خاطرة – ضربة أمريكية لاستعادة هيبة أمريكية

التحول الأمريكي في قضية سورية لا يكون دون دعم غير مشروط للثوار ولا يتحقق بضربة عسكرية محدودة بأهداف ذاتية

36

قد لا تظهر سريعا كافة أبعاد القرار "العسكري السياسي" الأمريكي الأخير بشأن قصف مطار الشعيرات في سورية ليلة ٧/ ٤/ ٢٠١٧م، إنما يمكن الانطلاق من معطيات سبقت اتخاذ القرار وتنفيذه للقول، إنه إجراء مدروس سياسيا وعسكريا وتنظيما وتنفيذا، على النقيض مما ثبت على ترامب من ارتجال سياسي استعراضي، أضاع به حتى الآن فرصا عديدة لتثبيت مكانته في منصب الرئاسة داخليا وخارجيا.

ومن هنا يمكن القول أيضا إن العملية تحقق بالمنظور الأمريكي عدة أهداف في وقت واحد، ومن هذه الأهداف على صعيد العلاقات الدولية:

١- استعراض استمرارية فعالية وجود الطرف الأمريكي في المنطقة والتأكيد أن حلبة الصراع الدولي فيها ليست مقتصرة على روسيا وإيران.

٢- استعادة موقع الزعامة الأمريكية إزاء الدول الرئيسية في أوروبا، لا سيما فرنسا وألمانيا، من خلال تصرف منفرد (يجري التبليغ عنه مسبقا ولكن دون مشاورات مسبقة) وذلك في مرحلة عسيرة في الساحة الأوروبية (مشاكل الانتخابات والتطرف اليميني واليورو وأوكرانيا واللجوء) وهو ما ينعكس في مخاوف الدولتين وسواهما من تصاعد حدة المواجهة الأمريكية-الروسية، ومن خسائر مصلحية أوروبية إذا تصاعدت حدة المواجهة الأمريكية-الإيرانية.

٣- دعم هدفين إسرائيليين، أولهما استكمال عملية التخلص من الأسلحة الكيمياوية والحيوية في سورية قبل حلول مرحلة (ما بعد الأسد) وعلى وجه التحديد الأسلحة الأخطر من سواها (السارين خاصة على نقيض غازات الكلور والخردل الأسهل إنتاجا) والهدف الثاني متابعة الدفع في اتجاه التحول العربي الرسمي إلى مواجهة مشروع الهيمنة الإيراني وإغفال مشروع الهيمنة الإسرائيلي، بدلا من مواجهتهما معا.

٤- لفت الأنظار في الداخل الأمريكي عن التخبط الذي لم تستطع الإدارة الأمريكية الجديدة الخروج منه منذ الانتخابات الرئاسية.

. . .

ومن هذه الأهداف على الصعيد الإقليمي:

٧- إعطاء إنذار إضافي لاعتماد فريق من الأطراف المتسلطة في العراق على مشروع الهيمنة الإيراني إقليميا، وعدم الاتكاء على اكتفاء واشنطون بشعار "الحرب على الإرهاب".

٦- تعزيز غير مباشر لتوسيع الخطوات الأمريكية الجارية منذ فترة لدعم إنشاء قوة إقليمية خاصة بفريق من الأكراد شمال سورية والعراق، على حساب العلاقات بين عموم الأكراد والعرب والأتراك.

٧- تعزيز أطروحات ترامب بشأن الاستعداد لإيجاد ما يسمّى مناطق آمنة في سورية، رغم المعارضة الروسية والإيرانية، ولكن شريطة الاعتماد على التمويل من جانب بعض البلدان الخليجية، لا سيما السعودية وقطر.

. . .

ومن هذه الأهداف في مواجهة الثورة في سورية:

٨- إغراء الفصائل الثورية بتقبل الشروط الأمريكية التي حددها ترامب مع الوعد بالدعم، وفي مقدمتها إنشاء قيادة موحدة، والدخول في قتال مع جبهة تحرير الشام وليس ضد داعش فقط.

٩- إنذار بقايا النظام الأسدي بأنه لا يمكن الاكتفاء باللعب على الحبلين الروسي والإيراني والاستغناء عن ارتباطاته القديمة بالحبال الأمريكية والإسرائيلية والغربية.

. . .

لا يمكن اعتبار أي تحرك أمريكي في صالح الثورة الشعبية في سورية، ما دام لا يصل إلى مستوى تقديم دعم فعال للثوار دون دفعهم للدخول في معارك خارج نطاق "إسقاط بقايا النظام"، أما التحرك بقصف صاروخي محدود من حيث حجمه وتوقيته والتبليغ المسبق به وربطه باستخدام أسلحة تتجاوز خطورتها حدود "استهداف الثورة والشعب في سورية" فلا يمثل تحولا حاسما فيما سبق أن أعلن عنه ترامب بشأن قضية سورية، من حيث إعطاء الأولوية للحرب على "إرهاب داعش" وعدم التعرض بأذى "لإرهاب الأسد" ما دام في حدود ما يصيب شعب سورية. أما مقارنة ترامب المتكررة للاستهلاك الداخلي، بشأن سقوط أوباما في امتحان خطوطه الحمراء، فلا ينبغي إغفال أن ما صنعه ترامب بإطلاق صواريخه، لا يختلف عما صنعه أوباما بسحب صواريخه من حيث استهداف بعض آلات القتل الإجرامي وتجنب استهداف القاتل المجرم نفسه.

نبيل شبيب