تحليل – حكايات جنيف ومستقبل الثورة (١ من ٢)
ليس المفاوضون مخولين بالتوقيع على نتائج تنتهك السيادة الشعبية.. ومسؤولية العجز الثوري الحالي هي مسؤولية القيادات الميدانية أولا
ماهية مسلسل جنيف حول سورية
مسلسل مفاوضات جنيف حول سورية أداة من صناعة أجنبية من لحظة الولادة الأولى، لم يكن يُنتظر منها سوى ما تصنعه حتى الآن سيان هل يسمّونه تدويل القضية أو فرض "انتداب ووصاية" أو إطالة أمد القتال.
وكانت جنيف من البداية أداة "هلامية" من حيث المشاركين والمسار والمخطط الزمني، ولا يعرف متى يُسدل الستار على مسرحها، فالأمر مرتبط بما يجري خارج نطاقها، وهو شديد التقلب.
المشاركة السورية في جنيف خارج نطاق عن صناعة القرار، ولكن وجود مشاركين باسم الثورة وشعبها ضروري، ورفضه صادر عن الحكم على المشاركة بميزان تحقيق أهداف الثورة، رغم أن المشاركين والرافضين يعلمون مسبقا باستحالة تحقيقها عبر جنيف.
المعيار الأصح لتقويم المشاركة هو "التوقيع أو عدم التوقيع" على نتائج ينتظر أن تتناقض مع أهداف الثورة.. وهذا ما لم يحصل حتى الآن، ولا ينبغي أن يحصل، ولا يحمل المفاوضون أصلا -ولن يحملوا- تخويلا مشروعا للتصرف بالثورة وحصيلتها وشعبها، فما قيمة توقيعهم إذن، وعلام تحرص عليه القوى الأجنبية التي صنعت مسار جنيف.
إن التوقيع بأي تسمية "سورية" سيُستخدم -إن حصل- من أجل إضفاء صبغة مشروعية دولية زائفة على النتائج، كما صُنع في فلسطين مرارا وتكرارا. ولكن:
لا توجد وفق ميثاق الأمم المتحدة نفسه مشروعية دولية أصيلة أو مكتسبة لنتائج تنتهك "حق تقرير المصير" لشعب سورية، ناهيك عن تناقض ذلك مع ما تقول به الأديان السماوية والأعراف الأرضية. المطلوب من المفاوضين في جنيف إذن أمر واحد: رفض توقيع يوهم بمشروعية مزيفة لحصيلة هذه الأداة الأجنبية.
المسؤولية عن العجز الثوري
ليس هذا الوضع هو الوضع المطلوب سياسيا لثورة شعبية تاريخية لا يوجد ضرب من ضروب المعاناة والتضحيات والبطولات إلا وعرفته كما لم يعرفه أي حدث تاريخي مشابه من قبل. من المسؤول؟
المشاركون في جنيف منذ أولى حلقات المسلسل التفاوضي حتى اليوم يحملون قسطا محدودا من المسؤولية، يتعلق بالأداء السياسي، وشبيه ذلك مسؤولية جزئية تقع على عاتق سواهم أيضا ممن يعمل في السياسة، وحتى من يمارسون صنعة القلم، بل ومن يُنتظر منهم دور أكبر أي نخب العلماء والدعاة والمفكرين والكتّاب ومن شابههم. أما المسؤولية الأكبر عن الوضع الحالي للمسار الثوري فهي في الدرجة الأولى مسؤولية قيادات العمل الميداني المسلح.
ليس القصد هنا من اخترق الميدان دون أن ينتسب فعلا إلى الثورة، مثل داعش، فهؤلاء مفروغ من أمرهم، وموقعهم بالمنظور الثوري هو اعتبارهم جزءا عضويا من "العمل المضاد للثورة".
يحمل المسؤولية أولئك الذين بدأ ظهورهم في العمل الميداني المسلح من رحم الثورة فعلا واعتمدوا على حاضنتها الشعبية، ولكن ارتكبوا أخطاء جسيمة.. إذ شكل كل منهم فصيلا صغيرا أو كبيرا، وشكل الفصيل مكاتب بمختلف المسميات أولها "الشرعية" و"السياسية"، وكانت –إلا في حالات نادرة جدا ضحلة مسيئة أو منحرفة ضارّة أو متبجحة دون حرفية تذكر.
يحمل المسؤولية من تفرقوا في السبل المتشعبة فأصبح مستحيلا عليهم تحقيق الحد الأدنى من شروط الثورة أو أي عمل مسلح، ناهيك عن شروط القتال والجهاد وقد رفعوا راياتهم باسمه، وتعصبوا لها بسيل لا ينضب من فتاوى متتابعة متناقضة فيما بينها ومع أبجديات الإسلام، حتى بلغ بهم الأمر درجة الاقتتال الانتحاري أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، وهم يتدافعون المسؤولية عن إزهاق الأرواح وهدر السلاح وسواه من أسباب القوة المادية، ولم ينقطع ما ارتكبوه من أعمال مخزية، تطعن الثورة والحاضنة الشعبية والمخلصين من العاملين في ميادين طبية وإغاثية وما شابهها في ظهورهم.
المسؤولية مسؤولية القيادات الميدانية في الدرجة الأولى.
الاعتذار بالتمويل الخارجي مرفوض كالاعتذار بداعش أو سواها أو الاعتذار بعداء قوى أجنبية، وأسوأ من ذلك أن يفتري بعضهم على من تركوهم محاصرين فسلكوا سبيل ما سمي الهدن المحلية وما شابهها.
من يضع نفسه في موضع قيادة ثورة شعبية يجب أن يضع في حسابه جميع ذلك وأن يكون من كفاءاته القدرة على العمل وتحقيق الأهداف الثورية الشعبية لمن يقودهم من عناصر وقد بلغ مئات الألوف، وما يتصرفون به من إمكانات كبيرة.
اقرأ أيضا الجزء الثاني من هذا المقال:
(٢) معالم طريق آخر وكيف نمضي عليه
نبيل شبيب