العدالة أسيرة الاستبداد الدولي
تغييب مقومات العدالة وترسيخ الاستبداد الدولي
خواطر – المشكلة مشكلة نظام عالمي قائم على الاستبداد، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل
خواطر
في سورية وسواها مما يوصف بالبلدان النامية، ارتكب فلاديمير بوتين ما ارتكب علنا من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولكن ليس هذا ما طرح اسمه للملاحقة والمحاسبة جنائيا، بل يُطرح بسبب حربه في أوكرانيا، ومع تأكيد رفض ظلم أي إنسان في أي مكان، هل يمكن الحديث عن مؤشرات جادة لتحقيق عدالة دولية؟
كيف تتحقق العدالة مع استمرار تغييب مقوماتها دوليا ومع ترسيخ الاستبداد الدولي؟ قد تتبدل بعض مظاهره أحيانا، ولكن لا يتبدل جوهره ولا مفعوله في العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
من السذاجة السياسية بمكان الانسياق وراء بريق بعض الكلمات إلى درجة الخلط بين المبادئ كالعدالة الدولية وبين الواقع السياسي العالمي القائم على قواعد الهيمنة وموازين القوة، أي شرعة الغاب من الناحية الفعلية، بل من شواهد ذلك أيضا الاكتفاء بالكلام والنصوص القانونية الأمريكية دون أي خطوة عملية جادة بصدد ملاحقة مجرم الحرب بشار الأسد، ربيب مجرم الحرب فلاديمير بوتين.
ليس هذا قطعا للدفاع -معاذ الله- عن بشار وفلاديمير، بل هو لوضع قطع الفسيفساء من المشهد العالمي في مكانها، كي يظهر دون تزييف أن العدالة الدولية لم تفلت بعد من قبضة هيمنة موازين القوة على صناعة القرار الدولي وتنفيذه!
إن جوهر ما دار ويدور تحت عنوان الحرب في أوكرانيا هو أنه جولة أخرى من صراع الهيمنة والنفوذ والاستغلال، بعد أن تضعضعت القوة الأمريكية المسيطرة انفراديا منذ نهاية الحرب الباردة.
أما عن ملاحقة المجرمين فليس صحيحا ما يتردد أحيانا بصدد عدم وجود ما يكفي من النصوص والتشريعات الدولية؛ فنصوص القانون الدولي متوفرة وكافية، من قبل اتفاقية عام ١٩٤٩ م لحظر جرائم الإبادة مثلا، ثم عبر اتفاقيات جنيف عن القانون الدولي في حالة الحرب مثلا آخر. وحتى آخر ما استقر في ميثاق المحكمة الجنائية الدولية. النصوص موجودة، والجرائم قائمة مشهودة، ولكن تمنع الهيمنة من تطبيق النصوص على تلك الوقائع وتنتقي من دونها ما تقتضيه مصالح الجهة المهيمنة ومطامعها، وفق المعطيات الآنية للصراع الدولي الدائر حولها. وهذا ما يحوّل مظاهر تطبيق العدالة الدولية نفسها، إلى مجرد أدوات لتشويهها، ثم قد يتفق توظيفها في خدمة الهيمنة وأغراضها مع روح تلك العدالة حينا ولا يتفق أحيانا أخرى.
إن مشكلة العدالة في النظام العالمي الراهن والعلاقات الدولية المعاصرة، لا تجد حلا لها بمجرد ملاحقة انتقائية لأفراد بعينهم من بين من يرتكبون جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وإنما هي مشكلة نظام عالمي قائم على الاستبداد، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، فهو يفسح المجال لارتكاب الجرائم أصلا ثم يحمي فريقا من المجرمين ويلاحق فريقا آخر، وهذا تماما كما يصنع الاستبداد المحلي داخل نطاق دولة من الدول.
وأستودعكم الله الذي أمر بالعدل، وحرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين الناس جميعا، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب