إعدام بقايا إنسانية في نظام دولي مزعوم
طوفان الأقصى جرف بقايا ما يسمى مجلس الأمن الدولي
تحليل – لم يبق أقنعة تستر من أوحال المظالم والجرائم في واقع النظام الدولي
تحليل
كلما صدر تصرف باطل عن مجلس الأمن الدولي، انتشرت بيننا مقولة: سقط القناع وانكشفت حقيقة هذه المؤسسة المهترئة؛ ويقال شبيه ذلك عن دول الكتلة الغربية الصلبة التي تتحكم بالوضع العالمي عموما، كما كان مع فرنسا في قضية النيجر من الأمثلة الحديثة نسبيا، أو مع بريطانيا في قضية المشردين، أو مع الولايات المتحدة الأمريكية في الغالبية العظمى من القضايا ذات العلاقة بهيمنتها. وهذا ما كان أيضا مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان والاتحاد الروسي في أوكرانيا، ولا يتغير الوضع كثيرا بالتحول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فما يصدر عنها توصيات غير ملزمة، وما يكتسب صفة الإلزام بشروط لا يجد طريقه للتطبيق بسبب عقبات أخرى.
الواقع أنه لم يبق أقنعة لتسقط وهي تكشف عن أوحال المظالم والجرائم في واقع النظام الدولي الذي يتخذ من مجلس الأمن ركيزته الأولى. وجاءت عملية طوفان الأقصى وتعامل المجلس معها متجاهلا التاريخ من قبلها، لتنجرف البقية الباقية مما يردّده المتحذلقون عن المجلس وعن أن وجوده أفضل من غيابه.
لقد أنشئ المجلس المذكور من اللحظة الأولى على معادلات لا يمكن أن تسفر عن أداء خدمات حقيقية للأسرة البشرية من خلاله، لتكون في صالح جميع شعوب العالم ودوله، وليس في صالح (أو طالح) القلة التي تتحكم بالعالم بأي وسيلة تملكها، مؤسساتية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو خليط من هذا كله.
تأسس المجلس منبثقا عن هيئة الأمم المتحدة ليرعى الأمن والسلام العالميين، ولكنه بما وضعه لنفسه من نظام عمل، خالف معظم المبادئ التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة، مثل حق تقرير المصير وعدم جواز اغتصاب أراضي الغير بالقوة، ومساواة جميع الدول. مثلا كان نظام (الفيتو / النقض) كالفيروس المخرّب سرا وعلنا، وتراكمت من بعد ذلك قرارات انتزاع المجلس المشروعية لنفسه في كل ما يقرر، أي ألغي الالتزام بمرجعية محكمة العدل الدولية في لاهاي كمثال، ثم كانت سلسلة الحروب التي أعلنتها وخاضتها بعض الدول وفق قرارات ذاتية كما كان مع غزو باناما وجرانادا والصومال، فلم تعد توجد قيمة لكلمتي السلام والأمن باسم الأمم المتحدة.
٠ ٠ ٠
مع ذلك بقي حد أدنى من احترام ما يوصف بالقانون الدولي الإنساني، وقد وجّهت له الضربات مرارا، ولكن استمر استخدام الذريعة الإنسانية لاستصدار بعض القرارات أحيانا، وهنا بالذات كشفت عملية طوفان الأقصى وما تلاها الغطاء عن كافة عورات المجلس والدول الأعضاء المتحكمة فيه وفيما هو خارج نطاقه أيضا؛ كشفت واقع ادعاءات وتصرفات ذاتية لا يمكن وصفها بأقل من ممارسة شرعة الغاب الهمجية علنا. ولم يبق فارق يذكر بين همجية برداء الديمقراطية والقانون الدولي، وبين همجية برداء فاشي أو نازي مما سقطت قوته العسكرية عبر الحرب العالمية الثانية، أو برداء شيوعي وما سقطت قوته في الحرب الباردة.
٠ ٠ ٠
ألوف القتلى الشهداء من كافة الأعمار، مئات ألوف المشردين تحت طائلة القصف الجوي المتواصل، ملايين المحاصرين مع حرمانهم من الغذاء والماء والدواء، ومن النوم والمأوى والإسعاف، وجميع ذلك دون أي قرار سوى قرار الإجرام العلني، مع الاستهتار بكل قانون دولي، وكل مؤسسة دولية، وكل قيمة من القيم الإنسانية، فما الذي يمكن قوله بعد تحت عنوان نظام دولي ومجلس أمن دولي؟
٠ ٠ ٠
لا يكفي الحديث عن التخيير بين اندلاع حروب إقليمية وعالمية وبين مؤتمر سلام حول قضية فلسطين، كما فعلت تركيا، ولا يكفي ما بدأ الاتحاد الأوروبي يتحدث عنه بشأن مؤتمر دولي بعد تحقيق غايات الحرب الإسرائيلية، ولن تتحقق.
شئنا أم أبينا، نحن في نطاق الأسرة البشرية أمام حتمية الوصول إلى أعمق قاع يصنعه المجرمون على حساب الإنسان والأسرة البشرية، وبين الشروع الآن في التحرك بغرض التغيير الجذري الشامل، وإيجاد البديل عن البقية الباقية من نظام عالمي مزعوم.
لا ريب أن التغيير قادم، ولا ريب أن ثمن الوصول إليه ثمن باهظ، إنما لا ينبغي استخدام هذا الكلام لتعليل ما يجري وانتظار النهاية يوما ما، بل ينبغي أن يؤخذ الوضع الراهن منطلقا لاتخاذ خطوات عملية جادة، من جانب من لا يزالون يعتقدون بأهمية الحفاظ على إنسانية الإنسان، وتحريره من كل من يرتكب الإجرام بحق الإنسان وحق كل شكل مشروع من أشكال النظام الدولي وكل صيغة قيمية تتضمنها المواثيق الدولية.
البداية خطوة على طريق طويل، ولكن لا بد من خطوة أولى رغم مخاطر ظاهرة للعيان، فما من تغيير في مسار التاريخ إلا وبدأ بخطوة أولى من موقع الضعف، لا سيما عندما تترنح المؤسسات الإمبراطورية وتهترئ أصنامها ويتساقط أتباعها، أما سقوطها ذاتيا ونهائيا قبل أن تنبت نواة البديل عنها، فقد تكون الحصيلة آنذاك أسوأ حتى مما نعايشه في عصر الهمجية الإسرائيلية الغربية حاليا.
وأستودعكم الله وأستودعه مصير الأسرة البشرية ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب