خواطر – الثورات الشعبية وقضية فلسطين
تحرير فلسطين وتحرير الشعوب وجهان لعملة واحدة
معيار الإخلاص لقضية فلسطين بعد النكبات في عهود استبدادية، هو العمل على تحرير إرادة الشعوب
في هذا العام ٢٠١٣م تتزامن الذكرى السنوية لنكبة فلسطين الأولى مع لحظة تاريخية شهدت اندلاع ثورات الربيع العربي، ولا تقاس اللحظة التاريخية هنا بالمناسبات الدورية ولا بأيام وشهور، بل بأعوام وربما بعقود، كما هو الحال مع كل تغيير تاريخي كبير.
أصحاب المشروع الصهيوني وأنصارهم يتخوفون ولا يكتمون تخوفهم من مآلات الثورات الشعبية، رغم ما وقع ويقع من نكسات، ويعلمون أن الخطر الحقيقي على مشروعهم يظهر عندما يتحقق تغيير جذري بعد فترة زمنية يصعب التنبؤ بها، ورغم ذلك واكبوا اللحظات الأولى من هذا المسار بالتفكير كيف يتعاملون معه، وبذلوا جهودهم للحيلولة -ما استطاعوا- دون أن تأخذ الثورات مساراتها التاريخية.
ما يفكر به أصحاب المشروع الصهيوني وأنصاره ويدبرونه، يتطلب العمل لإفشاله وإسقاطه، ولكن ما الذي يفكر به ويصنعه إخواننا في الأوطان المشتركة والقضايا المصيرية؟
توجد أمور جادّة وإن لم تكن مقنعة، يستشهد بها بعض هؤلاء للوقوف سلبا من الثورات الشعبية، ولكن يوجد أيضا خلط كبير:
– بين الاستشهاد بوقائع حول مساعي القوى المعادية استغلال ثورات الشعوب المشروعة لتحقق أغراضها غير المشروعة، وهنا يجب رفض الاستغلال وليس الثورات الشعبية نفسها..
– وبين ادّعاء دون دليل بصدد وجود أصابع أمريكية وصهيونية وراء ولادة الربيع العربي ابتداء، وفي ذلك إهانة مباشرة للشعوب الثائرة طلبا للحرية والكرامة.
مهما كان الحرص على قضية فلسطين المصيرية المحورية كبيرا، فهو لا يبيح لأحد أن يزرع وتدا بين الشعوب والقضية، بمعنى أن يحاول وضع الشعوب بين خيارين: إما طلب التحرر من الاستبداد على حساب القضية أو الخضوع للاستبداد من أجل القضية.
هذا تخيير لا أصل له، بل توجد المعادلة الثابتة: تحرير فلسطين وتحرير الشعوب وجهان لعملة واحدة.
إن الموقع الطبيعي للثورات الشعبية هو اعتبارها مرحلة تاريخية في طريق العمل للقضية، وليس ضدها. وهذا ما يتطلب التلاقي على أرضية مشتركة بين المخلصين من أصحاب مختلف التوجهات، ويتطلب أن يعود الجميع إلى بعض الثوابت السياسية، وفي مقدمتها:
أولا: لا علاقة للموقف العدواني في قضية فلسطين بنوعية السلطات القائمة أو بنوعية التوجه السياسي المنتشر في المنطقة، بل كان متواصلا ضد القوميين، والاشتراكيين، والعلمانيين، والإسلاميين، والحريصين على التحرير الكامل، والماضين في منحدر التنازلات والتسليم، دون تمييز، ومن وجوه العداء الدائم، العمل على ضرب كل فريق بالفريق الآخر، فمن يتعصب لتوجهاته الذاتية يساهم في تحقيق ذلك الغرض العدواني.
ثانيا: لم ينقطع العداء للتوجه الإسلامي، قبل الربيع العربي، واستفحل هذا العداء مع سقوط المعسكر الشرقي، وأصبح عنوانه: الإسلام هو العدو البديل، فكيف يتفق ذلك مع أصابع مزعومة وراء ثورات التحرر الشعبية بنكهة إسلامية في الربيع العربي.
لقد تحول التعامل مع قضية فلسطين المحورية المصيرية عبر المشروع الصهيوني وأنصاره لعقود عديدة إلى بوابة للهيمنة والسيطرة على الجميع دون استثناء، وآن الأوان أن نطرق بوابة تحرير إرادة الشعوب، ومن يزعم أن الثورات موضع استغلال في اتجاه معاكس، فليعمل على تحرير مسار الثورات بدعمها -وليس بعدائها- كيلا ينحرف مسارها عن تحرير إرادة الشعوب، مع تحرير الأوطان، بما يشمل شعب فلسطين وأرض فلسطين.
من كان مخلصا لقضية فلسطين، فلا بد بعد عشرات السنين من النكبات في عهود استبدادية، أن يكون معيار إخلاصه، مهما كان توجهه السياسي، هو العمل على تحرير إرادة الشعوب، وتحقيق أهدافها المشروعة بكل مقياس، من حرية وكرامة وعدالة واستقلال وسيادة ووحدة وتقدم ونهضة.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب