جريدة الخليج – حوار مع أحمد القسام

استشهد عز الدين القسام يوم ١٩ / ١١ / ١٩٣٥م

دارت المقابلة حول جده عز الدين القسام ونشرت في جريدة الخليج الإماراتية يوم ٢٢ / ١١ / ٢٠٠٨م

0 94

سؤال: ماذا تمثل هذه الذكرى بالنسبة لكم كأحد أحفاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام؟

أحمد القسام: تكمن أهمية هذه الذكرى بأنها محاولة لاستعادة جزء من التاريخ وبسطه في هذا الواقع ومقارنة الفترة التي كان فيها الشعب الفلسطيني يمر بأزمات مع الوقت الحالي، وتعتبر هذه الذكرى مؤشراً على استمرارية الثورة وأنها لم تنته، وتؤكد على تعاقب الأجيال وإصرار الشعب الفلسطيني الذي بدأ ثورته قبل حوالي ١٠٠عام، والتي تعتبر أطول ثورة في التاريخ، من أجل استعادة حقوقه، وأنه لا يوجد شيء يثنيه عن تحقيق ذلك، أي عقبة أو أي صعوبة أو مؤامرة.

سؤال: باعتبارك أحد أحفاد هذا الشيخ المجاهد، هل لك أن تحدثنا عن حياته، وعائلته، والجوانب الإنسانية في حياته؟

أحمد القسام: المعلومات المتوفرة لدي حصلت عليها من خلال تناقلها عبر عائلتي والجدة زوجة الشهيد عز الدين القسام أمينة نعنوع، والتي تربطها علاقة قرابة كابنة خال جدي عز الدين القسام، إضافة إلى معلومات من والدي وعماتي، وهي معلومات متوارثة حيث لا يوجد شيء مكتوب عن ذلك الوقت، نتيجة لقلة الإمكانيات والمعاناة والتشرد والرحيل الدائم له، حيث أن أغلب المعلومات هي معلومات شفوية. وهنا أحاول إعطاء لمحة عن تاريخ هذا القائد المجاهد، الذي ولد في مدينة جبلة الساحلية في سوريا، عام ١٨٨٣ للميلاد واسمه الكامل عز الدين عبد القادر مصطفى القسام، حيث كان له عدد من الإخوة أبرزهم شقيقه فخري القسام، الذي كان يصغره بسنة واحدة.

سؤال: كم كان عدد أفراد عائلته؟

أحمد القسام: حسب معلوماتي كان عدد أفراد عائلته ٧ أشقاء و٣ بنات، حيث كان والده يعمل في غالب الوقت في أعمال الحدادة، كما أنه كان يملك كُتّابا داخل منزله لتعليم الدين والقراءة والكتابة والحساب والمبادئ العلمية الأساسية. وتلقى مع شقيقه فخري تعليمهما الأول، وعندما أصبحا في السابعة عشرة من العمر قررا السفر معا للدراسة في الأزهر، ووافق والداهما على سفرهما إلى مصر رغم أن هذا الأمر كان صعبا إن لم يكن غريبا، حيث سافرا بحرا إلى مصر والتحقا بالأزهر الشريف وحدث ذلك بين ١٩٠٠ و١٩٠١م، حيث بقيا هناك قرابة ستة أعوام، وتعلما ودرسا مختلف العلوم الدينية ويقال إنه كان من مدرسيهما الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني. وبعد انتهاء الدراسة عادا إلى سوريا، حيث تولى الشيخ عز الدين مكان والده في دار الكُتّاب، إضافة إلى تسلمه الإمامة والخطابة في مسجد المنصوري الموجود في البلدة القديمة من مدينة جبلة السورية، وتميز القسام في ذلك الوقت بحسن الخطابة، كونه كان خريجا أزهريا ويملك الكثير من المعلومات في الفقه والسنة والحديث النبوي، الأمر الذي ساهم في التفاف الكثير من الناس حوله حتى أن خطبة الجمعة كان يستمع إليها حشد كبير خارج المسجد.

واستمرت الامور بهذا الشكل، إلى حين أعلنت إيطاليا حصارها البحري لليبيا، حيث عمد القسام الذي يملك الفكر الإسلامي الأممي إلى قيادة مظاهرات شعبية في مدينة جبلة ضد هذا الاحتلال والحصار والعدوان وكانوا يرددون من خلفه شعارات “يا رحيم يا رحمن غرّق أسطول الطليان”.

سؤال: ماذا فعل بعد بدء الاحتلال الإيطالي لليبيا؟

أحمد القسام: بعد وقوع ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي، أدرك القسام أن القول والهتاف لا يجدي، فعمد إلى جمع متطوعين للسفر إلى ليبيا والقتال ضد الطليان مع الشهيد عمر المختار، ويقال إنه جمع قرابة ٣٥٠ مقاتلا متطوعا، وسافروا بحرا من أجل الوصول إلى ليبيا، إلا أن الأتراك منعوه من مواصلة السفر إلى هناك، ما دفعهم للعودة إلى سوريا ومدينة جبلة، وعمل على استغلال جزء من التبرعات التي جمعها لبناء مدرسة حيث لا يزال يطلق عليها مدرسة عز الدين القسام في مدينة جبلة، في حين حمل باقي الأموال وسافر سرا إلى ليبيا برفقة ابن عمه عبد المالك القسام الذي روى هذه القصة أكثر من مرة، حيث توفي عام ١٩٨٣. وهناك التقى قائد الثورة الليبية عمر المختار وسلّمه الأموال وتعاهد معه على الثورة والجهاد ضد الاستعمار في الوطن العربي أيا كان، ومن ثَمّ عاد إلى سوريا ليعيش حياته الطبيعية، وقد تكون هناك معلومات لا نعرفها، كون العديد من المعلومات غير موثقة، لكن قصة سفره إلى ليبيا موثقة في دراسات المجاهدين العرب الليبيين وعلى لسان أحد المجاهدين الذين كانوا برفقة الشهيد عمر المختار.

سؤال: ماذا فعل في سوريا بعد عودته من ليبيا؟

أحمد القسام: بقي في سوريا حتى بدأ الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث شكل أول ثورة مسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة الساحل السوري، وكان معه الكثيرون من أتباعه الذين يحضرون معه الدروس والخطب الدينية، وقاوم هذا الاستعمار، إلا أن الاستعمار الفرنسي عمل على التصدي لهذه الثورة بكل عنف وشراسة وإرهاب، وكانوا إذا أسروا أحد المجاهدين يقومون بحرقه حيا، إمعانا بالإرهاب والقمع حتى يؤثروا في نفسية بقية المجاهدين، إلا ان ذلك لم ينفع واستمرت الثورة، ثم حاولوا استرضاءه وخداعه بأن عرضوا عليه منصبي الإفتاء والقضاء في سوريا، لكنه رفض، ما دفعهم لتشكيل محكمة عسكرية له، وأصدروا حكماً غيابياً بالإعدام، إلا أنه واصل الثورة، ولجأ إلى جبال الساحل السوري وتحديدا في منطقتي “الحفة والصلنفة” لكثرة وجود الكهوف فيهما. وتابع مشوار الثورة، لكن بعد أن تم تضييق الخناق عليه وفرض الحصار والملاحقات وقلة الإمدادات من سلاح وذخيرة وأموال، اختفى لفترة عام تقريباً في تلك المنطقة وبقي هناك حتى دخل الفرنسيون دمشق حيث وقعت معركة ميسلون، التي شارك فيها القسام إلى جانب يوسف العظمة، الذي استشهد فيها. ومع هذه المعاناة آثر القسام عدم البقاء مختبئا وقرر السفر إلى فلسطين أرض المقدسات لمتابعة مشواره الثوري حيث ذهب إلى مدينة طرطوس الساحلية، وانتقل منها إلى جزيرة أرواد المقابلة لها، وأبحر بأحد مراكب الصيد متجها إلى حيفا في بداية عام ١٩٢١م.

سؤال: لكن من المعروف أن شخصاً ينتقل إلى بلد آخر سيكون من الصعب عليه أن يتعايش مع الوضع الجديد خاصة في ظل عدم وجود معارف له؟

أحمد القسام: في بداية الأمر وصل إلى حيفا، ورغم أنه سافر من بلد إلى بلد إلا أنه لم يكن في غربة باعتبار أن له الكثير من الزملاء والأصدقاء الذين درسوا معه في الأزهر الشريف، وقسم منهم كان يعيش في حيفا، حيث توجه إلى أحد معارفه، وكان قد سبقه صيته إلى هناك، إذ أن حيفا كانت آنذاك ميناء لكل المنطقة، وكان الكثير من العمال والتجار يذهبون إلى حيفا من كل بلاد الشام، حيث استأجر منزلا في حيفا في حي (الحليصة)، وتم تعيينه مأذونا شرعيا، ثم بدأ جمع تبرعات لبناء مسجد، وأطلق عليه اسم “مسجد الاستقلال” وبالتالي عين خطيباً وإماماً لهذا المسجد، وبدأ من خلال المنبر بالتحريض والتحشيد ضد الاحتلال والاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي، وبدأ بشكل مواز تشكيل جمعية الشبان المسلمين ويعدّ العدّة للثورة ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية مستفيدا بالطبع من تجربته في العمل ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا. وجرّاء ذلك اعتقله الانجليز أكثر من مرة بسبب خطاباته التي كانوا ينظرون إليها بأنها تحريضية، ما دفعه للاستعانة بأكثر من شخص للتعرف إلى المحيط والعائلات والأماكن، وكان على رأسهم الشهيد فرحان السعدي، ورشيد الحاج إبراهيم الذي كان من أعيان مدينة حيفا في ذلك الوقت، وكان للقسام دور كبير في هبة البراق عام ١٩٢٩م، وانتفاضة عام ١٩٣٣م، ورغم كل التضييق والحصار والرقابة والعملاء ومكر الانجليز واليهود وخبرتهم، إلا أنهم لم يستطيعوا اكتشاف أمر الثورة، حتى قام بإعلانها بنفسه من على منبر “جامع الاستقلال”، لأنه أدرك أنه لا بدّ من أن تعلم الجماهير والشعب بأن هناك مقاومة مع تزايد الهجرة والاستيطان. وهو أعلنها في الشهر الحادي عشر من عام ١٩٣٥م، حيث شهر مسدسه الشخصي قائلا للمصلين: “لا يمكن أن نسترجع الأوطان إلا بمثل هذا”، وأنهى الخطبة وغادر وتوجه إلى الجبال والتلال في فلسطين برفقة المجاهدين وأخذ يحرض ويخطط لاستمرار الثورة، وبالطبع فإن الانجليز والعملاء واليهود لم يسكتوا على ذلك، وأخذوا يلاحقونه حتى حاصروه في منطقة نزلة الشيخ زيد قرب بلدة يعبد وذلك في صبيحة ١٩ / ١١ / ١٩٣٥م، وقيل إنهم أحضروا المئات من الجنود وطائرة حربية للاستكشاف، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تم فيها استخدام الطائرات الحربية، وبقي يخوض المعركة من الصباح وحتى العصر، ما أدى إلى استشهاده رغم أنه كان له -وحسب الرواة- أكثر من منفذ للهروب، إلا انه آثر الاستشهاد على الفرار، وحرص على ترديد عبارة “هذا جهاد نصر أو استشهاد”.

سؤال: ماذا حل بزوجته وأين كانت موجودة في ذلك الوقت؟

أحمد القسام: زوجته وابنه الوحيد محمد (أبي)، كانا موجودين في حيفا، وبقيا هناك حيث جرى إحضار جثمانه برفقة شهيدين آخرين إلى حيفا، وتم تنظيم جنازة كبيرة للشهداء ودفنوا في مقبرة اسمها “مقبرة القسام”، في منطقة اسمها بلد الشيخ، وبقيت زوجته وابنه يعيشان حتى عام ١٩٤٨م في حيفا، إلا أنه بعد النكبة تعرضا لمضايقات كبيرة من المنظمات الصهيونية إلى حد محاولات حرق المنزل، ما دفع زوجته وابنه الوحيد للرحيل والعودة إلى سوريا مسقط رأسه. وأستطيع أن أقول إن القسام كان ثائراً عالمياً قاتل الاستعمار كله، حيث كانت إيطاليا حينها دولة عظمى وقاتل فرنسا، وقاتل بريطانيا العظمى، وكان بالأساس يعتمد كثيرا على شقيقه فخري القسام الذي كان يعتبر بالنسبة له حلقة الاتصال مع العالم الخارجي ويعهد إليه بجمع التبرعات والسلاح وتجنيد المتطوعين، إلى حد أنه طلب منه السفر إلى سوريا وبيع المنزل من أجل شراء السلاح.

سؤال: انتقلت العائلة للعيش في جبلة، هل تحدثنا كيف عاشت العائلة هناك؟

أحمد القسام: انتقلت جدتي وأبي للعيش في سوريا حيث تزوج أبي وأنجب سبعة أولاد وثلاث بنات؟ وأنا ولدت في جبلة، وابني عز الدين ولد في فلسطين، والآن عمره ٨ سنوات، وعائلتي كلها الآن تعيش في سوريا، وأنا الوحيد الذي عدت إلى أرض الوطن بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام ١٩٩٣م.

سؤال: بالنسبة لك كيف عشت كحفيد للشيخ عز الدين القسام؟

أحمد القسام: عشنا وكبرنا ووعينا ونحن على ارتباط وثيق بالقضية الفلسطينية والمدن الأولى التي كنا نسمع عنها هي حيفا وبلدة يعبد إضافة إلى القدس، وكانت القضية تمثل بالنسبة لنا كل شيء، لذا يجب علينا متابعة المشوار أسوة ببقية الشعب الفلسطيني.

وفي العام ١٩٨١م كنت صغير السن نوعا ما لكنني التحقت بالثورة الفلسطينية، ثم سافرت لإكمال دراسة الهندسة في ألمانيا الديمقراطية، وعدت بعد الدراسة إلى العراق حيث عملت مع الشهيد أبو جهاد، ثم انتقلت بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية إلى مدينة غزة، وبقيت هناك حتى أتيح لي المجال للسفر إلى الضفة الغربية، وكان أول شيء أفكر فيه هو زيارة بلدة يعبد في جنين، وزيارة قبر جدي في حيفا، وفعلا تحقق هذا الحلم بالنسبة لي، وحرصت على أن أعيش وأسكن حاليا في مدينة جنين، كونها تحمل اسم جنين القسام، وأعتبر أن كل أهل جنين هم أهلي وعائلتي وحمولتي.

سؤال: هل تتواصل مع عائلتك في سوريا؟

أحمد القسام:  بكل تأكيد أتواصل معهم على الدوام، وأتحدث معهم عبر الهاتف وكانت لهفتهم كبيرة وشوقهم لزيارة قبر جدي والبلدة التي استشهد فيها كبيرا، إلى حد أنهم لم يصدقوا في بداية الأمر أنني موجود في فلسطين وفي الوقت نفسه شعروا بسعادة كبيرة عندما علموا أنني زرت قبر جدي، وأنا الآن أعيش في جنين، وحرصت على تسمية ابني الذي ولد في جنين باسم جده “عز الدين”، أما ابني محمد فقد أنجبته أمه في سوريا، ولكن المفارقة هي أنني من مواليد سوريا، ومحل إقامتي مدينة غزة، وأعيش حاليا في جنين. 

 

٠ ٠ ٠

نبذة حول عز الدين القسام من ويكيبيديا بالعربية

لجأ القسام إلى فلسطين في ٥ شباط / فبراير ١٩٢٢م، واستقر في قرية الياجور قرب حيفا. ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد. وحتى سنة ١٩٣٥م لم يكن سكان حيفا يعرفون عن عز الدين القسام سوى أنه واعظ ديني ومرشد سوري ورئيس جمعية الشبان المسلمين في مدينة حيفا، وكان بنظرهم شيخا محمود السيرة في تقواه وصدقه ووطنيته، كما كانت منطقة الشمال تعرفه إماما وخطيبا بارعا ومأذونا شرعيا في جامع الاستقلال، وهو الذي سعى في تشييده، وقد جمع المال والسلاح لنجدة المجاهدين في طرابلس الغرب أثناء حملة الإيطاليين عليها. في عام ١٩٢٩م أشيع أن اليهود يريدون أن يحرقوا مسجد الاستقلال بحيفا، فاقترح بعض الوجهاء أن يطلبوا المساعدة من الإنكليز، لكن الشيخ القسام رفض رفضا قاطعا وقال إن دمنا هو الذي يحمي المسلمين ويحمي مساجد المسلمين وليست دماء المحتلين. وكان يرفض أي حوار أو معاهدة مع الإنكليز ويقول (من جرّب المجرّب فهو خائن) فقد جرّب بعض العرب الإنكليز ضد العثمانيين وكانت كل وعودهم كذبا.

وفي إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: (من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا)، فأُخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما. وكان يقول للناس في خطبه: (هل أنتم مؤمنون؟) ويجيب نفسه (لا)، ثم يقول للناس (إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحد منكم بلا سلاح وجهاد). وكان يركّز على أن الإسراف في زخرفة المساجد حرام، وأن علينا أن نشتري سلاحا بدل أن نشتري الثريات الفاخرة. وكان يصل إلى جميع الناس من خلال عمله كمأذون شرعي وكخطيب. وكان يختلف كثيرا مع الشيوخ لأنهم كانوا لا يهتمون سوى بأمور العبادة من صلاة وصوم بينما كان اليهود يخططون ويشترون الأراضي. فكان يرى أن لا فصل بين الدين والسياسة، وأمور السياسة كانت واضحة بعد أن نال اليهود وعد بلفور. كما كان في شجار مع المستعجلين من أبناء تنظيمه الذين يريدون الثورة في حين كان القسام يعدّ ويتريّث ليضرب في الوقت المناسب فلبث سنين وهو يعدّ للثورة.

كشفت القوات البريطانية أمر القسام في ١٥ / ١١/ ١٩٣٥م، فتحصن الشيخ عز الدين هو و١٥ فرداً من أتباعه بقرية الشيخ زايد، فلحقت به القوات البريطانية في ١٩ / ١١ / ١٩٣٥م، فطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وأوقع فيها أكثر من ١٥ قتيلاً ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين، وما جاء يوم العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة ١٩٣٥م حتى أضحى القسام علما من أعلام الجهاد يتردد اسمه في بلاد فلسطين كلها. وكان قد اتصل بالملك فيصل في سورية طلباً لمؤازرته في ثورته فوعده ولم يثمر وعده عن شيء.

علم الشعب لأول مرة أن الشيخ القسام كان قد اعتصم مع إخوانه في أحراش قرية يعبد وكانوا مسلحين ولا يهابون خطر المجابهة مع قوات الانتداب البريطاني ولا عواقبها، إلا أن قوات الأمن كانت قد أعدت قوة هائلة تفوق عدد الثوار بمئات المرات، ونادى القسام صائحا “إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله”، ثم التفت إلى رفاقه وقال “موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة”. دامت المعركة القصيرة ساعتين كان خلالها الرصاص يصم الآذان والطائرات المحلقة على ارتفاع قليل تكشف للمهاجمين موقع الثوار وقوتهم، وفي نهاية الساعتين أسفرت المجابهة عن استشهاد القسام ورفاقه يوسف عبد الله الزيباري وسعيد عطية المصري ومحمد أبو قاسم خلف وألقى الأمن القبض على الباقين من الجرحى والمصابين. وقد اكتشفت قوات الأمن عند نهاية المعركة مع الشيخ ذي اللحية البيضاء والمجندل على التراب بملابسه الدينية مصحفا وأربعة عشر جنيها ومسدسا كبيرا/ وكان الشيخ نمر السعدي مازال حيا جريحا، حيث استطاع صحفي عربي أن ينقل عن لسانه أول الحقائق الخفية عن عصبة القسام وكانت دليلا على أن المجابهة المسلحة هذه كانت بقرار بدء الثورة منهم جميعا.