التطبيع المرفوض مع العصابات الأسدية
التطبيع لا يشرعن جريمة الاستبداد
رأي – التطبيع مع بقايا نظام باطل جريمة بحق سورية وأهلها
رأي
في الحادي عشر من الشهر الثامن من عام ٢٠٢٢م أُعلن إعلاميا عن خبر يعود إلى ١٠ أشهر سبقت، ومجرد الاحتفاظ به سرا لشهور عديدة، دليل على أن أصحاب الشأن يعلمون أنه يسيء إلى مكانتهم سياسيا وأخلاقيا، وجاء الخبر على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إذ كشف عن لقاء عابر، أثناء اجتماع لوزراء خارجية عدم الانحياز في بلجراد، وذلك مع (نظيره) فيصل مقداد، أي من يُفترض وصفه بوزير خارجية نظام العصابات المتسلط على سورية، وذلك ما أشعل الثورة الشعبية وتقديم تضحيات جسام على امتداد ما يناهز ١١ عاما داميا، إنما لا تزال العصابات موجودة ككيان باطل بمختلف المقاييس.
إلى وقت قريب لم يكن سهلا في مثل هذه المناسبات استخدام تعبير (نظيره) لا في التصريحات الرسمية ولا في المقالات الإعلامية لتركيا، التي شهدت تطورات جذرية متفاوتة السرعة، بصدد مسارات سياساتها الإقليمية، لا سيما تجاه الإمارات والسعودية ومصر و”إسرائيل”، ويتردد في أوسا السوريين أن الدور جاء أيضا على بقايا سورية في قبضة نظام العصابات الدموية الأسدية.
تفاعل كثير من “السوريين” مع الكشف عن خبر “عتيق” وكأن كثيرا منا لم يكن يصدق بقابلية حدوثه، ويوجد من كان ينتظر ما أعلن عنه ليرفع عقيرته بالتنديد، وفي الحالتين كنا غافلين لعشرة أشهر وزيادة عن محاولة بذل جهد حقيقي، وليس “الجهد” الكلامي فقط، لمواجهة التداعيات مسبقا والتحرك المناسب على أرض الواقع.
لقد أثار الخبر من الضجيج والانزعاج والرفض ما يتجاوز الموقف من أي خبر مشابه سابق في اتجاه التطبيع مع العصابات الأسدية، وذلك من جانب دول عربية عديدة، وهذا أمر يعبر عن مدى الإحساس بخيبة الأمل إلى درجة تساوي الأمل الكبير تجاه تركيا تحديدا؛ فحتى الآن، ورغم المسارات المعقدة والمرفوضة تحت عناوين آستانا وسوتشي واللجنة الدستورية وغيرها، بقيت تركيا موضع الثقة لدى غالبية السوريين، وبقيت الملجأ الرئيسي للمشردين، وبقيت الموقع الأهم، الثابت وربما الأخير، لتوطين ما يسمى المعارضة المتعددة الأشكال والمسميات والتوجهات.
مع ذلك لا نعثر -رغم البحث- على معالم تحرك “هادف” حر مستقل، ونوعي مؤثر، تحت عنوان “سوري ثوري” أو “سوري معارض” أو حتى “سوري إعلامي” عندما نتابع ما ظهر ويظهر من بيانات ومواقف وتصريحات متتابعة وممزوجة بالألم.
لعل من يندد ويلوم، ويتحدث كلاميا، تحت عناوين ثورية وشعبية سورية يحتاج إلى مراجعة الخبر المذكور، والتطور الكبير الذي يعنيه في نطاق مسار الحدث الأكبر لدينا، لنستخلص بعض النقاط الأساسية، عسى نستعين بها عند تحديد موقف أو الإعلان عن موقف إزاء خبر من هذا القبيل، بل عموما، أي دون انتظار وقوع ما يماثله، وبداية ظهور التداعيات على مسار الثورة الشعبية والتغيير الذي فتحت أبواب صنعه.
١- إن الكشف عن الخبر بعد عشرة شهور، يعني أن شيئا ما تطور سرّا في هذا الاتجاه، بما يبيح عدم بقاء الخبر مكتوما، ويمهد لما سيأتي بعد جسّ نبض التفاعل مع ما أعلن.
٢- إن كل خطوة تطبيعية مرفوضة، ولا مشروعية لها، ولا تلزم شعب سورية وثواره والصادقين ممن يتحدثون باسمه، بل هي خطوة تطبيعية مخزية لمن يقدم عليها، سيان من يكون، مادام يتعامل مع ما يوصف بالنظام وهو بقايا شبكة عصابات، متسلطة منذ خمسة عقود ونيف على سورية وشعبها، وهي عصابات لا تستثني حتى تهريب المخدرات وهي تلحق الضرر بجميع القوى الإقليمية العربية والإسلامية، وتتعاون مع أشد الأعداء ضراوة على المستويين الإقليمي والدولي.
٣- صحيح أن قضايانا جميعا متشابكة، تحتاج لرؤية شاملة تراعي تأثير بعضها على بعضها الآخر، رغم واقع قائم يتمثل في دول “سايس-بيكوية” حديثة، وفي تمزق جماعي لجملة قضايا مبعثرة، فنحن بحكم الواقع راضين أو غافلين نواجه قضايانا كلا على حدة، ومنها قضية “شعب سورية” وسياسات “الدولة التركية”، وإن المسؤولية عن مسار الثورة هي في نهاية المطاف مسؤولية أهلها وشعبها ومن يتقدمون الصفوف باسم الثورة التغييرية ومستقبل البلاد، أما ما تصنع تركيا أو لا تصنع فتحدده نظرة صانعي القرار فيها إلى مصالحهم ومصالح شعبهم ومستقبل دولتهم. ولئن تقاطعت المبادئ والآمال غالبا، فإن المصالح الآنية تتناقض، بغض النظر عن توجيه اللوم أو البحث عن أعذار وتبريرات لما ينتج عن ذلك.
٤- إن التعامل مع هذا الخبر وأمثاله، على المستوى السوري والعربي والإسلامي والإقليمي والدولي، لا يجدي ولا يغير ولا يبدل شيئا، إذا اقتصر على الأوراق ووسائل الإعلام القديمة والحديثة، إنما تبدأ الجدوى وفعاليتها عندما تتراكم جهود عملية مرئية وهادفة لجمع “شمل” السوريين المعنيين في مواطن سياسية مشتركة، لبناء “رؤية مشتركة” والسعي لوضع “مخططات مشتركة” تعطي أملا جديدا في ظهور من يثبت وجوده بإنجازاته وليس بأقلامه ومؤتمراته، وما يجعل أي دولة قريبة أو بعيدة تحسب حسابا لشعب سورية وثورته، فتراعيه إلى جانب مراعاة مصالحها الذاتية، بل تصبح العلاقة به إيجابيا جزءا من تلك المصالح، فلا تتخذ خطوة تطبيعية مع العصابات المتسلطة، دون أن تراجع نفسها، وتتساءل عن موازين ربحها وخسارتها في عالم المصالح الواقعي، بغض النظر عن حسابات المبادئ والأخلاق؛ ليس استهانة بأهمية المبادئ والأخلاق وبمفعولها، إنما تأكيدا على أهمية إضافية تتجسد في مراعاة ما تصنعه الموازين المصلحية أيضا.
وإلى لقاء قادم أستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب