تحليل – المؤتمرات في واد.. وقضايانا في واد
مؤتمرات لا تبني على ما سبق صنعه من أجل قضايانا بل على ما سبق صنعه على حساب قضايانا وشعوبنا وأوطاننا ومستقبلنا
خلال أيام معدودات تنافست على متابعة قضايانا مؤتمرات ثلاثة، في القاهرة والرياض وسوتشي.. ومهما تأملنا في تلك المؤتمرات، ومهما سعينا للموازنة بين الإيجابيات والسلبيات وبين المكاسب والخسائر، يبقى ثابتا أن العمل الحقيقي الهادف لصالح قضايانا، لا سيما تحت عنوان سورية وثورة شعبها وعنوان صراعات الهيمنة الإقليمية والدولية.. مثل ذلك العمل لا يمكن أن يمارسه المخلصون من خلال تلك المؤتمرات وأشباهها، بل خارج نطاقها، فإن عمل المخلصون معا، ميدانيا وسياسيا وفكريا وتخصصيا، وحققوا معا إنجازات مرئية، أصبحت إنجازاتهم وقائع تفرض "تأثيرهم" بمنظورنا لقضايانا على مثل هذه المؤتمرات وسواها.
في القاهرة عنوان مؤتمر يتعلق من حيث حصيلته بمشروع الهيمنة الإيراني الإقليمي الخطير وما وصل إليه خلال عدة عقود.. ولكن الاجتماع الوزاري الطارئ لجامعة الدول العربية كان واقعيا تلبية لطلب سعودي تفاعلا مع جانب واحد (استهداف الرياض بصاروخ) بل ويؤخذ من الكلمات والبيانات والتصريحات قبل المؤتمر وأثناءه وبعده، أنه لمجاملة الطرف السعودي فحسب..
جاءت الحصيلة أشبه بحبوب مسكّنة، دون خطوات عملية، ولو أعلن المجتمعون عن خطوات عملية فعلا فلن تكون مجدية في المستقبل المنظور، فالعمل يحتاج لتوافق وتخطيط وإعداد، والقضية المطروحة مطروحة واقعيا منذ سنوات، ولو أراد صناع القرار أخذ العدة لمواجهة "اعتداءات" كان واجبا عليهم التحرك منذ سنوات بخطوات عملية..
ولكن كما هو حال جامعة الدول العربية، أي حال "دولها الأعضاء" على امتداد العقود الماضية، لم تنشط بإجراءات جماعية وعملية فعلا إلا فيما يتعلق بتثبيت كراسي السلطة تجاه غضب الشعوب، أما الاعتداءات الخارجية -وليس مشروع الهيمنة الصهيوني مجهولا- فلا تكاد تجد سوى الكلام دون العمل.
في الرياض يرتبط المؤتمر بقضية "الهيمنة الإقليمية أيضا عبر قضية سورية تخصيصا، وقد أصبحت مصيرية ومركزية كبرى كقضية فلسطين..
ولكن المؤتمر المنعقد لا يبني على ما سبق صنعه من أجل القضية، بل على ما سبق صنعه لتصفية القضية، وهو ما يجري خطوة بعد خطوة، ولا يزال المؤتمر منعقدا أثناء كتابة هذه السطور، والأصل أن انتظار النتائج أجدى من أجل تقويمه، ولكن ما أعلن من "أهداف" مسبقا، وما يتردد عن وجوده في مسودة بيان ختامي، لا يوحي بأن النتائج ستخدم القضية، حتى مع وضع صياغات يراد أن تبدّد الشكوك بشأن "التراجع" في التعامل السياسي معها..
ليست المشكلة الأكبر هنا، فالقضية لا تحتاج لمزيد من المساومات والمناورات والصياغات الساخنة أو الباردة، بل إلى عمل، ولم ينعقد مؤتمر الرياض الثاني من أجل فتح أبواب العمل، بل لضبط "قنوات أضيق مما سبق" لمن يريد التحرك بعمل ما، كيلا يتجاوز "الخطوط الحمراء" عند من يتحركون لإجهاض الثورة.. أو توظيف أحداثها في نطاق صراعاتهم الدولية والإقليمية فحسب.
أما بمنظور أصحاب القضية الأصليين من سورية (بموازين واقع تمزقنا القطري) فبغض النظر عمّن حضر ومن أبى الحضور في هذا المؤتمر، يعلم الجميع أن النجاح والإخفاق مرتبطان بعوامل لا ينعقد المؤتمر على أساسها ولا توضع في حساباته ليمكن التنبؤ بنجاحه أو إخفاقه.
إن قضية سورية قضية استبداد غير شرعي منذ ولادته وثورة شعب لتحقيق مطالب مشروعة، فهل يوجد شيء في المؤتمر وجميع ما يمكن أن ينبثق عنه، يتوافق مع العمل بموجب هذه المعادلة؟
في سوتشي القضية ذاتها ولكن في واد آخر من وديان "السياسة" العاملة تحت عنوانها.. فالقمة الثلاثية هناك عبّرت عن واقع ما آل إليه جناح من أجنحة الصراع الدولي والإقليمي على الاستبداد المحلي والهيمنة الأجنبية، وإن بقيت مساعي تركيا (المستهدفة دوليا أيضا) متميزة بمعايير الثورة في سورية..
الدول المشاركة في القمة هي الدول التي تستخدم قوتها العسكرية والسياسية الذاتية على أرض الواقع السوري أكثر من سواها، ولا يخفي أن الغائب الحاضر في سوتشي هو القوة الأمريكية المرتبطة بالمشروع الصهيوني الإقليمي، والتي تتحرك على أرض سورية أيضا..
أما أن الثورة ثورة شعب، وأن الشعب يتحرك عبر فصائل مسلحة وقوى سياسية تحمل اسمه بغض النظر عن تعددها واختلافاتها وحتى انحرافاتها، فمن الواضح أن المؤتمر في سوتشي كأمثاله في جنيف مثلا، يتحكم دون صلاحية مشروعة، في تصنيف من هم المقبولون ومن هم المرفوضون من تلك القوى "الثورية والمعارضة"، أي يتحكم عبر المساومات الثلاثية فيمن يسمح لهم بمجرد "الإسهام" في صناعة قرار يراد أن يحدد مصير ثورة شعبهم ومصير مستقبل بلدهم.
في هذه المؤتمرات وأمثالها يجري البحث عن "شعوب" ملائمة لمن يصنع القرار ومن يصنف من يمثل تلك الشعوب رفضا وقبولا، وجميع ذلك لا يغير من مسار القضية على المدى البعيد.. وإنما في واقع خيوط الهيمنة والسيطرة عليها في مرحلة من المراحل، ولا يقطع تلك الخيوط، إلا من يفرض وجوده فرضا.. وهذا ما يعنيه "المنطق الثوري الشعبي" في معركة غير متكافئة من حيث موازين القوة المادية التقليدية..
هي ثورة على "قواعد اللعبة" في عالم الهيمنة والتبعية، ويمكن التحكم في نهايتها بقدر التركيز على عناصر القوة الأخرى التي طالما صنعت مفاصل التغيير في مجرى التاريخ البشري، بدءا بإرادة الشعوب، مرورا بارتفاع "النخب" إلى مستوى الأمانة والريادة والقيادة، انتهاء بالعمل الجماعي تصورا وتخطيطا وتعاونا وإنجازا.
هذا ما لا يتحقق في وديان مثل هذه المؤتمرات.. إنما في وديان أخرى لا تخفى مواصفاتها على المخلصين الحريصين فعلا على العمل.
نبيل شبيب