تأملات – استهداف السنة
السنة مستهدفون لأنهم مسلمون، فإن تخلوا عن ثقافة التعايش التي يتميّز الإسلام بها، أصبحوا خاسرين، حتى وإن انقطع استهدافهم
قضية "استهداف السنة" قضية حسّاسة لأسباب عديدة أهمها:
١- أسلوب الطرح الغالب بصددها، والذي يحوّلها من قضية عقدية وحضارية وإنسانية إلى إشكالية طائفية، بسبب فوضى المصطلحات التي انتشرت انتشارا واسعا، فلم تعد الكلمة عموما تستخدم كوسيلة تواصل وتفاهم بقدر ما أصبحت تستخدم كوسيلة نزاع وشقاق وتضليل.
٢- ردود الأفعال الارتجالية.. فبلاد المسلمين ومعظم المسلمين سنة، معرضة حاليا لحروب يختلط فيها الحابل بالنابل، وترتكب فيها جرائم كبرى لوأد الإرادة الشعبية الثائرة، وتنتشر من خلال ذلك المآسي والفظائع كما لم يعرفها العالم من قبل، وهذا ما يجعل الحساسية المشروعة تجاه أي بيان لقضية شائكة حساسية متفجرة، فتغيب الحقائق وراء الأفعال الشنيعة وردود الأفعال عليها.
هذا ما يدفع إلى طرح الخواطر التالية في صيغة سؤال وجواب موجزة قدر الإمكان، محكمة الصياغة لتحديد المقصود بكل كلمة وعبارة، دون إغفال حاجتنا إلى دراسات وأطروحات موضوعية منهجية مفصلة، ودون إغفال أن القضية المطروحة لا تجد حلا لها من خلال "الكلام" وحده، إنما لا غنى عنه إلى جانب أداء الواجبات الكبرى، الجماعية والفردية.
. . .
سؤال: هل السنة مستهدفون حاليا؟
جواب: ليس السنة مستهدفين لأنهم "سنّة" بل لأن الإسلام ببعده الحضاري الإنساني الشامل هو المستهدف، وهو البعد الذي يمكن أن يحمله السنة للأسرة البشرية، التي تعاني من مظالم غلبة القهر المادي الراهنة، فالسنّة -بغض النظر عن تفاوت درجات استيعاب البعد الحضاري للإسلام والالتزام به- يمثلون عدديا النسبة العظمى تحت مظلة الإسلام عقيدة دينية، وكذلك النسبة العظمى تحت مظلة الإسلام حضارة إنسانية، فالسنة مستهدفون بهذا المعنى وفي هذا الإطار.
. . .
سؤال: هل جميع السنة مستهدفون وفق ما سبق؟
جواب: نعم.. ولكن تختلف طرق الاستهداف وأساليبه، وأمثلة ذلك:
١- الأنظمة في بلاد ذات غالبية سنية مستهدفة بالاحتواء والهيمنة والتبعية، وهذا يجعلها شريكة بثمن بخس..
٢- الأكراد كمثال على سواهم من حيث الانتماء مستهدفون بأسلوب "العناق الخانق" لفريق وإشعال العداوات بينهم وبين سواهم من الأكراد ومن غير الأكراد إقليميا
٣- الشعوب مستهدفة منذ زمن بعيد، بحملات غسيل دماغ جماعي لا تنقطع، في إطار الثراء المبطر والفقر المدقع، وإلى درجة عمليات مسلحة لانتزاع شتلات نهضوية علمية، وللإبادة والقهر والتشريد، والشعوب مستهدفة أيضا بتعزيز جولات النزاع والاقتتال على مواطن الاختلاف وإن كانت محدودة ولتدمير القواسم المشتركة وهي كبيرة، ومستهدفة أخيرا باستغلال ما يوصف بالأقليات، عبر تفريغ مفهوم المواطنة من محتواه ومغزاه ومظاهر تطبيقه على أرض الواقع.
٤- ما يسمّى الأقليات من غير السنة، إذ تنتسب تاريخيا وحضاريا ووعيا معرفيا إلى ذات البوتقة الحضارية الإسلامية التي تنتسب الغالبية من السنة إليها، فهي مستهدفة أيضا، بتجريدها من هذا الانتماء، وتحويل وجودها نفسه إلى علاقة عداء مع محيطها الكبير، عبر حلقات مفرغة من أفاعيل العدوان الاستبدادي والاستغلالي وردود الفعل عليها.
. . .
سؤال: كيف نواجه الاستهداف على خلفية ما ورد آنفا؟
جواب: الكيفية تتطلب أمرين: تحديد المحظور وتحديد المطلوب.
في مقدمة المحظورات:
١- عدم استخدام وسائل غير مشروعة بذريعة أن من يمارسون الاستهداف يستخدمونها، فهذا يجعلنا نوجه الضربات بأيدينا إلى جوهر التميز الإسلامي الحضاري الإنساني المستهدف، كما يصنع "الإرهابيون" سواء كانوا من زراعة العدو مباشرة أو كانوا موضع استغلاله فحسب بعد نشأتهم في حاضنة ردود أفعال على المآسي والكوارث والعدوان.
٢- عدم تبنّي رؤى غير مشروعة، كالطائفية بذريعة ممارسة العدوان الطائفي ضدنا، فالطائفية غير مشروعة ابتداء من المنطلق الإسلامي (وبفقهه السنّي قطعا)، وتهبط بمن يمارسها إلى الدرك الدموي الهمجي الأسفل الذي هبط إليه الطائفيون، فمن ينزلق إليها يحوّل معالم "المواجهة / المعركة" إلى اقتتال بين فريقين "متشابهين".
في مقدمة الأسس المطلوبة:
١- التشبث في سائر الظروف بحق الدفاع المشروع.. دون ممارسات عدوانية
٢- العمل المتواصل في مختلف المراحل للتكتل المشروع.. دون أهداف باطلة
٣- طرح المبادرة بعد المبادرة لعقود جامعة.. دون إقصاء لفريق لا يقصي نفسه
٤- إيجاد آليات صياغة مشتركة لرؤية حضارية.. بمنطلقات إسلامية وأبعاد إنسانية ومراحل واقعية
في مقدمة معالم التحرك الممكن:
١- التواصل بهدف التعاون على ما سبق، من وراء حدود الجغرافيا والانتماء
٢- التركيز على الممكن مرحليا دون تغييب بوصلة الهدف البعيد وإن بدا "حلما"
٣- البناء للمستقبل اعتمادا على جيل ستؤول إليه على كل حال مفاتيح صناع المستقبل
٤- الآليات والكيفية لا تتحدد نظريا بل من خلال الخطوات العملية، وتتطور باستمرار تبعا للمستجدات
. . .
إيجازا لما سبق:
السنة مستهدفون لأنهم مسلمون، فإن تخلوا عن ثقافة التعايش التي يتميّز الإسلام بها، أصبحوا خاسرين، حتى وإن انقطع استهدافهم
انظر أيضا: الحوار المتلفز: السنة.. دور غائب أم مغيب؟ في باب حوارات متلفزة / مرئيات في مداد القلم
نبيل شبيب