خاطرة – ملاحظات إلى المؤيدين والمعارضين لمؤتمر أستانه
خيانة الثورة جريمة بحقها وبحق الشعب والوطن، ولكن تخوين فصيل من فصائل الثورة انطلاقا من موقف مخالف لموقفه جريمة أيضا
ليس الحديث موجها إلى المشاركين أو غير المشاركين من الفصائل الثورية في مؤتمر أستانه، وليس موجها إلى أصحاب أصوات وأقلام عديدة يبذلون جهدا كبيرا في تهدئة حدة حوارات لا تنقطع حول المؤتمر في غرف حوارية مفتوحة ومغلقة، إنما هو موجه لمن يشارك بحدّة وعنف في التأييد أو التنديد، وغالبهم –ككاتب هذه السطور- يتابع ما يجري من خارج اللقاءات ذات العلاقة المباشرة، ومهما بلغ حرصه على التحقق مما ينقل إليه لا يمكن أن يجزم أنه الصواب بكامله، ولا أن يمنع نفسه من التأمل فيما يجري عبر موقف مسبق فيحكم عليه وفق منظوره هو، وقليلا ما يراجع نفسه إن كان منظوره صوابا، لا يحتاج إلى إعادة نظر وتفكير وتعديل.
ولن تخوض الملاحظات التالية في حيثيات المؤتمر نفسه، وتحرّي ما يراه المشاركون وغير المشاركين فيه، لا سيما وأنّ استباق حدث من هذا القبيل برؤية محددة مرفوض ابتداء، فالحدث أشد تعقيدا من أن يبيح لأحد منا لنفسه ادّعاء الإحاطة به وبمنطلقاته، ناهيك أن يستشرف نتائجه وما يمكن أن تصنعه من معطيات جديدة تسمح أو لا تسمح بالتحرك في مرحلة ما بعد المؤتمر في الاتجاه الأقرب إلى تحقيق المصلحة العامة، غير الذاتية، مصلحة الثورة والشعب والوطن.
. . .
ملاحظات مبدئية موجزة
١- هذا المؤتمر لا ينعقد في ظروف انطلاق الثورة، ولا في فترة بلوغها أوج تقدمها في عام ٢٠١٣م ومرة أخرى في عام ٢٠١٥م، ولا في فترة المرحلة الأخطر من وجودها واستمراريتها عام ٢٠١٤م، فمن يؤيد المشاركة أو لا يؤيدها لا يحق له أن ينطلق -من الناحية الزمنية وأثرها- إلا من ظروف الثورة في المرحلة الآنية، ما بين أواخر ٢٠١٦م ومطالع ٢٠١٧م، وهذا مصدر ما يوصف بسياسة الممكن، وليس بثورة التغيير، وهو ما يدخل في حد الاستطاعة، وهي سارية المفعول حتى في "التقوى".
٢- الأطراف المشاركة في المؤتمر -من غير الفصائل الثورية- تجمع بين أصحاب المصلحة في انتصار الثورة وأصحاب المصلحة في انكسارها، والغائبون -من غير الفصائل الثورية- هم من المؤيدين الذين لا يترجمون تأييدهم إلى عمل فعال، أو من المعادين الذين يمارسون عداءهم تحت قناع حرب الإرهاب أو مباشرة ضد الثوار والشعب الثائر وسورية الوطن، وكل موقف من خارج دائرة المشاركين من شأنه أن يدعم أحد الفريقين، ولهذا -على الأقل- يُفترض على صاحب الموقف أن يفكر ألف مرة قبل أن يعلن عنه، فقد يساهم بدعم عدوه أو تخذيل مناصره دون قصد.
٣- خيانة الثورة جريمة بحقها وبحق الشعب والوطن، ولكن تخوين فصيل من فصائل الثورة انطلاقا من موقف مخالف لموقف ذاتي، أو اجتهاد ذاتي، جريمة أيضا بحق الثورة والشعب والوطن، ولا يحقق الإعلان عنه على رؤوس الأشهاد سوى تخذيل الفصائل الثورية وليس دفعها في اتجاه يراه صاحب موقف التخوين هو الاتجاه الصحيح، كذلك لا يحقق الإعلان عنه وراء "الكواليس"، في غرف حوارية مغلقة إلا نشر المزيد من "الفوضى الهدّامة" داخليا على مستوى الثوار وشعبيا، ولا يمكن أن يحقق هدفا مخلصا مثل "بيان الحق" كما يقال فلبيان الحق موازينه، ومنها أن يكون صياغة وتوقيتا وفق أدب الاختلاف كما تعلمناه وغيّبته الحقبة الاستبدادية، ومنها ضمان الشروط العملية المرجحة أن تؤثر المواقف على صانع القرار الثوري في الاتجاه الصحيح.
٤- انزلق كثير منا إلى اعتبار مؤتمر جنيف نهاية الثورة، ثم مؤتمر فيينا نهاية الثورة، أو إلى اعتبار خسارة القصير.. أو خسارة داريا.. وأخيرا خسارة شرقي حلب.. نهاية الثورة، وهذه نظرة انفعالية ضيقة ضارة بالثورة والثوار والشعب والبلاد، بل هي أكثر ضررا حتى من النظرة التفاؤلية الفارغة بعيدا عن الأخذ بالأسباب، هذا مع عدم الدعوة إلى تلك النظرة إطلاقا. الثورة بدأت وفتحت بوابة تغيير جذري لا تتوقف المسيرة نحو تحقيقه حتى يتحقق، وجميع ما ذكر هو من المحطات على الطريق، وكل منها فيه إيجابيات وسلبيات، ولكن الحصيلة الأخيرة تصب في صناعة طريق النصر عبر صناعة الإنسان الثائر والإنسان السياسي والإنسان المفكر والإنسان الإعلامي وسواهم، في مسيرة تحتاج إلى الجميع.. ولكنها لا تحتاج إلى المثبطين عند كل نكسة والمهللين عند كل مكسب، دون أن يكلفهم ذلك عناء تصحيح مسيرتهم هم، ورؤيتهم هم، وتطوير ما يستطيعون تقديمه للثورة والتغيير والمستقبل، كما يقتضي منهم الاستناد دوما إلى حجم التضحيات والمعاناة، فهذه عبّدت طريق النصر، ولا يتحقق الالتزام بالسير على هذا الطريق عبر كثرة الكلام تنديدا أو تأييدا بلا تفكير بالمعطيات ولا تقدير للنتائج.
والله ولي التوفيق.
نبيل شبيب