اشتعال العنصرية بلباس ديمقراطي
الآليات الديمقراطية لا تمنع هيمنة العنصرية
خواطر – لا ينبفي في متابعة الاحتجاجات الشعبية تجاهل هيمنة المادية في فرنسا وهيمنة العنصرية في الكيان الصهيوني
تطورت التقنيات الإعلامية وتضاعف تأثيرها، فازداد استغلالها في خلط الخطأ بالصواب، والتضليل بالتوعية، ونجد شواهد على ذلك في تعليل الاحتجاجات الشعبية في فرنسا دون التعرض لسياسات الهيمنة المادية، كما نجد شبيه ذلك في مواكبة احتجاجات فريق من الإسرائيليين ضد فريق آخر على خلفية إخضاع الأجهزة القضائية لمصالح السلطات السياسية، وتركز الفقرات التالية على المثال الثاني.
* * *
لا يخفى هذا الخلط علينا عندما نرصد كيف يعبر مسؤولون غربيون عن قلقهم البالغ إزاء تصاعد المظاهرات والاحتجاجات وأعمال العنف التي عصفت بالكيان الصهيوني ومؤسساته المدنية والسياسية، ونرصد صدقهم في ذلك القلق، فأوضاعهم مشابهة كما تشهد أحداث فرنسا وسواها، وهم إذ يؤكدون قلقهم قدر ما يستطيعون، يتناقضون مع أنفسهم ومع قلق مزعوم يعبرون عنه إزاء إزهاق أرواح الضحايا من الفلسطينيين، وتدمير ممتلكاتهم، والإمعان في استخدام العنف والتنكيل والقمع ضدهم بكل وسيلة، وإحكام الحصار حولهم في بيوتهم وحقولهم ومتاجرهم في الضفة وليس في قطاع غزة فقط.
أمام هذه الإنسانية العرجاء وما تنطوي عليه من ممارسة التمييز العنصري، نتساءل عما بقي من قيم ديمقراطية يزعمون تطبيقها، بل ويزعمون احتكارها وهم يعتبرون أنفسهم المرجعية الوحيدة في صياغة حقوق الإنسان وحرياته في عالمنا المعاصر؟
بالمقابل: ماذا يمكن أن نقول عمّا نرصده أيضا من عقلية بعض أصحاب الأقلام في بلادنا -ولندعْ أهل السياسة جانبا- وهم يقارنون بين أساليب القهر والقمع في التعامل مع احتجاجات الشعوب في بلادنا وبين مجرى الأحداث المتفجرة في الكيان الصهيوني، ليعبروا عن إعجابهم بما تتيحه الديمقراطية المزعومة من فسحة واسعة لممارسة الحريات والحقوق، وهذا رغم استفحال مخاطر ما يُتخذ من إجراءات لتقنين تكبيل الهياكل الحقوقية القضائية وإفراغ مبدأ فصل السلطات من محتواه.
بماذا يقارنون وقد كانت آليات الديمقراطية وقيمها وما تزال في قبضة الاتجاهات العنصرية ولم يستجدّ بشأنها سوى أنها أصبحت تشكل حلفا متطرفا يستهدف فريقا من اليهود من السكان، علاوة على مواصلة فجور الاعتداءات العنصرية ضد الفلسطينيين من أهل فلسطين الأصليين؟
* * *
مهما توشحت ممارسات الهيمنة المادية والهيمنة العنصرية بلباس ديمقراطي، فهي لا تواري ما تصنعه الجراح النازفة والآلام المتنامية تحت وطأة أفاعيل تلك الهيمنة على حساب حقوق الإنسان وحريته، وتغتال في ذلك العدالة الاجتماعية والمادية والمعنوية، وليس السياسية فقط، والعدالة هي أم الحقوق وعمودها الفقري، فالمساس بها يمكن أن يفجّر ما يقع من أحداث، كما في المثالين المذكورين.
من أسوأ ألوان التضليل ما يأخذ صيغة تجميل وجه عنصري قبيح بمقارنته مع وجه استبدادي قبيح، هذا مع التلميح إلى الثورات الشعبية في بلادنا وما استخدم من وسائل همجية لقمعها وللتنكيل بالإنسان والأوطان.
هذه ممارسة ملغومة للإشادة بفسحة للحرية لا يوجد مثلها في بلادنا، ولا يُعتدّ بذلك، فالحريات والحقوق منظومة متكاملة، وليست بضاعة يؤخذ منها فسحة محدودة بقدر ما يضمن استمرار الهيمنة على الشعوب تحت أي عنوان وبأي مبرر مزعوم.
ومن يمارس التضليل على هذا النحو يمارس سلوكا شائنا، لا علاقة له بالديمقراطية، بل يسيء إليها عند مقارنتها بالاستبداد الهمجي، ولن يقوم نظام ديمقراطي ويكونَ ديمقراطيا حقا ما لم تكن منظومة القيم، وفي مقدمتها العدالة، هي مصدرَ الضوابط لضمان عدم تقييده بهيمنة العنصرية أو المادية أو سوى ذلك من الموبقات.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب