الوعي في الجزائر أول شروط مسار التغيير
دورس من الماضي القريب للثورة والثوار
خواطر – دواعي الاطمئنان لمستقبل الحراك الثوري في الجزائر لا تبيح الغفلة عن المخاطر والمنزلقات
خواطر
عندما استلم بوتفليقة منصب الرئاسة سنة ١٩٩٩م كان يمثل عند جميع الأطراف محور الأمل بتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وإذا بالسلطة تتحول في عهده إلى سلطة استبدادية فاسدة أكثر من سواها بشهادة القريب والبعيد.
ومع ما سمي الحراك الشعبي أو الثورة الشعبية في الجزائر عام ٢٠١٩م يتحدث الجميع ممن كانوا جزءا من السلطة ومن خارجها عن بداية عهد جديد، وتعليل ذلك واسع النطاق ومتعدد الصياغات، يمكن إجمال القسط الأكبر منه في:
– لقد تعلم الجزائريون مما يسمى “العشرية الدموية”
– معايشة الثورات الشعبية ومآلاتها تساعد الجزائريين على القرار الأفضل
– ردود فعل مراكز القوى الحقيقية في الجزائر تسمح بالتفاؤل
– التدخلات الخارجية لا تشكل حاليا خطرا بقدر ما كانت عليه في ثمانينات القرن الميلادي الماضي
وقد يوجد مزيد من ذلك مما يسوّغ الشعور ببعض الاطمئنان والتفاؤل، إنما لا بد في الوقت نفسه من استحضار بعض المعايير السياسية الأخرى، ومنها:
– الثورات الشعبية (أو الحراك) تتميز لحظة انطلاقتها التاريخية بغياب قيادات ذات خبرة وممارسة، ولا يعوض عن ذلك سوى العمل على استدراكه من خلال ما تصنعه مسارات الأحداث لتكوين قيادات من قلب الحراك الثوري، فلا يكفي الاعتماد على قيادات سابقة وإن كانت مما يوصف بالمعارضة.
– عملية التغيير لا تتحقق فقط من خلال سقوط هيكل السلطة بل تتحقق من خلال إيجاد هيكل جديد، وهذا ما يتطلب جهدا يتجاوز حدود ردود الفعل إلى مبادرات مبدعة، ويتطلب زمنا كافيا لا يصح خلاله أن يفقد الحراك زخمه بل على النقيض من ذلك، ينبغي الحرص على رفع مستواه ومفعوله لضمان ديمومته حتى يتحقق التغيير المطلوب.
– العداء لتحرير إرادة الشعوب، بما في ذلك شعب الجزائر لا ينقطع ولكن يخنس في حقبة الاندفاع الثوري، ويراوغ بانتظار نشأة ثغرات ذاتية وقد يعمل لصنعها بوسائل وأساليب ملتوية.
– لا يؤمَن للقول إن وضع الجزائر الآن غير ما كان قبل جيل أو أكثر، ولا للقول إن التعامل العدائي مع حراكها الثوري لا يمكن أن يكون على غرار ما كان مع سواها لاختلاف المعطيات والظروف، فمن يريد ممارسة العداء فعلا سيعمد إلى تخطيط مختلف وإخراج مختلف، ولا يمتنع عن التنفيذ إلا عندما يقدر أن حسابات الربح والخسارة ليست في صالحه، وقد يبحث آنذاك مجددا عن وسائل وأساليب جديدة.
والخلاصة:
رغم اليقين أن الثورات الشعبية العربية الأخرى ستحقق هدف التغيير ولو بعد حين بحكم السنن التاريخية، وبقدر ما يُرجى للجزائر وأهل الجزائر تحقيق أهداف حرية الإرادة الشعبية والعدالة والكرامة، دون أن تتكرر حالات التضحيات الجسيمة والأثمان الباهظة، فبالقدر نفسه يبقى أن المستقبل المنظور للحراك الثوري الجزائري مرتبط بارتفاع مستوى الوعي، والإبداع في متابعة المسيرة، وتجنب الصراعات الجانبية حول رؤى مختلفة، للتلاقي على قواسم مشتركة وتأجيل طرح المناهج والرؤى الذاتية إلى ما بعد استقرار دعائم وطيدة لهيكلية نظام السلطة ودستوريته، فهذا ما يمثل الآن الأولوية على كل ما عداه.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب