خاطرة – إيران واللهيب الداخلي

التفاعل مع الحدث الإيراني مطلوب مع الحذر من توظيفه لصالح جهات دولية أو إقليمية تعادي نظام إيران.. وتحرر إرادة الشعوب

42

 

صحيح أن الأسباب الداخلية، لا سيما المعيشية، تكمن وراء انطلاق الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية في إيران مع نهاية عام ٢٠١٧م، ولكن لا ينفصل ذلك عن اللهيب الذي ساهمت إيران في إشعاله ضد الإرادة الشعبية في أكثر من بلد عربي، وهذا مما تشير إليه المطالب الأولى للمتظاهرين، بإنهاء التدخلات الخارجية لا سيما في سورية واليمن، وما تسببه من نفقات باهظة، والالتفات إلى تلبية الاحتياجات المعيشية المشروعة لسكان إيران، وهي احتياجات ضاعفت حدتها السياسات الرسمية بوضوح كما هو الحال في مدينة مشهد مثلا، حيث انطلقت الاحتجاجات.

صحيح أن انتشار الاحتجاجات والمظاهرات كان سريعا وواسع النطاق حتى بالمقارنة مع ما كان عام ٢٠٠٩م، ولكن لم يبلغ مستوى ثورة شعبية بعد، ولا يستبعد ذلك لاحقا، كما يؤخذ من دروس مسار ثورات "الربيع العربي" وتطورها السريع إلى تحرك شعبي جارف.

 

وجه آخر من وجوه العلاقة بين ما يجري في إيران وما شهدته بلدان "الربيع العربي" يتمثل في أمرين:

الأمر الأول: المواقف الرسمية في إيران إذ تكاد تتطابق مع مواقف رسمية أولية في بلدان الربيع العربي عام ٢٠١١م، بصدد الاعتراف بحقوق المتظاهرين المادية من حيث الأساس كمحاولة للتهدئة، والتهديد المباشر أو المبطن باستخدام القوة في حال تجاوز سلمية التظاهر والاحتجاج، ثم -على وجه الاحتمال- تدبير حوادث عنف استخباراتية تنسب إلى المتظاهرين لتبرير تحرك عنيف لاحق بعد أيام معدودات.

الأمر الثاني: سرعة توجيه الاتهام بوجود أصابع أجنبية تحرك الأحداث أو تستغلها، ولا يوجد ما يبرّئ جهات أجنبية من ذلك إطلاقا، ولكن "تربة الثورة" تربة داخلية خصبة، ولكن الجهات الرسمية الإيرانية تتلقّى هدية ثمينة تتمثل في المواقف الأمريكية والإسرائيلية تخصيصا، إذ تصدر عن أشد أعداء المنطقة بأسرها وأعداء قضاياها، ومقدساتها، وشعوبها، وحتى أنظمتها (الممانعة والموالية.. حسبما توصف)، فهذه المواقف تؤجج الغضب الشعبي ضدها، بغض النظر عن وضع النظام بإيران، لا سيما وأنها مواقف متزامنة مع تصعيد العدوان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، كما أنها تصدر عن جهات مكشوفة في تحركها العدواني المضاد للثورات الشعبية العربية، هذا علاوة على قسط كبير من التنسيق المباشر أو تكامل الأدوار غير المباشر، مع ما يصنعه مشروع الهيمنة الإيراني في العراق وسورية واليمن وحتى في لبنان نفسه.

 

لا يعني ما سبق أن تطور الأحداث في إيران سيأخذ صبغة ثورة شعبية شاملة عاجلا، فأوضاع النظام الاستبدادي في إيران تختلف عن أوضاع الأنظمة الاستبدادية في البلدان العربية عموما، ولكن يمكن أن تنشأ تطورات بعيدة المدى، أقربها وأظهرها للعيان:

١- كسر مفعول الهالة القدسية التي أحيط بها النظام عبر استغلال عَقَدي واسع النطاق، ومفعول إرث تاريخي ثقيل من قبل عهد الشاه بقرون عديدة، وخلال ذلك العهد أيضا.

٢- اضطرار النظام القائم في إيران إلى التركيز على أوضاعه الداخلية وبالتالي الحد تدريجيا من تمدّد التدخلات الدموية الخارجية ما بين أفغانستان واليمن.

٣- السعي لتخفيف الأعباء الخارجية عن طريق التساهل مبدئيا في نطاق المساومات (صراعا وتوافقا) مع القوى الأخرى في حلبة الصراع الجغرافية العربية، لا سيما روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

٤- التصعيد الذاتي لفوضى الصراع داخل إيران عبر مضاعفة الاعتماد على أجهزة "القمع" الأمنية، كما تفعل الأنظمة الاستبدادية عموما في مواجهة أخطار داخلية، بمعنى مساعي تحرير الإرادة الشعبية.

 

إن ما يواجه نظام إيران أصبح معضلة على أكثر من صعيد:

١- التراجع أمام المطالب الشعبية المشروعة يشجع على تصعيدها، ومحاولة قمعها بالعنف يشعل أوارها.

٢- على النقيض من مفعول الخطر الخارجي سابقا في التماسك الشعبي لصالح النظام (الحرب مع العراق.. الحصار الغربي) أصبح مفعول تبعات الخطر الإيراني على ثورات "الربيع العربي" من أسباب النقمة على سياسات النظام وزيادة عزلته شعبيا.

٣- التفاعل الشعبي الإيجابي في البلدان العربية والإسلامية أيام الثورة على نظام الشاه كان بسبب استبداده داخليا وتبعيته للغرب خارجيا وقد تحول في الوقت الحاضر إلى رفض شعبي واسع النطاق لنظام إيران الحالي بسبب تحركاته العدوانية للهيمنة خارجيا، مع ربط ذلك باستبداده داخليا.

 

لا شك في حاجتنا على صعيد قضايانا عموما -كما في فلسطين وسورية وغيرهما- إلى متابعة الحدث الإيراني كسواه، والتفاعل معه بما يعود على تلك القضايا وعلى شعب إيران بالفائدة، إنما لا بد من الحذر أيضا من توظيف أي تفاعل من هذا القبيل، بقصد أو دون قصد، لصالح قوة دولية لا تتخلى عن مطامع الهيمنة عالميا وفي بلادنا تخصيصا، أو لصالح طرف إقليمي يوظف العداء مع إيران لصالح أنظمة استبدادية وتبعياتها الخارجية، وليس لصالح تحرر الشعوب وقضاياها العادلة المشروعة.

نبيل شبيب