توثيق – الطريق إلى رؤية ثورية سورية جامعة
نداء واقتراح للتلاقي على رؤية ثورية سورية جامعة.. قبل فوات الأوان
(ورقة عمل أعدت لأحد المؤتمرات العديدة لمعالجة الوضع الثوري السوري.. ولم تجد طريقها إلى خطوات عملية تطبيقية)
هل نحن في حاجة إلى رؤية ثورية مشتركة جامعة للثورة الشعبية في سورية؟
لم يعد الجواب بالإيجاب غائبا عن الساحة.. ولا "المحاولة" غائبة.. بل يكاد يوجد توافق جماعي على "وجوب" ظهور هذه الرؤية، ولكن لا يوجد طرح عملي للطريقة الممكنة تطبيقيا، وهذه محاولة، أو نداء واقتراح للتلاقي، قبل فوات الأوان.
المشكلة
خلال سنوات مضت على انطلاق الثورة الشعبية في سورية لم يكن يوجد ما نرصده اليوم، في غرف حوارية مغلقة، وفي كتابات مفتوحة في العالم الافتراضي، وفي تصريحات عبر وسائل الإعلام.. وهو أن النسبة الأعظم من المرتبطين بمسار الثورة الشعبية في سورية، ميدانيا أو سياسيا أو دعما، يؤكدون أهمية وجود "رؤية ثورية جامعة"، تأخر وضعها كثيرا، بينما تعاظمت التحديات السياسية الخارجية، فضلا عن مضاعفة همجية الحرب المعلنة على شعب سورية الثائر وثواره، وكارثة التشريد الكبرى في تاريخ المنطقة.
إن مسؤولية التأخر في الإقدام على خطوة عملية مسؤولية جسيمة والتقصير في ذلك إثم كبير ماحق.. لا سيما وأننا نشهد كيف غابت اعتراضات قديمة عديدة أو تقلص حجم انتشارها، مثل الداخل والخارج، أو المنظرين والمقاتلين، أو الميدانيين والسياسيين.. فالجميع يضعهم التحرك المضاد للثورة في "سلة نازفة واحدة" والجميع يغلب عليهم الشعور بالخطر إن بقيت الثورة الشعبية التغييرية التاريخية دون رؤية جامعة، واضحة المعالم، مبسطة الصياغة، قوية المضمون، على مستوى الثورة التغييرية التاريخية نفسها، على أن تجد القبول لدى الغالبية العظمى من الشعب الثائر وثواره ومفكريه وساسته وسائر من يحرص على بناء الوطن والدولة مجددا، ومؤهّلة للمّ شتات المحاصرين والمشردين تحت مظلة مشتركة.
الجميع يقول بوجوب الوصول إلى "الرؤية المشتركة الجامعة" ولكن تغيب الخطوة الإجرائية الفاعلة، فلا زالت العقبة الكأداء ناجمة عن تكرار أساليب "انفرادية" و"إملائية"، اتبعت في مطلع الثورة، وهي متأثرة بما كان قبل الثورة، ولم توصل لنتيجة من قبل ولن توصل لنتيجة من بعد.
لن يضع فصيل ميداني مهما كان كبيرا، ومهما تطور مكتبه "السياسي" رؤية ذاتية، يَجمع عليها "الآخرين"..
لن يضع تجمع سياسي أو شبه سياسي مهما كان عريقا رؤية ذاتية يلتزم بها الآخرون..
لن يضع "مركز بحوث" أو مجموعة مفكرين رغم الكفاءة رؤية جامعة إن ارتبط ذلك باتجاه أو تنظيم..
ولعل الخطوة الوحيدة التي كانت محدودة حجما، ولكن في الاتجاه الصحيح، هي ما صدر تحت رعاية المجلس الإسلامي السوري، دون أن يعتبر نفسه طرفا أو قيادة أو زعامة، فكان يركز على التواصل في الدرجة الأولى، حتى ظهرت البنود الخمسة التي أعلن عنها فوجدت قبولا واسعا نسبيا.
التشخيص
إن المبادئ والأهداف، والخطوط الحمراء، وقواعد التعامل البينية، ومعالم مخطط مرحلي ما بين واقع الثورة وفترة ترسيخ دعائم واقع الدولة المنبثقة عن الثورة.. وحتى الخطوط العامة للتعامل مع "الآخر" إقليميا ودوليا، جميع ذلك موجود في بطون ألف ميثاق وميثاق بصيغ متشابهة، أو مضامين فيها قواسم مشتركة، يمكن البناء عليها، إنما لا يزال كل فريق ينظر في تلك النصوص بحثا عما "يرفض" فيرفضه وليس عما "يقبل" به ليعلن الاستعداد للتلاقي عليه.
وقد يسارع هذا الفريق أو ذاك إلى تطوير "جهازه الخاص" سواء في شكل "مكتب سياسي" أو "هيئة شرعية" أو سوى ذلك من المسميات، من أجل أن يضع "وثيقة ذاتية" لتكون "بديلا" عن النص الذي اطلع عليه ورفض بعض ما فيه، وتجاهل بعضه الآخر.
ليست الأولوية في جميع ذلك هي "مصلحة الثورة والشعب والوطن.. ومستقبل البلاد" بل غالبا ما تكون الأولويات مرتبطة بالحرص على ألا يخسر الفصيل بعض أتباعه، أو يفقد الحزب لون رايته، أو يؤجل طرف أمورا مختلفا عليها إلى ما بعد المرحلة، من أجل التلاقي على قواسم مشتركة، هي جامعة لنا الآن ولكن "فقط" لتحقيق هدف أول: إسقاط بقايا النظام مع جميع ارتباطاته "الفاسدة" خارجيا، ولن يمكن من دون تحقيق هذا الهدف أن يقوم صرح "دولة منبثقة عن الثورة".. وهنا لا يخفى حجم الاختلافات الآن على تفاصيلها "غدا".
العلاج
الثورة التي افتقدت من البداية وجود "مجلس حكماء" أو "قيادة عليا" أو "زعامة جماعية".. تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى أن نستخلص من معاناة السنوات الماضية وأخطائنا فيها، ما ينبغي صنعه، ليس نظريا وإنما في شكل خطوات عملية.
أولا: فريق صياغة "مستقل" محدود العدد، بمواصفات أساسية:
(١) أفراد غير محسوبين على أي فريق منظم سياسي أو ميداني
(٢) أفراد معروفين بتقبل أفكارهم ومساهماتهم السابقة عموما
(٣) أفراد على جانب من سعة الاطلاع والقدرة على البحث المنهجي
(٤) أفراد معروفين بالارتباط بالثورة من حيث أهدافها الجامعة (التحرر.. بناء دولة المستقبل)
(٥) أفراد قادرين على الاستعانة العلمية بمن يرون من الباحثين ومراكز البحث لإنجاز عملهم
ثانيا: فريق عمل مساعد، قادر على التحرك المنهجي إداريا وماليا وإعلاميا وتواصلا، بمواصفات أساسية:
(١) يدعم الفريق الأول ولا يربطه بنفسه
(٢) يؤمن له الخدمات الإدارية والتمويلية ولا يشترط ما يتعدى ضمان النزاهة والأمانة والكفاءة
(٣) ينشر ما يوضع من وثائق ودعوات وشروح وتسجيلات وغيرها ليصل إلى عامة السوريين وليس إلى "نخبهم فقط" بالأساليب الحديثة المساعدة على الاستيعاب والنقد الإيجابي والتبني دون تشنج ولا إملاء
(٤) يتواصل مع صناع القرار محليا على أنهم جزء من الثورة وأن الرؤية الجامعة "المستقلة" ليست بديلا عن رؤاهم المستقبلية وتوجهاتهم المتميزة..
ثالثا: الإعداد أثناء الصياغة لخطوة تالية من قبيل ما يسمى "خارطة طريق"، يضعها فريق الصياغة
المستقل من أجل بنية هيكلية ثورية وسياسية، مشتركة انطلاقا مما يوجد في الساحة السورية دون تمييز، وليس هيئة "جديدة" ينضوي الآخرون تحت مظلتها.
التطبيق
يمكن أن تصدر الخطوة الأولى بتشكيل فريقي العمل لتحقيق ما سبق من جانب أي طرف فاعل في الساحة السورية، شريطة أن يعلن كلاميا ويظهر عمليا أن وظيفته لا تتجاوز حدود هذه الخطوة الأولى، ثم يكون في التعامل مع الرؤية المشتركة وخارطة الطريق، كسواه من الأطراف الفاعلة في الساحة السورية دون تمييز،
ويمكن أن تصدر الخطوة الأولى عن أكثر من طرف في وقت واحد، وليكن على سبيل المثال المجلس الإسلامي السوري مع الائتلاف الوطني السوري مع ثلاثة فصائل كبرى من الجبهات الشمالية والوسطى والجنوبية.
والمطلوب لتصبح الرؤية الثورية الجامعة واقعا مرئيا، أكثر من صياغة:
(١) عناوين مبسطة في منزلة شعارات
(٢) تسجيلات قصيرة تصلح للنشر الواسع
(٣) دراسات وثائقية منهجية للتعامل الملزم بها محليا وإقليميا ودوليا
مما يشمل أربعة أقسام رئيسية:
(١) ثوابت كبرى للثورة في صيغة الأهداف الكبرى المشتركة والمبادئ العامة الملزمة
(٢) خطوط حمراء مما يجد توافقا شبه جماعي، واعتبار انتهاكها انتهاكا للانتماء إلى الثورة
(٣) قواعد للتعامل البيني بين جميع أطراف الثورة في القطاعات السياسية والميدانية وغيرها
(٤) معالم كبرى لمراحل الطريق الواصل بين واقع الثورة وفترة ترسيخ دعائم أساسية لدولة دستورية منبثقة عن الثورة
مع تثبيت أطراف مرجعية لكل قسم لبيان ما يحتاج إلى بيان أو إزالة خلاف أو استحداث تطوير تستدعيه المستجدات.
والله ولي التوفيق
نبيل شبيب