تحليل – إيران وأسدها
التعامل الثوري السوري مع العنصر المتعلق بإيران تحديدا، هو التعامل مع جزء من كلّ، تمثله جملة سياسات إقليمية ودولية
هذه محاولة إجابة عددٍ من الأسئلة المرتبطة بجانب واحد، يتعلق بإيران، نشرت بتاريخ ١٥/ ١٠/ ٢٠١٢م مع تصعيد الموقف العدائي الإيراني للثورة الشعبية، ولا يزال المضمون ساري المفعول، ولم يكن المقصود أن نقول ببساطة: إن إيران "أصبحت جزءا من الحلّ أو ما زالت جزءا من المشكلة"، إنّما كانت محاولة استجلاء الساحة السياسية كما هي، ليمكن من بعد تثبيت الموقف الأصحّ من منظور الثورة وأهدافها الثابتة المشروعة.
الأسئلة هي على التتالي:
هل يمكن أن تتخلّى إيران عن أسدها في سورية؟
إذا تخلّت إيران عن أسدها، فهل تتخلّى عن بقايا نظامه المتهالك أيضا؟
إن تخلّت إيران عن أسدها فما الذي تريده بالمقابل؟
هل تجد إيران لنفسها موقعا سياسيا فيما يُصنع دوليا لِما بعد الاسد؟
كيف تتعامل "المعارضة السياسية" السورية مع الطرح الإيراني وما وراءه؟
ما هو الموقف المرجو من الثورة والثوار؟
. . .
هل يمكن أن تتخلّى إيران عن أسدها في سورية؟
أصبحت المؤشرات على ذلك كثيرة، والأهم منها هو ما "يرغم" إيران على خطوة من هذا القبيل، وليس خافيا أن "الأسد" من حيث الدور الذي يقوم به على رأس نظامه بما يخدم الأهداف الإقليمية الإيرانية، لم يعد صالحا لهذه المهمة، منذ فقد مصداقية عنوان "المقاومة والممانعة" بوضوح دموي، وتحوّل إلى زعيم عصابة همجية تقنل وتدمّر فحسب، ولا يوجد في "أخلاقيات" السياسة الإيرانية -كالسياسة الدولية أيضا- ما يمنع من التخلّي عن حليف يتحوّل إلى عبء، ومن جوانب ثقل هذا العبء ومفعوله ما ظهر للعيان على الصعيد المالي.
إذا تخلّت إيران عن أسدها، فهل تتخلّى عن بقايا نظامه المتهالك أيضا؟
هذا بالذات غير وارد في الرؤية الإيرانية فزعماء إيران يتخلّون عن شخص حليف وليس عن أهداف إقليمية، ويمكن أن يخوضوا معركة للاحتفاظ بالجزء الأكبر من "المرتكزات الإيرانية" في سورية، التي اعتمد عليها الحليف الساقط في أداء دوره في خدمة الأهداف الإقليمية الإيرانية.
وكان من أبرز ما ورد في المقترحات الإيرانية المبكرة في هذا الاتجاه هو الحديث لأول مرة عن "حكومة انتقالية بمشاركة جزء من النظام" من أجل الإعداد لانتخابات "نزيهة" تجري عام 2014م!
لا ريب أنّ التحرّك السياسي الإيراني -عربيا ودوليا- ينطوي على اتصالات "من وراء ظهر الأسد" داخل سورية، وأنّ هذه الاتصالات يمكن أن تصل إلى مستوى "التخلّص منه" بوسيلة ما، في اللحظة التي تقدّر إيران فيها وجود ما يضمن لها سياسيا على المستوى الدولي والعربي -وربما "السياسي المعارض" في سورية- ما يطمئنها، أو يوهمها، أنّ التخلّي عن "رأس" مرتكزاتها تحت عنوان "الحليف السوري" لا يتبعه تخلّيها الكامل عن مرتكزات هذا "الحليف" بل الاحتفاظ بقسم منها لمرحلة "ما بعد الأسد".
إن تخلّت إيران عن أسدها فما الذي تريده بالمقابل؟
لا تتحرّك إيران وفق حقيقة أنّ الأحداث في سورية تمثل "ثورة شعبية"، بل تتحرّك كالقوى الدولية التي تعطي الثورة عنوان "الأزمة السورية"، فكما أنّ هذه القوى تطرح للأزمة مشاريع ومبادرات "حلول سياسية" لاتفاقات بين "السياسيين" وربما بمشاركة مَن يمكن "جرّه من الثوار إلى معترك السياسة التقليدية هذه"، يمكن لإيران بطبيعة الحال أن تدلي بدلوها في طرح المشاريع والمبادرات والحلول.
بتعبير آخر: جوهر المساومات السياسية التي تفتح المقترحات الإيرانية بابها هو: كم ستكون حصّة إيران من "نظام ما بعد الأسد" و"ما هي الضمانات.. أي المرتكزات لذلك"؟
استخدمت إيران نظام الأسد قبل أن يتهالك ليكون لها منصّة نفوذ في المنطقة العربية تخصيصا، وانعكس ذلك في ميادين عديدة، كالحروب على أرض العراق، ناهيك عن قضية فلسطين ودولة لبنان، عبر ترسيخ "مقاومة" مسلّحة لبنانية مرتبطة بإيران، بديلا عن المقاومة المسلّحة الفلسطينية التي كانت في لبنان في السبعينات من القرن الميلاي العشرين، وبالتالي تحوّل عنوان "المقاومة" في شعارات "نظام الاسد" وممارساته، إلى واقع ترسيخ النفوذ الإيراني إقليميا.
تقويض حصيلة تلك الجهود هو بالذات ما تعنيه كلمة "حرب مصيرية" لإيران، التي استخدمها ساستها في الحديث عن "القمع العسكري الهمجي للثورة الشعبية في سورية"، وهو أيضا ما تدور عليه المساومات السياسية التي فتحت إيران الباب لخوضها مع الخائضين.
هل تجد إيران لنفسها موقعا سياسيا فيما يُصنع دوليا لِما بعد الاسد؟
السياسة الدولية أيضا لا تعني الثبات على موقف، ويمكن أن تجعل إيران جزءا من الحلّ مجددا (هذه الكلمات من عام ٢٠١٢م)، إذا وجدت أن مشاركتها تنسجم مع الحلّ الذي تريده هي لما تعتبره "أزمة"، ويلفت النظر أنّ المقترحات الإيرانية المبكرة لم تجد جوابا سياسيا غربيا أو عربيا علنيا، أي لم ترفض من حيث الأساس.
كما يشير غياب الردود السياسية إلى أنّ الحكومات المعنية تسعى أولا لمتابعة ردود فعل الأطراف السورية المعنية، من الثورة ومن "المعارضة السياسية" على المقترحات الإيرانية.
كيف تتعامل "المعارضة السياسية" السورية مع الطرح الإيراني وما وراءه؟
شهدت الساحة الدولية تطوّرات تبلور "أرضية" جديدة للتعامل مع ما يسمونه "أزمة سياسية"، ولا تنفصل التحركات الإيرانية عنها.. وكان من معالمها:
1- تبدّل ملحوظ في "استراتيجية" ألوية الثوار وكتائبهم قلّص جزئيا فقط من حجم الأضرار والأخطار الناجمة عن "الحصار الدولي والإقليمي" على صعيد الحصول على أسلحة فعالة، ويعني ذلك أنّ الثوار أظهروا احتمال التوصّل إلى هدف الثورة الأول، بإسقاط بقايا النظام، رغم ذلك "الحصار".. ويترتّب على هذا الاحتمال في سياسة القوى الدولية والإقليمية إما التضييق على تسلح الثوار، أو التعجيل بإيجاد "حل سياسي" قبل أن تجد نفسها أمام واقع ثوري جديد في سورية نفسها.
2- تشويه "الثورة نفسها" وهو ما يؤخذ من تكثيف التواصل السياسي، الدولي والإقليمي، مع جهات ثورية داخل سورية دون تعديل سياسة الاكتفاء بالدعم الكلامي، مع تسليط الضوء على هيئات تنظيم ثورية معروفة على حساب أخرى، ويتصل بذلك إطلاق حملات مكثفة للإساءة إلى سمعة بعض الألوية والكتائب الثورية، بالتركيز على أخطاء ترتكب، يجري تضخيمها واستغلالها وسيلة للضغط على القوى الأكبر مفعولا في نطاق العمل المسلح.
3- استخدام التواصل المباشر مع الثوار وسيلة ضغط على "الساسة التقليديين" خارج سورية، الذين حرصوا لفترة زمنية ملحوظة على تأكيد استحالة تجاوز الثوار والموافقة على حلول مرفوضة ثوريا.. مع بقاء قنوات اتصال مفتوحة.
بتعبير آخر:
وصلت الإعدادات السياسية الدولية والإقليمية إلى مرحلة متقدّمة على طريق التلاقي على "حل سياسي" مقترن بضغط كبير على الثوار من مدنيين ومسلّحين، ولا تستثني هذه الإعدادات العمل على القبول بإيران وروسيا "جزءا من الحل" على أرضية مساومات جارية لصناعة وضع جديد "ما بعد الأسد" يجد كل طرف دولي وإقليمي لنفسه "مكانا" فيه، بغض النظر عن الثورة والثوار والشعب السوري.
ما هو الموقف المرجو من الثورة والثوار؟
واقع مسار الثورة في الداخل هو العنصر الأهم في صناعة "القرار السياسي" من جانب قيادات الثورة ميدانيا، وتوجد عناصر عديدة على هذا الصعيد، منها:
1- القدرة على مواصلة تحقيق الإنجازات المرئية رغم حالة "انعدام الحسم" بين الانتصارات على الأرض وسيطرة بقايا العصابات المتسلّطة على الجوّ.
2- القدرة على الانتقال من مرحلة استنزاف القوة العسكرية الأرضية لعصابات النظام، إلى مرحلة شلّ جزئي أو كليّ للقوة العسكرية الجوية والضاربة عن بعد.
3- القدرة على تعزيز اللحمة الشعبية الثورية القوية، التي تحمل عنوان الحاضنة الشعبية، وهو ما يتطلّب جهودا "أسطورية" من أجل الجمع بين المهمتين "الثورية العسكرية" و"المدنية الأمنية والمعيشية".
4- القدرة على تطوير الخطوات الأولى الظاهرة للعيان لمزيد من التنسيق والتواصل بين الكتائب والألوية والمجالس العسكرية والعسكرية الثورية، والوصول بها إلى مستوى تخطيط العمليات المتكاملة على امتداد أرض الوطن.
العناصر السابقة تصنع معالم أرضية "فرض الأمر الواقع على أرض الثورة".. وبقدر ما يمكن تحقيقها، لا يمكن للتحركات السياسية الدولية والإقليمية أن تحقق أغراضها، دون أن تضع ما يستقرّ على أرض الواقع ضمن حساباتها السياسية، ولا يعني ذلك الاستجابة بالضرورة للمطالب الثورية الشعبية المشروعة، ولكن يعني استحالة تجاوزها، وهذا ما يعزّزه أن يتمكّن الثوار في الداخل من طرح مطالب الثورة سياسيا وبلورة صياغتها بصورة واضحة وفاعلة على الأصعدة المحلية والعربية والدولية.
آنذاك.. يكون التعامل مع العنصر المتعلق بإيران تحديدا، جزءا من كلّ، فلا يجري التركيز عليه سلبا أو إيجابا، بل يجري التعامل معه كبقية العناصر الكامنة في سياسات إقليمية ودولية، لا يرتبط قبولها أو رفضها بوجود العنصر الإيراني في إطارها أو عدم وجوده.. فالأهم هو الحصيلة بمجموعها، ولا تزال تلك السياسات لا تطرح ما يمكن قبوله بمعيار الثورة البطولية التاريخية وما صنعته إقليميا ودوليا، ولن تطرح ذلك طوعا، بل بقدر ما تفرضه إنجازات الثورة على أرض الواقع فرضا.
نبيل شبيب