اكتشاف مذهل مع تداعيات طوفان الأقصى
الأنظمة مستهدفة وليس الشعوب فقط
رأي – موقف مصر والأردن بالرفض القاطع لتشريد فلسطينيين إلى أراضيهما
رأي
العنوان، اكتشاف مذهل، لا يعني العثور على شيء لم يكن ظاهرا للعيان، بل كان ظاهرا ولا تراه بعض العيون، أو لا تريد أن تراه، والواقع أنه يوجد كثير من ردود الفعل العربية والإسلامية على الحرب الإسرائيلية ٢٠٢٣م ضد غزة وأهلها وفلسطين ومستقبلها، بل بلغ ذلك مداه بعقد قمة عربية إسلامية بمشاركة ٥٧ دولة، وببيان ختامي عملاق تضمّن ٣١ بندا، بصياغة حامية، هذا رغم تأخير انعقاد القمة (الطارئة) أكثر من خمسة أسابيع، ويبدو أنهم أرادوا عقدها في أجواء باردة، وقدّروا أن الهدوء سيحل خلال أسابيع تبعا لتوقعات محسوبةٍ زمنيا بمقاييس تفاوت موازين القوى العسكرية والمادية بين جبهة عدوان عالمية، نعم عالمية، وجبهة منظمات محدودة العدد والعدة، حوربت من قبل منذ نشأتها الأولى ووصمت بالإرهاب من جانب الأعداء المكشوفين، بل وكثير من الأشقاء المحترمين، فضلا عن أنها حرب دارت على بقعة جغرافية واستهدفت أهلها المحاصرين منذ سنين وسنين بأبشع أشكال الحصار.
هذه كلمات تريد بيان خلفية ما انطلقت منه ردود الفعل الرسمية العربية والإسلامية، وكأنها منفوخة بهواء ساخن، ولكن بقيت من قبل ومن بعد، وكأنها لم تكن، إلا في حالة واحدة فقط لا غير، هي حالة الموقف الصارم الموسوم بلون الخط الأحمر، الصادر عن أول دولتين أقامتا علاقات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مصر والأردن، ولا مجال للتشكيك، فقد كان الموقفان جازمين قاطعين يترددان مرة بعد أخرى للتأكيد والتذكير ومحورهما: استحالة القبول بتشريد الفلسطينيين من البقية الباقية من أرضهم التاريخية إلى أرض مجاورة، أي إلى الجانب الآخر من الحدود مع سيناء أو الجانب الآخر من غور الأردن.
لماذا؟
علام لم يكتف المسؤولون في البلدين كسواهم، بالتنديد والشجب والإدانة وأحيانا التبرير برجاء الحدّ من غلواء العدوان، علما بأن هذا ما شاركا في صنعه من قبل وعبر لقاء القمة، بل في ميادين حاسمة مثل تمرير المساعدات من أدوية وأغذية عبر الحدود البرية القائمة، مع الأهل المستهدفين مباشرة بالعدوان الهمجي؟
لماذا؟ بالأحرى ما الذي استشعر المسؤولون خطورته واعتبروا أنها بلغت درجة بعيدة المدى، تستوجب الرد الجازم الحاسم؟
الفارق كامن فيما طرحته تداعيات طوفان الأقصى، واختلف عما كان من تداعيات جولات سابقة، بين الكيان الإسرائيلي وغزة بالذات.
كأنه اكتشاف مذهل، أن يكتشف المسؤولون في البلدين أن تاريخ العلاقات المباشرة منذ سبعينات القرن الميلادي العشرين، لم يكن كافيا لعدم استهدافهم هم (مع أشقائهم الفلسطينيين) بالحرب الهمجية ٢٠٢٣م، بل أكثر من ذلك كان استهدافهم أوضح مما كان مرارا وتكرارا من قبل، وهو الإعلان الصريح بأن التحالف العضوي الأمريكي الغربي الإسرائيلي يريد أن ينقل إلى البلدين المجاورين، مشكلة المقاومة الفلسطينية المحدودة بالموازين المادية الدنيوية، بعد حرب تستعرض ما يعنيه العجز الغربي والإسرائيلي عن إخمادها، رغم القوة الهمجية الباطشة ورغم عدم التزام أي قيمة من القيم وأي ميثاق من المواثيق.
بعض أهلنا في مصر والأردن وفي سواهما من بلادنا العربية والإسلامية فوجئوا كما يبدو بأمرين اثنين:
الأمر الأول: العامل الزمني؛ ويتجسد في أن القوة التي لا تُقهر حسب موازين مخاوفهم، لم تستطع على امتداد الأيام والأسابيع التالية لطوفان الأقصى، أن تقهر صمود شعب أعزل من كل سلاح وهو من يحتضن مقاومته المسلحة في تنظيمات معدودة ومحدودة العدد والعدة.
الأمر الثاني المفاجئ لبعض أهلنا، هو اكتشاف أن الابتلاء تحت عنوان فلسطين متشعب كالأخطبوط عالميا، وهو المسؤول عن ممارسة الهمجية الدموية مباشرة وليس عن دعمها أو الإسهام في تمريرها فحسب؛ وكل فريق من أهل بلادنا عموما وليس من المسؤولين الرسميين فقط، كان غارقا في تمنيات ضبابية وأوهام واهية، بصدد غلبة العوامل الإنسانية والقانونية والمصلحية الحقيقية على سواها عند صناعة القرار من جانب كيانات رسمية قائمة في الغرب ومهيمنة على توجيه صناعة القرار العالمي.
٠ ٠ ٠
بين أيدينا ما هو بمنزلة اكتشاف مذهل آخر وما كان له أن يكون مذهلا، ولكن انتشر في عموم ديار العرب والمسلمين انتشار الطوفان… ما هو؟
دعونا ممن ابتلي بالاستكبار أو النفاق أو الغباء، لنرى بوضوح أن كافة الأنظمة رأت رأي العين كيف أصبحت مكتوفة الأيدي والأرجل، وهي ترقب مجريات الحدث الكبير في حلقة جديدة من العدوان، تتميز بأن العدوانية فيها استعراضية متبجحة علنية، بما يتجاوز حروبا سابقة، وتنفيذ مؤامرات سرية وعلنية من قبل، وكيف أنها مثل سائر ما مهّد لها، لا تستهدف بالعدوان الشعوب فقط، بل تستهدف تعطيل الأنظمة أيضا، بعد تقييدها، أو بعد دفع الأنظمة إلى تقييد نفسها بنفسها، على كل صعيد، حتى انزلقت لحالة العجز المطلق عن التصرف؛ أم هل يوجد بين الأنظمة من يزعم جادّا أن إرادته مستقلة في دولة ذات سيادة؟
ليس المثير أن يوجد من يصحو من الأنظمة، بل المثير بقاء بعضها رهنَ من يفرض نفسه عليها، فلا يستخلص المسؤولون فيها الدروس حتى الآن، ولا يتحسسون رؤوسهم وهم يتابعون ما يجري وكأنه لا علاقة لهم به، أو أنه لا يتطلب سوى الشجب والإدانة والشكوى.
وأستودعكم الله الذي أنعم علينا بالسمع والأبصار والأفئدة، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب