اعتياد مشاهد الضحايا
العدوان يزيد واللامبالاة أيضا
خواطر – ينبغي علينا الآن فعل ما يحفظ لنا كرامتنا ووجودنا في أرضنا وفي عالمنا وعصرنا
خواطر
تتواصل يوميا مشاهد الاعتداءات على أهلنا بفلسطين وسواها، ونحن قاعدون..
وتتواصل معها مشاهد التقتيل والتعذيب، والتشريد والتنكيل، ونحن قاعدون..
وتتواصل الخيانات والمظالم والاعتقالات والحرمان من الحقوق والحريات في كل مكان، هكذا علنا لا سرا، صباحا و مساء، ونحن قاعدون، بعد أن أصبح ما يجري يقتحم بيوتنا، ويقتحم أبصارنا وأسماعنا، فلا حائل يحول دون ما تصنعه التقنيات الحديثة، ولا شيء يمنحنا الفرصة لادّعاء الجهل أو للتجاهل، عسى نبرّر لأنفسنا قعودنا ولا مبالاتنا بما يجري.
هل نستمرئ ذلك أم اعتدنا عليه أم أننا اقتنعنا حقا بأن هذا مصيرنا الذي لا نستطيع له دفعا، ولا نملك تجاهه حولا ولا قوة، ما دمنا نبحث عن قوة دولية تحتضننا ولا نجد، أم أننا لا نريد محاولة امتلاك شيء من القوة وأسبابها بأنفسنا ولا بذلَ الجهد الضروري لذلك.
ليس صحيحا أننا كنا دوما على هذه الحال، نشاهد قاعدين، وندعو قاعدين، وننتظر قاعدين، عسى تقع معجزة من المعجزات لتغيير ما يحدث من انتهاكات لمقدسات شعوبنا ومعتقداتنا، وعسى آنذاك -وهذا غير وارد أصلا- أن ننجو من رصد أنفسنا، هكذا قاعدين نكتفي بتعداد الضحايا يوميا، بل حتى التعداد بات مما نتجنبه أيضا.
كيف أصبحنا على هذه الحال؟ ألم نكن نتحرك من قبل وتتحرك النخوة لدينا أو لدى بعضنا؟
ألا يذكر بعضنا على الأقل سنة ١٩٦٧م عندما وقعت النكبة العسكرية الثانية في عالمنا العربي والإسلامي فاهتز من أقصاه إلى أقصاه شعبيا، وسارعت الحكومات إلى رفع شعار اللاءات الثلاثة في الخرطوم، ثم في سنة ١٩٦٩م عند إحراق جانب من المسجد الأقصى، كيف تداعت الأنظمة لتشكيل لجنة القدس الإسلامية..
لقد بدا في تلك الحقبة أن عهدا جديدا قد بدأ، بخطوات عملية، قابلة لتفتح طريقا جديدا باتجاه فلسطين، وربما باتجاه تحرير أرضنا جميعا وتحرير عقولنا وأجسادنا من طغيان الطغاة والمعتدين على السواء، وغلبت علينا الغفلة عن أن الأنظمة جزء من المشكلة وليس من الحل.
كما يذكر بعضنا المشهد في سنة ٢٠٠٠م عندما اقتحم آرييل شارون باحات المسجد الأقصى، فاندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وحملت اسم انتفاضة الأقصى، واستمرت خمسة أعوام وكان ما بعدها مختلفا عما قبلها، بل لا نبالغ عندما نعتبرها الشعلة التي أضاءت طريق الثورات الشعبية من بعد.
الآن.. لم تعد الأعمال العدوانية نتيجة مؤامرات تُعقد في الظلام أو وراء ستار، بل كل ما يجري يجري جهارا نهارا، ولم تعد حتى الخيانات مما يستتر من يمارسها عن العيون، بل أصبحت هكذا علنية، أو كما يقال كأنها مجرد وجهة نظر أخرى، يمكن النقاش حولها لإقناعنا بها.
كل من يعتاد على مشاهد العدوان المذلّ حولنا، لا يأمن أن تصل إليه غدا شظايا العدوان ومعها ممارسات الإذلال العلني المهين أيضا، ويومذاك قد لا يجد النصير من أهل الأرض، وإن استغاث بدول شقيقة وصديقة وشعوب شقيقة وصديقة.
إن مسؤوليتنا عن أنفسنا وعن بلادنا وشعوبنا ومقدساتنا والأجيال القادمة مسؤولية جسيمة، ونحملها الآن عبر فعل ما نستطيع، لا أن نستقلّه أو ننكر وجوده، ولا أن نمتنع عن التعاون على تنميته بجهود مشتركة.
كل من يكتفي بالقعود ولا يفعل شيئا قد يشهد بين ليلة وضحاها أنه فات الأوان لفعل شيء يحفظ له كرامته هو، بل يحفظ له أصل وجوده في أرضه وفي عالمه وعصره.
وأستودعكم الله وأسأله أن يعيد لنا الحياة من جديد ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب