة ومفاهيمها كثير من الكتب والدراسات والمقالات، والعناوين التالية عينة من الكتب: مشكلة الثقافة لمالك بالنبي، الشاكلة الثقافية لعمر عبيد حسنة، إنسانية الثقافة الإسلامية لعدنان زرزور، خصائص الثقافة العربية والإسلامية في ظل حوار الحضارات لعدة كتّاب، الثقافة الإسلامية بين منهج الإسلام والنظريات المعاصرة لعبد الرحمن عميرة، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة لبرهان غليون وسمير أمين، المسألة الثقافية لرضوان السيد وأحمد برقاوي.

(٢) يشير إلى ذلك ما ورد في محاضرة ألقتها نجلاء كيليك، المعروفة بمواقفها الناقدة للتنظيمات الإسلامية، في ندوة عقدت تحت عنوان “المسلمون والإسلام والمجتمع الغربي”، يوم ٢٦/ ٤/ ٢٠١٦م في المنتدى السياسي للتأهيل – براندنبورج في ألمانيا، وتقول: “هدفي التعرف على العقبات المعيشية والاجتماعية التي تحول دون مشاركة جزء من مكونات مجتمعنا في الحياة الاجتماعية تلقائيا ومع الشعور بالمسؤولية، وأن الأمر لا يعود إلى مجرد مواجهة محضة مع ثقافة أخرى، بل يرتبط ذلك بأنماط السلوك والرقابة، ومن الطبيعي أن يكون للتصورات الدينية والثقافية دور كبير في ذلك”. نقلا عن موقع “معهد كونراد أديناور.

http://www.kas.de/wf/de/33.44982/

(٣) هذا ما يؤخذ من القوائم الدورية العديدة في سوق الكتب الألمانية، والتي تعتمد على معايير يتحدث عنها موقع مركز “تقرير الكتاب” الذي يشتغل في هذا المجال منذ عام ١٩٧١م لصالح مجلة دير شبيجل.

http://www.buchreport.de/bestseller/ermittlung_der_bestseller.htm

(٤) يؤخذ ذلك من تاريخ العلاقات البريطانية-الأوروبية، وانعكس ذلك في التحليلات والتعليقات على استفتاء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي نشرت حول ذلك تحليلات إعلامية عديدة، ومثال ذلك ما أوردته محطةN24   الإخبارية يوم ٢٢/ ٦ / ٢٠١٦م تحت عنوان: “علام لا يحب البريطانيون أوروبا ببساطة”.

(٥) سبق أن استثنيت فرنسا من القطاع الثقافي في مفاوضات منظمة التجارة الدولية عام ١٩٩٣م. وتهدد حاليا باستخدام حق “الفيتو” الأوروبي في المفاوضات الجارية منذ سنوات لتحرير التجارة الأوروبية-الأمريكية ووصفت وزيرة الثقافة الفرنسية أوريلي فيليبيتي الشأن الثقافي بأنه مثل الشؤون الدفاعية أو الزراعية. كما ورد في إذاعة “دويتشلاند راديو للثقافة” يوم ١٧/ ٦/ ٢٠١٣م

http://www.deutschlandradiokultur.de/die-kulturelle-souveraenitaet-ist-so-wichtig-wie-die.1013.de.html?dram:article_id=250314

(٦) تؤكد المادة ٢٢ من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان: “الاتحاد الأوروبي يحترم تنوع الثقافات والأديان واللغات”، والاحترام يعني الإقرار بوجودها، ويوجد مئات الانتماءات في كل من هذه المجالات الثلاثة، بينما لم يبلغ عدد الدول الأعضاء في الاتحاد ثلاثين دولة.

(٧) لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة بشأن تعداد المسلمين وفئاتهم العمرية، بل غالبا ما يؤخذ ذلك من مصادر إحصائية تتحدث عن ذوي الأصل الأجنبي، أو دراسات تقدر توزع النسب السكانية مستقبلا، ويقول أحدثها إن نسبة المسلمين في أوروبا عموما سترتفع من حوالي ٥ في المائة حاليا إلى حوالي ١٠ في المائة عام ٢٠٥٠م، وأن نسبة الشبيبة من المسلمين ترتفع باطراد، نظرا إلى أن وسطي عدد المواليد لكل امرأة مسلمة يناهز (١،٨) مقابل (١،٣) لسواها. من هذه الدراسات ما صدر عن مركز (PEW) للبحوث في واشنطون (http://www.pewresearch.org) في حزيران/ يونيو ٢٠١٥م حول المسلمين في العالم حتى عام ٢٠٥٠م، وتناقلت وسائل الإعلام تنبؤاتها على نطاق واسع، وانظر التفاصيل في:

(https://docs.google.com/spreadsheets/d/1tA3shbTN45mCD07Tgz-yF6WjtHgFLikdiBFt80ME_xk/edit?pref=2&pli=1#gid=1772121965)

ومن هذه الدراسات على مستوى ألمانيا ما صدر عن مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج والهجرة -SVR  (http://www.svr-migration.de) في التقرير السنوي لعام ٢٠١٦م، وقد حمل عنوان (تعدد الآلهة في دولة واحدة: التنوع الديني والتشاركي في دولة المهاجرين) (الملف:

http://www.svr-migration.de/wp-content/uploads/2016/04/SVR_JG_2016-mit-Integrationsbarometer_WEB.pdf)

(٨) في دراسة مستفيضة بعنوان “هل تتغير أوروبا بسبب اللاجئين” ألقيت كمحاضرة أمام رابطة جامعة هامبورج يوم ١٦/ ٣/ ٢٠١٦م، ينكر الأستاذ الجامعي راينر تيتسلاف القول بذلك ويستشهد بوجود الإسلام التاريخي وتنوعه في أوروبا، ويخلص إلى نتيجة تقول: “على الطرفين بذل جهود كبيرة لاستبعاد تأثير مواطن الخلاف الثقافية واعتبارها تنوعا ومصدر إثراء”.

http://www.rainertetzlaff.de/index.php/2016/04/22/veraendern-eingewanderte-muslime-deutschland-und-europa/

(٩) حول تاريخ الوجود الإسلامي في ألمانيا كمثال من الغرب انظر للكاتب: “المسلمون في ألمانيا – عبر محطات القرن الميلادي العشرين”، في المجلد الخامس من “حولية أمتي في العالم” بعنوان عدد خاص: الأمة في قرن، صدر في القاهرة، عن مركز الحضارة للدراسات السياسية، عام ٢٠٠٢م. (نشرت الدراسة أيضا ككتاب شبكي / إلكتروني في مداد القلم)

(١٠) أول من قال “الإسلام جزء من ألمانيا ومن أوروبا” وزير الداخلية الألماني الأسبق فولفجانج شويبلي عام ٢٠٠٦م، أي بعد ١٥ عاما من مقولة وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد تشيني في حينه “الإسلام عدو بديل”، وكان شويبلي بصدد افتتاح “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” لأول مرة، ولكن تُنسب العبارة عموما إلى الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف وقد ذكرها في الاحتفال الرسمي بيوم الوحدة الألمانية ٣/ ١٠/ ٢٠١٠م وواجه معارضة واسعة، وعادت المستشارة الألمانية أنجلا ميركل في مطلع عام ٢٠١٥م إلى تبنّي هذه العبارة بصيغة مشابهة.

(١١) أحدث الشواهد على ذلك رفض استقبال المشردين المسلمين وتعليل ذلك في بعض الدول الشرقية مثل المجر وبولندا بأنهم مسلمون، مقابل الارتفاع المتواصل لتعداد المسلمين بمن فيهم الوافدين تشريدا في عدد من دول غرب أوروبا.

(١٢) في ١/ ٧/ ٢٠١٦م أصدرت محكمة إدارية عليا في مدينة آوجسبورج الألمانية حكمها بحق من يعمل في القضاء من المسلمات بارتداء الحجاب أثناء العمل، وأبطلت ممارسات سابقة، كما أصدرت المحكمة الدستورية العليا عام ٢٠١٥م شبيه ذلك بحق حجاب المعلمات، بعد أن كان مشكلة قانونية وإدارية وإعلامية لسنوات عديدة، وفي الحالتين كان التأكيد أن الأصل هو مراعاة هذا الحق، فلا يحظر إلا في حالات استثنائية عند حدوث مشكلات على حساب العمل التعليمي أو القضائي.

(١٣) لا ينبغي التشكيك في القيمة الثقافية الإبداعية في إنتاج أدبي أو فني لمجرد حصوله على تكريم ودعم غربيين بسبب توافقه مع قيم وتصورات غربية، ومثال ذلك معروف في التعامل مع رواية “الآيات الشيطانية” لسليمان رشدي، أو الاتجاهات الفلسفية لأركون، أو من يقع عليهم الخيار في توزيع الجوائز المتميزة بما فيها جوائز نوبل، إنما المطلوب طرح عطاءات إبداعية تراعي القيم الإسلامية، بما فيها ما يتعلق بالتعامل مع “الآخر”، وأن تجد التكريم والتقدير من جانب القادرين على ذلك في أوساط المسلمين في الغرب، وهو ما يتطلب توسيع دائرة العلاقات الثقافية وسواها من حولهم.

 (١٤) ما ورد حول “أسنان العجلة” يستند إلى المعرفة المباشرة، بالإضافة إلى الموقع الشبكي:

http://www.zahnraeder-netzwerk.de

(١٥) الاعتماد هنا أيضا على المعرفة المباشرة والموقع الشبكي:

http://www.i-slam.de/index.php/de/

(١٦) المزيد من المعلومات في الموقع الرئيسي للشركة:

https://www.alchemiya.com

وقد أجرت صحف مرموقة عديدة مقابلات صحفية مع مؤسسها نيفيد أخضر، والاستشهاد الوارد من مقالة في موقع القنطرة الألماني حول الشركة ومؤسسها:

https://de.qantara.de/inhalt/video-on-demand-plattform-alchemiya-schoener-neuer-islam

(١٧) يعتبر مركز وملتقى تدريب النساء المسلمات في كولونيا من أنشط المراكز الإسلامية على صعيد النساء والفتيات المسلمات ويحظى بتقدير كبير على مستوى المسلمين والجهات الرسمية في البلاد.

http://www.bfmf-koeln.de