الأساطيل حول فلسطين
دعم أم خوف الانهيار
رأي – هل تستنفر الولايات المتحدة الأمريكية أساطيلها لدعم ربيبتها وإنقاذها فحسب؟
رأي
حاملات الطائرات، البوارج، الغواصات النووية، الصواريخ العاتية، والتوابع المساندة من أسلحة ومعدات بحرية وجوية وبرية، ناهيك عما سبق وأرسل وما يزال يرسل من ذخائر وآليات من أحدث ما ابتكرته الصناعة الحربية الأمريكية، ومما لم يسبق تزويد دول حليفة أطلسية أو غير أطلسية بمثله، وقد وصل منه إلى الإسرائيليين خلال أسابيع معدودة أكثر مما وصل إلى أوكرانيا خلال زهاء سنة ونصف السنة، وهو ما كان يفسر بأن أوكرانيا تواجه دولة عاتية بتسلحها وجيوشها؛ فهل يوجد تبرير مشابه لما تصنعه الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا من أجل الكيان الإسرائيلي، إذ تعرض كما يقولون لهجوم إرهابي من جانب منظمة وليس دولة، يوم السابع من تشرين أول / أكتوبر ٢٠٢٣م؟
ثم هل يمكن تصديق تصريحات رسمية محورها أن واشنطون عاجزة عن دفع الكيان الإسرائيلي إلى هدنة إنسانية مشروطة ومقيدة، وسط الحرب الهمجية، وعاجزة عن دفعها إلى الحد من أساليب عدوانها على المدنيين العزل من كل سلاح وعلى المنشآت الطبية وقوافل النازحين في قطاع غزة، البقعة الجغرافية التي لا تتجاوز مساحتها ضعف مساحة مدينة واشنطون، ويسكنها ٤ أضعاف سكانها.
ألا تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها الدولة العظمى، والأقوى من دول العالم، بل تنتزع لنفسها التصرف باسم ما تصفه بالمجتمع الدولي، وتنفق على تسلحها ألوف المليارات ثم تقول إنها طلبت من الإسرائيليين كذا وكذا، علنا وسرا، على لسان الرئيس الأمريكي وألسنة أعوانه المقربين، ولكن الإسرائيليين لم يلبوا الطلبات الأمريكية، بل لم يقولوا إنهم يفكرون بها أصلا، ولم يتورعوا عن متابعة هجماتهم الإجرامية ومتابعة تصريحاتهم العنجهية أثناء الزيارات الأمريكية وفور اختتامها.
هذه صورة كاريكاتورية، لم تعد تصلح حتى للاستهلاك المحلي وتهدئة الغضب المتصاعد في مسلسل احتجاجات جماهيرية تتصاعد وتتسارع وتيرتها في مدن أمريكية عديدة وفي عواصم دول غربية أخرى، بل لم تعد تصلح تلك الأقاويل لتحقيق أغراض انتخابية، بل يمكن أن تجلب نتائج معاكسة، لا سيما وأن استمرار همجية العدوان بنواته الأمريكية الصلبة، لا يعطي أي مؤشرات لتحقيق نتائج ميدانية حاسمة، تواري عورة الأدمغة الجنونية من وراء التخطيط لمواصلة الحرب وارتكاب المجازر بحق إنسانية الإنسان والمواثيق الدولية جميعا، مع ما تثيره من ردود الأفعال الصارخة بالتنديد من جانب ممثلي المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية.
كلا ليس في المسألة عجز أمريكي لإرغام الربيبة الإسرائيلية على الطاعة، إنما تحتاج الدولة الأمريكية نفسها إلى مخرج من المأزق، فما تعرّض ويتعرض للانهيار هو جزء عضوي من وجودها وهيبتها ومن مخططاتها الحاضرة والمستقبلية لترسيخ زعامة انفرادية عالمية، بل هو جزء عضوي تجسده ثكنة عسكرية متقدمة في القلب من المنطقة العربية والإسلامية، رغم ضعف هذه المنطقة على كل صعيد مادي وعسكري، ورغم ما سبق إعداده من شبكة أنظمة تابعة تبعية شبه مطلقة للدولة الأمريكية؛ فما الذي تخشى من خسارته في هذه المنطقة؟ هل هو المكانة أم الثروات أم مفعول معادلة الهيمنة والتبعية أم جولة من جولات الدورات الحضارية؟
هذا ما ينبغي أن يبحث الباحثون عنه بحثا منهجيا وهم يتابعون الطوفان المنطلق بأسلحة محدودة مقابل الطوفان الذي يستعرض أحدث الأسلحة الأمريكية العاتية المتجمعة في المياه والأجواء، حول قطاع غزة المحاصر منذ بضعة عشر عاما.
وأستودعكم الله وأستودعه أهلنا وأرضنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب