انتصار الثورة وانتصار الدولة

العمل من أجل الانتصار الثاني الأكبر

تحليل – لا يتحقق الانتصار المطلوب دون جهود ذاتية مضاعفة وباليد الوطنية المشتركة دون هيمنة أجنبية

24
٥:٢٠ دقيقة

تحليل

الآن، بعد يوم الجمعة ٨ / ١٢ / ٢٠٢٤م وانتصار الثورة الشعبية في سورية على الاستبداد، بدأت مرحلة البناء؛ هنا ورغم كل ما كان من جهود وتضحيات وآلام، ورغم ما تحقق من أهداف جليلة وانتصار، تبقى مرحلة البناء هي الأهم والأخطر، وهي الأحوج إلى جهود كبرى، ولا يكفي أنها بدأت برصيد كبير من العزيمة والتفاؤل، وبمؤشرات تؤكد القدرة على تحقيق معجزة تغيير تاريخية في سجل البشرية.

إن الانتصار الكبير بتحطيم رموز الاستبداد الهمجي المجرم لا يكتمل مفعوله دون صياغة المسار الآمن للّحمة الشعبية والوطنية؛ وإن دحر بقايا النظام لا يستقر دون تشييد القواعد الثابتة لإقامة النظام الجديد لسورية الجديدة، وإن نهاية عذابات جرائم الاعتقالات والتعذيب والتشريد والتخلف لا تنشر الاطمئنان والسعادة دون نشر الأمن والأمان والعدالة والاستقرار والرقيّ والتقدم للجميع دون تمييز.  

وما يزال يوجد خارج الحدود من يصدّع رؤوس السوريين بتصنيفه للثوار أو بعضهم كما يشاء أو تغيير ذلك التصنيف كما يريد، وكأن شعب سورية أعطاه حق الوصاية عليه، والأصل الوحيد المقبول هو التصنيف الوطني وليس الأجنبي، مع اعتماد ضوابط قويمة للتصنيف مثل ممارسة العدوان ضد نفس بريئة أو ضد الآخر خارج الحدود دون أن يمارس العدوان من جانبه، أما التصنيف الأجنبي بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان السوري والأقليات في وطننا المشترك، ففي سورية بالذات أثبتت حقبة الاستبداد البعثي الحزبي والفردي العائلي والعسكري الطائفي، أنه لا يوجد أحد وراء الحدود يصدق في دعواه حول تقديم يد العون إلى فئة بعينها أو فريق من أهل البلاد للتخلص فعلا من تسلّط استبداد مجرم، يخدم ألوانا من الهيمنة الأجنبية المعادية على حساب الإرادة الشعبية الحرة، فمنذا الذي يؤتمن من القوى الدولية على مهمة إنسانية جليلة داخل وطننا بعد إسقاط الاستبداد؟

*  *  *

لقد أدرك أهل سورية من قبل تحقيق انتصار الثورة الشعبية على العدو الاستبدادي، أن المخاطر الخارجية لا تنتظر، وأن همجية العدو الخارجي كانت وما تزال تتعانق مع همجية العدو المحلي، وأن الأطراف الدولية التي تعلن هذه الأيام تأييدها لإسقاط الاستبداد، لا تبذل أي جهد لدفع العدوان الأجنبي الصارخ ضد سورية وشعبها حتى في اليوم الأول بعد التحرر من الاستبداد، بينما كان من تلك القوى الدولية من يتعاون مع الاستبداد سرا وعلنا، ويساهم في بقائه واستمرار تسلطه الإجرامي على الشعب والوطن.

كما أدرك أهل سورية أن تحقيق هدف الانتصار بمفهومه الأشمل والأوسع رهن بتطوير أنفسهم وجهودهم الذاتية، ورهن بتعاونهم وتجديد الولاء لبعضهم بعضا، والاعتماد على بعضهم بعضا، والاستغناء بعطاءاتهم في الوطن المشترك عن الانخداع ببريق مغريات خارجية بدعم مزعوم لصالح فريق دون فريق.

*  *  *

إن الانتصار الحقيقي في بناء الدولة مشروط بانتصار العلم والمعرفة والوعي، والتفوق والتخصص والتكامل، والإبداع والعطاء والإنتاج، والتضامن والتكافل والتعاون.

وإن الانفتاح على المحيط العربي والإسلامي وفق ما تقتضيه المصلحة المشتركة واجب مفروض، ويمكن أن يقترن بالتعامل مع أطراف أجنبية لتحقيق مصلحة وطنية أو عربية أو إسلامية أو إنسانية، ولكن دون أن ينطوي ذلك على القبول بمطالب شاذة تحت عناوين مخادعة مثل الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات؛ فمع تغييب الاستبداد والفساد لا يوجد من هو أحرص على مواطن فرد من ذكر أو أنثى، أو على أقلية محلية بمختلف معايير التعددية، من أهل البلد الواحد والشعب الواحد والوطن المشترك.

إنها طريق بدأت بانتصار ثورة شعبية تغييرية تاريخية فأثارت إعجاب المنصفين وفزع المتربصين، فلتجتمع الجهود على تحقيق شطرها الثاني، عبر صناعة الثورة الوطنية التغييرية التاريخية لبناء دولة الحق والعدالة والكرامة والتقدم، والقوة والسلام، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب