تحليل – مواجهة المحور الأمريكي – الإيراني
استنفار قوى الهيمنة الدولية والإقليمية، ابتداء بالميليشيات المستوردة، وصولا إلى التحالفات المتعددة
كلمات من منطلق الثورة الشعبية في سورية:
الرؤية الواضحة لتطور السياسات والممارسات الدولية والإقليمية شرط لا غنى عنه لتكوين الرؤية الواضحة لتطوير المسار الثوري التغييري.. ولهذه الكلمات تتمة في خاتمة هذا المقال.
مؤشرات ميدانية مرئية
عندما أعلنت "استراتيجية أوباما" لتحالفه الأمريكي وبدأ تنفيذها انتشرت تساؤلات عديدة منها:
(١) خلفيات التمييز بين "داعش" المصنفة في قائمة الإرهاب، والميليشيات التابعة لإيران، العاملة منذ زمن في ساحة الإجرام الأسدية ضد الثورة الشعبية.
(٢) التساؤل عن "التناقض" بين عداء أمريكي- إيراني لم ينقطع الحديث عنه وبين "جهود" أمريكية عسكرية مكثفة لاستبقاء نظام الحكم القائم في العراق وتقويته، وهو الموالي قلبا وقالبا لإيران.
يمكن أن نضيف الآن حدثا آخر يثير تساؤلات مشابهة:
ما الذي جعل الطائرات الأمريكية دون طيار تتحرك الآن بالذات لتوجيه ضرباتها إلى مواقع أتباع "القاعدة" في قلب ساحات مواجهتم مع "الحوثيين" في اليمن؟..
ألا يلفت النظر أن هذه الضربات الجديدة تأتي بعد أن أصبحت "القاعدة" -مع عدم القبول بنهجها- طرفا يلحق بالحوثيين أضرارا بالغة، تعرقل تمددهم على التراب اليمني، وهم الذين لا يخفون ولاءهم لإيران واعتمادهم عليها، كما أن التصريحات الرسمية الإيرانية لم تجد حرجا في تأكيد ذلك؟
ألا يذكّر هذا التحرك بأن استهداف "القاعدة" بالضربات الأمريكية على امتداد السنوات الماضية، لم يقترن يوما بضربات مشابهة للحوثيين في الشمال، رغم تمردهم على النظام في صنعاء، وتنامي خطرهم "الإيراني" على حلفاء واشنطون في الخليج؟
يوجد من يفسر تمدد الحوثيين الآن بتعاون بقايا "دولة صالح العميقة" معهم، فهذا ما جعل قطاعات عسكرية وأمنية عديدة تفتح الأبواب أمام هذا التمدد "سلما"، ويقال إن من أسباب ذلك عدم انصياع الجيش والأمن للرئيس اليمني الحالي، أو يقال إنه "متواطئ" مع حلف "صالح – الحوثي"..
بالمقابل: كانت هذه القطاعات العسكرية والأمنية نفسها "منصاعة" للرئيس الحالي في الشهور السابقة، وهي تنفذ "أوامره" دون تردد في الحملة العسكرية ضد مناطق انتشار "القاعدة" جنوب اليمن، قبيل بدء الجولة الجديدة من التمرد الحوثي، ألا ينبغي السؤال ما إذا كانت تلك الحملة تمهيدا للتحرك الحوثي، لا سيما وأنها لم تكن لتنطلق دون إذن "دولي".. أي أمريكي؟
أمريكا وإيران.. من عداء لتحالف
إن السؤال الجوهري والمحوري من وراء ما سبق:
ما الفرق بين إرهاب وإرهاب؟
ما الذي يجعل إرهاب القاعدة وداعش ومن يصنف معهما أو يتهم باتباع نهج على غرار نهجهما، "إرهابا" يحرك حكومات عالمية وإقليمية وفق الرغبات الأمريكية، ويجعل إرهاب الميليشيات الإجرامية التابعة لإيران في سورية والعراق واليمن، يدفع كثيرا من حكومات عالمية وإقليمية، إلى الاكتفاء برصد ضحايا إجرام تلك الميليشيات دون اتخاذ إجراء فعال، عسكري أو غير عسكري للحدّ منه؟
ألا نرى من وراء ذلك كيف يجري العمل لخنق الإرادة الشعبية الثائرة في سورية وأخواتها، وتنصيب "السجان الإيراني" على أبواب معتقل كبير لا يضم غالبية "دول الربيع العربي فقط" بل يضم أيضا عددا من الدول المرتبطة بواشنطون ارتباطا تبعيا لا يخفى على أحد؟
لقد أصبحت الدلائل أوضح وأكثر من أن نحتاج إلى المزيد للقول إن ما يجري في "مجموع المنطقة" ما بين عدن والموصل، وبين المنامة واللاذقية، يتجه نحو ترسيخ دعائم محور أمريكي- إيراني، يجمع بين ما ترمز إليه تعابير "شرطي العالم" و"شرطي الخليج".
ولا حاجة "لتحليل" من أجل القول:
هذا ما يمثل "الرد الاستراتيجي" الأمريكي المتزعم لسواه من ردود عالمية وإقليمية، على ثورة الإرادة الشعبية في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
بل بدأ التمهيد لهذا "الرد" قبل اندلاع الشرارة في جسد "بوعزيزي"، أي مع ظهور "إرهاصات" أولى لتمرد شعبي محتم ضد أوضاع استبدادية إجرامية محلية وهيمنة استغلالية أجنبية عالمية. وتتكامل نشأة هذا المحور الأمريكي- الإيراني مع جهود كبرى لتثبيت عودة الاستبداد إلى مصر وليبيا تخصيصا، وكذلك لحصار الطاقة التغييرية التي انبثقت عن المقاومة الفلسطينية وعن مسيرة التحرر من الاستبداد العلماني العسكري في تركيا.
الاعتراضات على "التنبؤات"
يوجد حتى الآن كثير من المعترضين على ما يعلن من توقعات وتنبؤات في هذا الاتجاه، ويمكن التوقف بإيجاز شديد أمام بعض تعليلات المعترضين.
يقول بعض "القوميين".. إن إيران من دعائم "المقاومة والممانعة" ضد المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، فمن المستحيل قيام مثل هذا المحور..
الجواب جاء مؤخرا على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني مكررا ما قاله "مخلوف" الأسدي في مطلع الثورة الشعبية، إن "سقوط الأسد يعني الخطر على الأمن الإسرائيلي"..
ثم إن ما يجري أشبه بما عرف بتقاسم النفوذ "بين الأعداء" المعروف من "الحرب الباردة" إلى جانب ما انتشر آنذاك أيضا من "صراع على النفوذ" بين أولئك الأعداء أنفسهم.
ويقول بعض "الخليجيين": يستحيل أن تتخلّى واشنطون عن دعامتها "العربية الخليجية" فالنفط الخام هو كالدماء في الشرايين الغربية.
الجواب فيما تقول به الأرقام، فارتباط تقدم الغرب بالنفط العربي الآن لا يوازي معشار ما كان قبل ثلاثين سنة فقط.
ثم إن الوضع الجديد لا يغير شيئا ولا يبدل من العجز -أو الامتناع- عن استخدام العائدات عبر سبعة عقود لبناء صناعة، أو تشييد تقدم، أو ترسيخ "استقلال سياسي وأمني".
كما أن "جيوش المستشارين" الغربية كفيلة بتوجيه الإنفاق لشراء كل ما لا حاجة إلى شرائه من كماليات وخدمات من الغرب، في قطاعات العمران والاستهلاك بدلا من ضخه في التخطيط للاستثمار المحلي والإنتاج والأمن "الحقيقي".
ويقول بعض "المتغربين" أو بعض من يحسنون النوايا -حتى في إبليس.. ومعذرة للتعبير- إن ما يقال عن محور أمريكي – إيراني هو من إنتاج "فكر المؤامرة"، والدول الغربية "الحديثة" تفكر وفق موازين مصالحها، وما تصنعه الآن يقتصر على رد ضرر "داعش والقاعدة" عليها، عبر بوابة "استيراد الإرهابيين" من بلدان الغرب، وإعادة "تصدير الإرهاب" إليها.
الجواب إن كلام هؤلاء صحيح جزئيا على الأقل، ولكن "استراتيجية المحور الأمريكي – الإيراني" هى في منظور واشنطون الرد العملي "الأمثل" لخدمة المصالح الذاتية، ومنها مطامع السيطرة الاستغلالية غير المشروعة.
ثم إن ما يجري يجري علنا، وليس وراء ستار تآمري، فمن يتحدث عنه يتحدث عن "شيء مشهود مكشوف منظور" ولا يزعم الكشف عن شيء "سري" عبر فكر تحليلي أو "فكر المؤامرة"!
ويوجد من "المحللين" من يستبعد مواجهة ثورة الإرادة الشعبية بنشأة محور أمريكي إيراني "رغم أنف" أنظمة صديقة وأنظمة تابعة لواشنطون، يفترض أنها مستهدفة إيرانيا، ومن الغريب أنهم يعللون قولهم هذا عبر ما يستشهدون به من تصريحات رسمية مناقضة، أمريكية وإيرانية!
يفترض بأولئك المحللين وفق "مهنيتهم" أن يتابعوا ما يقال وما لا يقال، ويقيسوه ويقوموه ويفسروه تبعا لما يشهدون على أرض الواقع.. وليس العكس.
ثم عندما يسمعون هذا الناطق الرسمي أو تلك المتحدثة الرسمية باسم وزارة أو دائرة أو رئاسة أمريكية، تعلن -باستعلاء- عن الموقف الأمريكي من أحداث داخلية صغيرة وكبيرة في مختلف بلدان العالم، مع إطلاق الوعيد والتهديد، فالأصل في التحليل التساؤل:
علام يتجاهل المسؤولون الأمريكيون ما تصنعه الميليشيات التابعة لإيران.. إلا لماما؟
علام ينفذون ما يعلنون عنه أحيانا، في حالات محددة، مثل التعامل مع عين العرب / كوباني حاليا، ولا ينفذون ما يتوعدون به ولو الحد الأدنى، من القليل الذي يعلنون عنه -ربما للاستهلاك المحلي- عندما يتعلق بالتعامل مع حلفاء إيران في سورية ولبنان والعراق واليمن؟
عودة إلى منظور الثورة الشعبية
إن العجز عن إخماد الثورات الشعبية نهائيا بالقوة الذاتية للاستبداد، مع كل ما يأتيه من دعم خارجي، هو الذي "استنفر" قوى الهيمنة الدولية والإقليمية، لتنزل إلى الساحة مباشرة، ابتداء بالميليشيات المستوردة، وصولا إلى "التحالف الدولي ضد الإرهاب".. وسيان هل يصدق هذا العنوان أم يكذب، يجب أن يضاف إليه "ضد الإرهاب.. وضد تحرر الإرادة الشعبية الثورية" أيضا.
إننا نشهد انتقال التعامل مع الثورات الشعبية عموما وفي سورية تخصيصا إلى "تدويل" جهود القمع، وما يصنعه التحالف الدولي -إلى جانب ضرب داعش والقاعدة- هو حاليا:
(١) صناعة "خط دفاعي" دولي- إقليمي عن منظومة الهيمنة والتبعية..
(٢) تثبيت الأنظار عالميا ومحليا على "ساحة المواجهة مع الإرهاب"، وبالتالي التعتيم على "ساحة المواجهة مع الاستبداد"..
(٣) استبعاد ضربات هذا "الإرهاب" عن ساحة المواجهة الثورية مع القوى الاستبدادية على المستوى القطري وبالتالي تفريغ تلك القوى أكثر مما مضى لجهودها المتواصلة لقمع الثورات..
والجواب:
هى مرحلة جديدة، أو جولة جديدة، ولا يمكن التعامل معها خارج نطاق اليقين باستمرارية الثورة حتى يتحقق التغيير، فالثورة الشعبية لم تقتصر قطعا من اللحظة الأولى لاندلاعها، على إسقاط هذا البيدق أو ذاك من بيادق الاستبداد المحلي، بل كانت تشمل وما تزال تشمل "علاقاته" مع القوى الإقليمية والدولية في نطاق منظومة الهيمنة والتبعية. لم يتبدل "حجم" العداء كما كان عليه من الأصل، ولكن نزل بثقله الأكبر إلى الساحة، وهذا ما يضع الثوار أمام مسؤولية إضافية كبرى:
أما آن الأوان أن تتخذ خطوات توحيد الصفوف سرعة مضاعفة، وأن تتخذ الإعدادات والخطط والعمليات درجة أعلى من المهنية والحرفية والتنسيق والإدارة؟..
من دون هذه الرؤية، تعثر المسار في سنوات سابقة، ولا ينبغي استمرار التعثر ناهيك عن استفحاله في الفترة القادمة، فالمخاطر الآن أكبر مما كانت بكثير.
نبيل شبيب