بدايات صفقة القرن
أين موقع ورشة البحرين من مسار قضية فلسطين؟
رأي – الجولة التالية في قضية فلسطين هي جولة التصفية دون مقابل
رأي
ما هي قيمة البحرين – وهي الدولة المضيفة لورشة ما سمّي صفقة القرن، أي مشروع التصفية الجديد لقضية فلسطين؟
لا قيمة للدولة المضيفة، وهي لا تملك مقومات دولة أصلا، بل مجرد أن تكون قاعة في فندق استأجرها الآمرون بعقد اللقاء، بل لم تكن توجد حاجة أن يدفعوا لذلك أجرا، فهم مغتصبون للبحرين نفسها بسواحلها وأجوائها وأرضها وقرار من يقال إنه صاحب سلطة فيها.
ثم ما موقع أنظمة قائمة في دول عربية أرسلت وفودها إلى البحرين، بغض النظر عن ضعف التمثيل كما يقال بالأعراف الدبلوماسية، فضعف التمثيل يعبر هنا عن مأزق الأنظمة القائمة في تلك الدول، وهي ما بين القهر تحت مطرقة الدولة الأمريكية المتبوعة والخوف تجاه صلابة سندان إرادة شعبية وازدياد احتقان غضبها، وقابلية انفجار هذا الغضب الشعبي بأي شكل جديد، تبدعه الشعوب لانتزاع حريتها واستعادة كرامتها وعزتها وسيادتها واستقلال أوطانها.
لم يكن يوجد في ثنايا المشروع أو الصفقة موقع له قيمته الذاتية لتلك الأنظمة، المشاركة والغائبة أيضا، فكل صفقة تتشكل حسب الأعراف التجارية بين طرفين أو أكثر، أما في مشروع تصفية قضية فلسطين أو جريمة القرن، فلا يوجد سوى طرف فاعل واحد، هو الطرف الصهيوأمريكي، ولا يضيره غياب أحد، فهو صاحب الهندسة والتصميم والتخطيط والتقرير وتوزيع الأدوار وإدارة مراحل التنفيذ جميعا مع تحديد التكاليف، واستخراج معظم تلك التكاليف من جيوب السلطات العربية، الحاضرة والغائبة.
لم يعد سهلا على صاحب قلم إعلامي أو قلم باحث أن يجد تعبيرا مناسبا لوصف ذلك الحدث! فحتى كلمة العهر التي تعتبر شتيمة، تبدو في موقع الطهارة والبراءة عند المقارنة الموضوعية بين مدلولها وبين ما انعقدت الورشة من أجله وما سبقها وواكبها من تصرفات مخزية.
ولا يحسبنّ بعض القراء أن هذا القلم نسي موقف الرفض من جانب الجهات الفلسطينية الرسمية من سلطة ومنظمات، فقد سبق أن مضى من يوصفون بالقيادات عبر نفق أوسلو إلى أقصى ما يمكن أن يمضوا إليه، في فصول مأساة “المفاوضات حياة” ولم يعد لهم دور في “فصل التصفية” التالي.
ليست صفقة القرن صفقة بل جولة من جولات استهداف فلسطين والمنطقة وشعوبها وقضاياها ومن خلال ذلك إنسانية جنس الإنسان وحقوقه.
أما أنها ليست صفقة فهذا ظاهر في غياب طرف مقابل طرف، وهو ما لا يعرفه الواقع العالمي حتى في الصفقات الإجرامية في عوالم الدعارة والمخدرات وما شابهها.
وأما أنها تستهدف تصفية قضية فلسطين وهي قضية القضايا، فيكفي التنويه مثلا إلى غياب كلمة فلسطين أو كلمة دولة فلسطينية في جميع سطور النص الرسمي الصهيوأمريكي للصفقة! الذي نشر في زهاء أربعين صفحة على جدار موقع ما يسمّى البيت الأبيض، هذا مع عدم غياب لغة التهديد والوعيد تجاه كل من تسوّل له نفسه عرقلة مسار تنفيذ الصفقة كبعض منظمات المقاومة، وليس مجهولا ما سبق انعقاد الورشة من وسائل للضغط المالي سواء على التابع أو المستقل، والرسمي أو الشعبي، من أهل فلسطين جميعا، سلطة ومنظمات وشعبا مستعمَرا ومشرّدا.
أما مسألة الثمن البخس الذي جرى بسببه الترويج للحديث عن صفقة، فتسديده مقرر بنسبة ٧٠ في المائة على الدول الخليجية وبنسبة مشابهة على ترسيخ الاستعمار الاستيطاني بفلسطين وتوسيعه، ولكن حتى لو كان إنفاق جميع الثمن مخصصا لمشاريع الرخاء لصالح أهل فلسطين وبعض الأقطار المجاورة لها، فإن قيمته لا تعادل ما كان من وعود الرخاء لمصر والأردن عند التوقيع على صفقات كامب ديفيد ووادي عربة، ومن قبل في مؤتمر السلام مقابل الأرض في مدريد، أو في نفق أوسلو، ليدور التفاوض العقيم دون قعر ولا سقف ولا مدى زمني، فمن أراد أن يستشرف ما يراد صنعه في العقود التالية عليه أن يتأمل في حقيقة الرخاء الذي عمّ في مجموعة الدول العربية بعد مؤتمر مدريد، أو في الأردن بعد اتفاقية السلام أو تخصيصا في مصر وهي بمثابة القلب من بلادنا، بعد أن جرّها من اعتبر نفسه بطل العبور إلى خندق كامب ديفيد.
وأستودعكم الله وأستودعه شعوبنا المنكوبة بأنظمتها وأعدائها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب