تحليل – في مواجهة الأخطار المحدقة بثورة شعب سورية

كلمات.. تختصر الكثير: وما النصر إلا من عند الله – ولا تفرّقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم

37

هل وصل مسار الثورة فعلا إلى ما يصفونه باستحالة الحسم العسكري، وما يلوّحون به من احتمالات التقسيم، أو إطالة أمد معركة غير متكافئة؟

أم تعبر الثورة الآن لحظة التيئيس الموجّه المتعمّد الهادف إلى تمرير إجراءات جائرة يسمّونها حلولا، لا يقبلها إنسان عاقل ثائر.. إلا في لحظة يأس، وفق تصورهم؟

 

رسائل ضغوط رسمية

المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة في دعم حكومة عراقية طائفية مرتبطة بسياسات إيران الطائفية..

المشاركة العسكرية الدولية المتعددة الأطراف في معركة فريق من الأكراد أوجدوه ودعموه وسلّحوه لزراعة الوتد الأكبر في تقسيم الشمال السوري..

هذه وتلك وأمثالهما لافتات عريضة بعبارات صارخة، موجهة إلى الثورة والثوار في سورية لتوصل عدة رسائل في وقت واحد:

١- نحن قادرون على التحرك متى نريد حيث نريد.. فافهموا أننا كاذبون بشأن الامتناع عن التحرك بدعم حقيقي للثورة الشعبية في سورية.

٢- نحن نتحرك ضد كل ما يبدو من ورائه خطر "إسلامي".. بحق ودون حق، فافهموا أن عدم تحركنا مع ثورة تقول "يا ألله" مقصود، فإما أن نمارس العداء المباشر ضدكم، أو تتخلّوا أنتم عن خالق الأكوان

٣- نحن قادرون على تحريك حكومات دول عربية وإسلامية أو وقف تحركها.. فلا جدوى من انتظار تحركها دوننا، فإما أن تنشأ ضغوط شعبية تحركها معكم رغما عنّا، أو يستمر ربطها بنا رغما عنكم عبر التحكّم بقنوات تعاملها معكم

 

ضغوط إضافية في ساحة الثورة

يلتقي المفعول المقصود من هذه الرسائل مع مفعول أحداث أخرى تزداد معالمها وضوحا وشراسة، وفي مقدمتها عدم انقطاع مسلسل نقض الوعود الكاذبة بالدعم، وكأن المقصود تعليم من لا يتعلم أو لا يريد أن يتعلم: لا جدوى من تصديق وعودنا (وضمير "نا" هنا: القوى الدولية ومن يرتبط بها)

من مظاهر ذلك عسكريا على سبيل المثال:

١- إذا شكّل بعض الضباط مجالس عسكرية "تنسّق" معنا سيبدأ دعمها.. وتشكلت ولم يبدأ الدعم بل ظهر المطلب التالي:

٢- إذا دخلتم في اقتتال مع جبهة النصرة وما يشبهها تصورا وعملا مما لا يروق لنا فسيبدأ الدعم.. ولم يقع الاقتتال بصورة شاملة ولكن حيث وقع موضعيا لم يتحقق الوعد بالدعم..

وشبيه هذه اللعبة (بالدماء الطاهرة) -مع ملاحظة وجود كثير من المخلصين المشاركين دون قصد- ما جرى أيضا مع "مجالس محلية" لعمل مدني وأسلوب صرف الرواتب ثم حجبها عنها.. وشبيه ذلك أيضا ما جرى على مستويات سياسية، ويكفي التنويه طلبا للإيجاز:

١- إذا تجمعتم سياسيا اعترفنا بكم ودعمناكم.. وتشكل المجلس الوطني..

٢- كلا.. لا يكفي أضيفوا هيئة التنسيق.. لم يتحقق ذلك.. ننتقل بكم إذن إلى مستوى آخر أوسع وأكبر

٣- تشكّل الائتلاف، وأعلن الاعتراف الكلامي به، وصدرت وعود أكبر بالدعم بالإغاثة والسلاح..

٤- وتكرر ذلك مع تشكيل هيئة التفاوض لاحقا.. وبقيت الوعود كلاما كما كان مع المناورات في ميدان آخر، عنوانه: تشكيل حكومة "مناسبة"، أي مناسبة لما ينتظره الواعدون بالدعم وخابت توقعات من ربط تشكيلها بدعم مزعوم.

 

استهداف الشعب مباشرة

جميع ما سبق علني بغض النظر عن أساليب الإخراج المتقنة، وهو ما ساهم في وصول مسار الثورة إلى ملحمة كبرى:

١- ثورة تنمو من الصفر بقدرات ذاتية، ومعاناة شعبية تفوق الوصف داخل سورية وفي مخيمات التشريد، ودور دولي وإقليمي رهيب في نتائجه إذا تحققت أهدافه فعلا.. وما خفي أعظم مما يجري علنا، ومن ذلك التوافق الذي يجري الكشف عنه تدريجيا مع من دعم ويدعم العصابات الإجرامية الأسدية علنا..

هنا لا يمكن تمرير شيء عبر الضغوط فيما يسمى الأروقة السياسية وقاعات الفنادق الفخمة، أو عبر قنوات التواصل المباشر مع العاملين عسكريا.. ولهذا ظهرت للعلن الضغوط الأبشع شكلا ومضمونا، الموجّهة مباشرة نحو الشعب، مع توقيتها المتعمّد لحظة بلوغ المعاناة مداها في مسار ملحمة الثورة:

١- لن يصل الدعم الإغاثي إلا في حدود ما يحافظ على قدرة المنكوبين لرفع أصوات الاستغاثة

٢- دعم الأمم المتحدة يأتي عبر حكومة العصابات التي يزعمون المطالبة بتنحي رئيسها وسيدها غير الشرعي وليس عبر من اعترفوا به "ممثلا شرعيا وحيدا لشعب سورية"..

٣- إذا وقعت كارثة محلية فاضحة، بقي التعامل الجزئي مع الكارثة أشبه بالاستهزاء العلني بالإنسان وقيمه عند مقارنته مثلا بما يجري في مواكبة من قُتل من رهائن أجانب هنا وهناك في أنحاء العالم..

٤- تراجع التصريحات الكلامية بالدعم للشعب والتنديد بالقتلة بعد أن كانت شبه يومية وعلى التبادل بين عواصم دول ما يسمّى "العالم الحر"، فتحوّلت إلى بضاعة نادرة في هذه الأثناء!

 

المطلوب دوليا

إذا كان المطلوب من جانب بقايا نظام عصابات إجرامية:

– تركيع الشعب السوري، باستخدام القصف الإجرامي، لنصف قرن آخر من الإجرام

فإن المطلوب من جانب بقايا نظام دولي جائر صنعته نشوة انتصار القوة في الحرب العالمية الثانية:

– تطويع ثورة شعبية تاريخية بطولية لمحاصرة نتائجها البعيدة المدى إقليميا وعالميا

 

المطلوب ثوريا

كلمات.. تختصر الكثير:

وما النصر إلا من عند الله – لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون – ولا تفرّقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم – إنّما النصر صبر ساعة… وجميعنا يعرف المزيد لندرك ونلتزم بأمور أساسية:

١- لقد حققت الثورة ما حققته حتى الآن بقدرات الشعب الثائر ذاتيا..

٢- إذا كان المخطط الإجرامي يعتمد أدوات التجويع والترويع فلا سبيل سوى مضاعفة اعتماد القدرات الذاتية على محورين معا:

– العمل المدني (مع حتمية أن يشمل قطاعا قضائيا مستقلا) مع الشعب الحاضن للثورة وهو من يعاني بسبب معاداتها..

– تطوير العمل العسكري عبر إبداع وسائل تنمية القوة الذاتية، إضافة إلى جهود توحيده..

وبقدر تنامي إنجاز هذين المحورين يظهر المحور السياسي للعمل بالقوة الكافية لتمثيل الثورة وشعبها..

٣- وإذا كان مخطط التطويع الدولي للثورة يعتمد أدوات الكذب والتيئيس والمراوغة واصطناع مرتكزات بديلة لهيمنة أجنبية وإثارة الفتن بين السوريين والسوريين وتجفيف منابع دعم السوريين للسوريين، فلا سبيل سوى أن تعمل الثورة بقدراتها الذاتية على الجمع بين:

– الصبر والتكافل الثوري والشعبي معا.. الحافل بالتضحيات وبالبطولات معا

– إسقاط مقولات مفرقة من قبيل "السياسي والعسكري" و"الخارج والداخل"

– تعزيز تعامل السوريين مع السوريين على أساس "الثورة الشعبية وتحقيق أهدافها"

– تكامل الوسائل والطاقات المتعددة المرتبطة بالثورة

– وضع كل جهد جزئي في موضعه الرافد للثورة من خارطة المشهد الجامع للثورة ومسارها.

وهذا ما يحقق توحيد الصفوف السورية بصدق، للصمود معا في صناعة النصر، وإن الامتناع عن ذلك جريمة، وزعم استحالته صيغة فاجرة لعدم الإقدام الجادّ على صنعه

نبيل شبيب