تحت المجهر – أين نحن من أحاديث فضل الشام وأهل الشام؟
من دون الإيمان والعمل والالتزام والإخلاص لا جدوى من ذكر أحاديث عن فضل الشام وأهل الشام ونشرها والتبرّك بها
أصبح بعضنا ينشر -غالبا دون قصد- التشكيك في ديننا نتيجة الأسلوب الذي يتبعه في الاستشهاد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، إذ يسقط معناها على حالة معاصرة "تعجب هواه" دون معايير معتبرة أو يعمم بعض المعاني دون شروط ولا ضوابط.
المثال في هذه السطور عن الأحاديث التي وردت بشأن "فضل الشام وأهل الشام" وفق تصنيفات بعض علماء الحديث.
نردّدها.. ونتداولها.. كأننا لا نرصد الانحرافات وغلبة الأهواء والاقتتال والتحزّب الانتحاري وغير ذلك من أصناف المحرمات، ونغفل مثلا عن أننا نحن أنفسنا نذكر ما ورد عن بني إسرائيل وأنه تعالى فضلهم على العالمين.. وما ورد كذلك أنهم ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباؤوا بغضب العزيز الجبّار.. فهنا نستوعب هذا وذاك ونربط بين مضمون الآيتين من خلال ما يقتضيه قوله تعالى:
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} -البقرة ٤٠-.
. . .
لا يوجد وعد غير مشروط.. لا للشام ولا لأهل الشام ولا لليمن ولا لأهل اليمن ولا لأي فريق أو فئة أو جماعة من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام، وإن اعتبروا أنفسهم هم "الفرقة الناجية"..
إن واقعنا الخطير على أنفسنا وبلادنا ومستقبل أهلنا هو نتيجة قصور في إيماننا، وأخطاء في علمنا وعملنا وانحراف في كثير من جوانب سلوكنا، ولا ينجينا من ذلك ذكر نص شرعي واستنساخه ونشره، ولا يمكن لما ورد عن الشام وأهلها من أحاديث نبوية أن يسري هكذا دون فهمها في إطار السنن الربانية التي سرت على المدينة المنوّرة وهي أعظم من الشام شأنا ومكانة، لا سيما في عهد النبوة، وسرت على الصحابة الكرام وهم تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
هيهات.. هيهات.. فما بلغ أحد ممّن يزعم ذلك أو يريد أن "يوهمنا به" ما بلغه من قال رب العزة فيهم.. رضي الله عنهم:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ …} -آل عمران ١٥٢-
وقال جلّ وعلا لهم أيضا.. رضي الله عنهم:
{…وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} -التوبة ٢٥-
. . .
يا من تنسبون أنفسكم لأهل الشام.. أو تقولون عن أنفسكم أنكم تنصرون الشام وأهلها.. لا غنى لأحد منّا عن تحقيق شروط النصر معتقدا وعملا، ومن ذلك:
مراعاة حرمة دماء تسفك في اقتتال أو بغي أو نتيجة جهل مطبق..
ومراعاة اكتساب العلم بالشرع والواقع والمصلحة بما يكفي قبل التجرّؤ على فتوى مزعومة واجتهادات ضحلة منحرفة..
ومراعاة الاعتصام بحبل الله بدلا من تمزيق الصفوف برايات شتّى..
ومراعاة المسؤولية بين يدي الله قبل التشبّث بقيادات تزعم الحكمة وهيهات أن تؤتى لمن يرى في نفسه ومن حوله العصمة والمكانة العليا..
من دون ذلك لا جدوى من ذكر أحاديث عن فضل الشام وأهل الشام ونشرها والتمسّح بها..
من دون ذلك بات الاستشهاد بالشرع الحنيف أثناء سفك الدماء بأيدينا أو تمكين الأعداء من رقابنا وبلادنا جريمة مضاعفة، أخطر جوانبها الإسهام في فتنة الناس عن دينهم -والفتنة أشدّ من القتل- وتشكيكهم في مضمون ما يسمعون ويقرؤون، وهم يرون أن كثيرا من ذلك يسري عليه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (٤)} -الصف-
نبيل شبيب