السودان في معركة ثورية
محطة تحرك مضاد للثورات الشعبية
تحليل – لا أصل لتسمية قوات مسلحة “مكونا عسكريا” يشارك في صناعة السلطة
منع الوعي السياسي المتميز لدى شعب السودان من إكراه القوى الثورية على التخلي عن الدولة لصالح عسكرتها بمقولات مزورة لا أصل لها مثل الزعم أن من واجب القوات المسلحة حماية الدولة من الأخطار “الداخلية” أيضا؛ فالخطر الأكبر من سواه كما تشهد حالات مشابهة هو “عسكرة” الدولة بتلك الذريعة، وبسبب هذا الإخفاق انتقل التحرك المضاد للثورة إلى صيغة الاقتتال، لممارسة القتل والتدمير عبر صدامات مباشرة بين المكونات العسكرية للقوات المسلحة… لا الدولة.
إن الثورات الشعبية تنطلق من المشتركات الكبرى المتكونة تاريخيا، وهذا ما يسري على السودان وسواه، أما التحرك المضاد للثورة من جانب قوى إقليمية ودولية معادية لتحرر إرادة الشعوب فينطلق من تباين الخصائص والمواصفات نتيجة انفراد كل نظام استبدادي بالبلد الذي يسيطر عليه لعشرات السنين، ولهذا يتعامل التحرك المضاد مع كل بلد بأسلوب يناسب فرض الهيمنة عليه، ولهذا كان الانقلاب المكشوف في مصر والمستتر في الجزائر، والعشوائي المضلل في تونس، وصراعات التجزئة في ليبيا، وحرب الإبادة والتشريد في سورية، والتضليل الإقليمي المسلح في اليمن، والإمعان في التفرقة الطبقية في لبنان، وتقلب النزاعات الدولية والإقليمية على العراق، وهكذا في بلدان أخرى وإن لم تشهد ثورات شعبية واسعة النطاق.
السودان يمر في الوقت الحاضر بمرحلة حاسمة من مراحل التعامل معه بهدف إخماد مفعول الثورة الشعبية فيه، وتتركز الجهود المضادة على تمزيق عقدة التوافق المرتبطة بالوعي السياسي الذي يتميز به الشعب السوداني والالتزام الديني المتوازن كما عرفه منذ عقود، فقد كان التعايش بين أطراف البنية الهيكلية التعددية من أسباب قوة السودان وبقائه رغم تعاقب أنظمة الاستبداد فيه، ورغم الضغوط الدولية والإقليمية الخارجية إلى درجة الحصار المطبق من حوله.
إن السلطة الحاكمة المطلوبة، هي سلطة الشعب بمكوناته “المدنية”، والمدنية فقط، وهذا ما يشمل السيادة في صناعة القرار وتنفيذه لتوجيه قوات مسلحة يجب أن تتبع في الأصل لجهاز السلطة المدني، ويعني ذلك بعد الانقلابات العسكرية العديدة، سحب كل وجود للقوات المسلحة في مواقع صناعة القرار. ولا يوجد سند سياسي ولا قانوني ولا منطقي للقول بمشروعية دولية أو دستورية محلية، لتسمية تلك القوات المسلحة “مكونا عسكريا” مقابل المكون “المدني” بل لا يمكن استقرار أي وضع سياسي إلا عندما تكون تلك القوات خاضعة للسلطة الشعبية، المدنية الدستورية، خضوعا يشمل تشكيلها وتسليحها وتوجيهها وإدارتها وصناعة قرارات الحرب والسلم كي تنفذها، فضلا عن صلاحيات السلطة “المدنية” بصدد إجراءات التعيين للقيادات العسكرية، مباشرة أو بالتصديق على ما ينبثق عن الأنظمة القانونية المتعلقة بعمليات التعيين والعزل والتعديل والإحالة للتقاعد وما شابه ذلك.
إن الثغرة التضليلية المصنوعة صنعا لإخماد ثورة شعب السودان، هي ثغرة الخلط المتعمد في طرح تسميات لا أصل لها والتعامل معها تحت عنوان “مكونات مدنية وعسكرية”؛ ولا فرق بهذا الصدد بين “قوات الجيش” وقوات “الدعم السريع”.
إن تمزيق عرى الثورة الشعبية في السودان وعرى ارتباط القوات المسلحة بالإرادة الشعبية والخضوع لها، هو الخطر الأكبر، فهو المدخل إلى أخطار حقبة أخرى من الاستبداد بوجهه المحلي البشع وباعتماده على تدخلات الهيمنة الدولية الاستغلالية البشعة، وكلاهما يتناقض مع كرامة الإنسان وحقوقه المشروعة وحرياته الأساسية.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب