خاطرة – ما الذي يعنيه التفاوض حول الشأن السوري؟
في "الشأن السوري" لا توجد حتى الآن أي حالة من حالات المشروعية لمفاوضات جرت، أو لنتائج أسفرت عنها
مع التأكيد المطلق أن الحصيلة الحقيقية هي الحصيلة التي تفرضها المتغيرات في واقع الميدان وليس في قاعات التفاوض، ومع اليقين المطلق بأن الثبات الشعبي على المسار الثوري التغييري في سورية سيوصل عاجلا أو آجلا إلى حصيلة مشروعة مرضية للإرادة الشعبية، فمن المفيد الوقوف بأسلوب "التنظير" عند مسألة المفاوضات، لنربط بين ما يريد الشعب الثائر الوصول إليه "ميدانيا" وبين "مشروعية" ذلك بالمعايير المنهجية والقانونية الدولية أيضا، بغض النظر عن "حماسة المتحمسين.. وتضليل المضلّلين".
الفقرات التالية تطرح خواطر حول الموضوع وليست دراسة، ولكنها مستمدة من دراسة ما يشير العنوان إليه، فتسري عموما كما تسري على حالة ما يوصف بالمفاوضات في الشأن السوري، سيان هل كان مكانها في جنيف أو آستانا أو نيويورك أو "المريخ"، وقد نحتاج إلى تفاصيل مستفيضة لطرح الموضوع كاملا، إنما لا بد من الإيجاز في "عناوين" أو عبارات أساسية مختصرة للتبسيط والتوضيح، لا سيما وأن اللغط واسع الانتشار وأصبح بالغ التأثير في هذه الأثناء.
١- المفاوضات مجرد "كلام يجري بين طرفين مختلفين أو أكثر للوصول إلى نتيجة يقبل بها المفاوضون اقتناعا أو اضطرارا".
٢- المشروعية "صفة" مكتسبة، من شروط تحقيقها أن يمثل كل طرف جهة ذات علاقة بمادة التفاوض، فيتحدث باسمها ويرتبط بأهدافها ارتباطا يمنعه من قبول نتيجة تتناقض مع تلك الأهداف تناقضا جذريا، فإن قبل رغم التناقض قد ينشأ "أمر واقع"، ولكن لا يكتسب ذلك صفة المشروعية.
٣- الطرف المفاوض "وكيل" وليس هو "الجهة الأصيلة" التي يمثلها، فإن اكتسب الوكالة وفق آلية مشروعة، كانتخابات حرة نزيهة مثلا، وكانت النتيجة في حدود "مضمون الوكالة" كانت النتيجة ملزمة لتلك الجهة، وإن لم تتوافر الآلية المشروعة، لا يقع الإلزام إلا إذا وافقت الجهة الأصيلة عبر آلية مشروعة كالاستفتاء بآلية نزيهة مضمونة مثلا.
٤- وسائل التفاوض مشروعة إذا خلت من ضغوط أو إكراه أو تزييف، ومن دون ذلك لا تكون نتيجة المفاوضات مشروعة أو ملزمة، إلا في حالة قدرة الطرف المستهدف بتلك الوسائل على تحقيق أهدافه رغما عنها.
٥- لا توجد مشكلة في آلية "المفاوضات والتفاوض" في حالة الاستقرار القائم على ضمان التعبير عن الإرادة الفردية والجماعية، أما في حالات التغيير -والثورة الشعبية أكبر حالة من حالات التغيير وأهمها- فجميع ما سبق يسري "نسبيا" أي عبر الوصول إلى الصيغة "الأمثل" الأقرب إلى التطابق مع هدف التغيير.
٦- في حالة "الشأن السوري" من قبل اندلاع الثورة عموما، ومنذ اندلاعها تخصيصا، لا توجد حتى الآن أي حالة من حالات المشروعية لمفاوضات جرت، أو لنتائج أسفرت عنها.
٧- حالة التغيير الثوري هي حالة تغيير وضع فاسد مع جميع مفرزاته بالقوة الشعبية المشروعة لأنها تمثل صاحب الحق الأصيل في الشأن السوري، وهو الشعب، وهو الذي أطلق الثورة باعتباره سيد نفسه وقراره وصاحب المشروعية الأصلية لصياغة مستقبله بنفسه.
٨- نظرا إلى غياب إمكانية تمثيل الطرف الأصيل في أي مفاوضات تمثيلا مشروعا، فإن مفاوضات جنيف، أو آستانا، أو نيويورك أو "المريخ" إذا أوصلت إلى نتائج تتناقض مع هدف "الثورة الشعبية" وهو تحرير الإرادة الشعبية من الإكراه، المتمثل في استبداد محلي وهيمنة أجنبية، فهي لا تغير شيئا من وجوب استمرارية المسار الثوري التغييري، حتى وإن فرضت القوى "الحاضنة.. الضامنة.. المهيمنة إلى آخره" واقعا جديدا مؤقتا بالقوة، أما إذا توافقت النتائج مع ذلك الهدف، فهي تكتسب مشروعيتها "مبدئيا" فقط، ولا تكون سارية المفعول بصورة نهائية دون الرجوع مجددا إلى مرجعية الطرف الأصيل، الشعب، في استفتاء مضمون النزاهة والحرية بظروف إجرائه وآليات تنفيذه والالتزام بنتائجه.
نبيل شبيب