تحليل – إيران والحضن الأمريكي
قرار انفرادي أمريكي يوظف للتأثير على القضايا الأخرى أضعاف تأثيره على العلاقات الأمريكية – الإيرانية ومشروع إيران الإقليمي
هذه كلمات تتعمد أن تستبق بنشرها يوم ١٣/ ١٠/ ٢٠١٧م إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بشأن التعامل مع ما عرف باتفاق الملف النووي الإيراني، فسيان ما سيكون عليه هذا القرار لن يتغير "جوهر" ما تعمل السياسات الأمريكية لتحقيقه في المنطقة العربية والإسلامية كدعم مفعول الخطر الإيراني في دول الخليج العربية، ولا "جوهر" ما تعمل على منع تحقيقه كتحرر الإرادة الشعبية تحت أي عنوان بما في ذلك عنوان "الديمقراطية" بردائها الغربي. إن تسليط الأضواء الإعلامية على القرار المتعلق بالملف النووي وتداعياته المحتملة يلفت الأنظار بعيدا عن السؤال الأهم:
هل استهداف الملف النووي يخدم فعلا قضايا الدول العربية والإسلامية الأخرى، كما يجري الترويج لذلك، لا سيما في بلدان الخليج؟
إن التعامل الأمريكي مع هذا الملف ومع نوعية التسلح الإيراني عموما، يبقى أولا وأخيرا جزءا عضويا من سياسات "المشروع الصهيوأمريكي" والتنافس إقليميا بينه وبين المشروع الإيراني.
١- لا يراد أمريكيا أن يصبح التسلح الإيراني مصدر خطر على هيمنة الأداة الإسرائيلية، لا سيما مستقبلا إذا ما سقط نظام السلطة الحالية وحل مكانه نظام آخر قد لا يكون على استعداد للتعاون الجاري منذ سنوات عديدة مع الأمريكيين، في أفغانستان والعراق مباشرة، وفي اليمن وسورية بطرق مباشرة وملتوية.
٢- تحجيم المشروع الإقليمي الإيراني جزئيا لحساب المشروع الإقليمي الصهيوأمريكي، لا يبدل السياسات الأمريكية ولا الأوضاع ذات العلاقة الأمريكية بالوجود العدواني الإيراني ما بين أفغانستان وسورية، وبين العراق واليمن، وفي جسور النفوذ الأخرى نحو شبه الجزيرة العربية وإفريقيا؟
يضاف إلى ما سبق.. التوقيت الحالي للتركيز الصاخب على مسألة الملف النووي، رغم أن غياب الحلقة الأمريكية بشأنه مع بقاء الحلقات الأوروبية والروسية والصينية على حالها، يجعل التداعيات لأي قرار أمريكي محدودة الأثر نسبيا.
يتطلب التوقيت إذن البحث عن أسباب "الصخب" في طرح القضية، وما الذي يراد لفت النظر عنه عمدا، أو "تزامنا غير مقصود".. كما يقول بعضنا تجنبا لتهمة جاهزة: فكر المؤامرة!
دون الدخول في التفاصيل لا يخفي أن مجموع ما يُصنع في ظل الفوضى "الخلاقة" الهدامة في المنطقة العربية والإسلامية وصل إلى مرحلة حاسمة، من عناوين مساراتها:
١- قضية سورية.. ومسار خطط التغيير "السياسي الدولي" بشأنها..
٢- قضية الأكراد.. وما تعنيه في إعادة خلط الأوراق التركية – العراقية – الإيرانية..
٣- قضية فلسطين.. والتفعيل الجديد لدور النظام الاستبدادي العسكري الجديد في مصر..
٤- قضية ليبيا.. والنقلة الجديدة الداعمة لبقايا الاستبداد العسكري من عهد ما قبل الثورة..
٥- قضية اليمن.. وما تلا الشرخ الخليجي – الخليجي مع الإعداد لدور وريث لدور "الاتحاد العربي"..
٦- قضية تونس.. ووصول إعادة تشكيل الهيكلة السياسية العتيقة إلى مرحلة متقدمة وخطيرة..
٧- قضية ما يسمّى الإرهاب ومكافحة الإرهاب، وقد انتهى أو يكاد ينتهي مفعول أوراق المرحلة السابقة والبحث يجري عن أوراق بديلة مناسبة لتكون بدورها ذريعة في "إدارة صراع الأحداث" القادمة.
جميع القرارات على صعيد هذه القضايا لا تنفصل بمنطلقاتها ونتائجها عن بعضها بعضا، وكل منها يعتبر قرارا بعيد المدى والنتائج ويمكن أن تترتب عليه ردود فعل متعددة، وهنا يمكن أن يقوم صخب إعلامي وسياسي بدوره من خلال قرار أقل شأنا بحجمه الحقيقي وبنتائجه المباشرة كقرار انفرادي أمريكي بشأن الملف النووي الإيراني، دون تغيير الأسس التي أقيمت عبر السنوات الماضية للعلاقة مع إيران ومشروعها الإقليمي وتوظيفه في صناعة مستقبل آخر للمنطقة بعيدا عن أهداف شعوبها وثورات شعوبها.
نبيل شبيب