استنفار عام لمواجهة ثورتي الجزائر والسودان

جولة أخرى بين ثورات التغيير والتحرك المضاد

تحليل – تحرير الإرادة الشعبية العربية مشهد واحد في جوهره رغم تعدد ألوان الفسيفساء في لوحته

69
خارطة المنطقة العربية

تحليل

قبل النظر في مشهد موجة تغييرية تالية في الساحة العربية، يحسن الوقوف هنيهة أمام التحرك المضاد لتحرير الإرادة الشعبية العربية من الاستبداد المحلي والدولي، فقد أثار الحراك الشعبي الثوري في الجزائر والسودان حفيظة القوى الإقليمية والدولية المشاركة في ذلك التحرك المضاد إذ توهمت أن وأد ما سمي الربيع العربي قد أصبح أمرا مقضيا، ونشأت جبهة عريضة من خليط عجيب:

١- قوى دولية متصارعة عالميا ولكن تتقاطع جهودها في ذلك التحرك المضاد مع تفاوت الأشكال علانية وتضليلا وعنفا.

٢- قوى إقليمية انتحلت عناوين دعم الثورات والثوار ثم كشفت الغطاء عن تحركها المضاد إذ توهمت أنها بلغت غاياتها، فأصبحت واقعيا على طريق ما مارسته إيران علنا ومن البداية.

٣- عناصر متنفذة في النظامين الاستبداديين، الجزائري والسوداني تراهن على البقاء رغم سقوط رأسيهما سريعا.

٤- فئات واكبت الثورات والثوار كلاما وسقطت مع ظهور حجم المعركة التاريخية الجارية في حضيض القنوط وحملات التيئيس بعد تصور خاطئ يتوهم أن التغيير الجذري الثوري يتحقق خلال سنوات معدودة فحسب.

لقد ظهر الحراك الثوري في السودان والجزائر بقوة طاقات شعبية، تشمل اتجاهات متعددة تماثل اتجاهات ظهرت من قبل لحظة اندلاع الثورات الشعبية الأخرى، فإذا بهذا الحراك الجديد وكأنه يقول للمشاركين في التحرك المضاد لإرادة الشعوب:

١- إن ثورة الإرادة الشعبية في بلدين عربيين آخرين دليل – أو مؤشر قوي على الأقل – على عجز التحرك المضاد عن كسر الإرادة الشعبية أو كبح جماحها في المنطقة بمجموعها رغم الوسائل الهمجية والعدوانية والتضليلية المتبعة على أوسع نطاق.

٢- إن ما بدأ في تونس في أواخر عام ٢٠١٠م ينطوي على مفعول تيار تاريخي وتغييري “جديد” على الباحثين المقيدين بتفسيرهم العتيق لأحداث “جديدة” عليهم، فقيدتهم قواعد البحث المستمدة من خبرات سابقة، ولا جدوى من التعامل بها مع حراك ثوري “جديد” معاصر.

٣- إن التغييرات الكبرى في الحركة الدائبة لعجلة التاريخ تأخذ مسارات لا يحسب حسابها من يعيشون في قفص لحظة آنية، وهم يعادون تلك التغييرات، ويرون في نتائجها الحتمية ما يقوّض أركان أطماع أنانيات محلية وعالمية على حساب جنس الإنسان.

ليس مشهد اللحظة الراهنة مشهد الجزائر والسودان فحسب، فالأحداث الكبرى تنطوي دائما على شبكة معقدة من الأفعال وردود الأفعال، فلا يمكن النظر في الجزائر دون سورية، ولا السودان دون ليبيا، ولا مصر دون اليمن، ولا فلسطين دون العراق.. وهكذا، فالمشهد واحد في جوهره رغم تعدد ألوان الفسيفساء في لوحته.

في هذا الإطار يمكن تسجيل بعض الملاحظات المبدئية ومن الواجب تعديلها باستمرار مع مواكبة مستمرة لمسار الحدث:

١- ما يزال تعامل قادة عسكريين، معظمهم من عهد سابق سقط رأسه، مع الإرادة الثورية الشعبية في الجزائر أكثر ترددا منه في السودان، وإن كان جوهر ذلك التعامل واحدا، وهو بعيد كل البعد عن الاستفادة من دروس الموجة الثورية التغييرية الأولى.

٢- يتكامل ذلك مع سرعة مضاعفة التحرك الدولي والإقليمي، المضاد لمسار الثورات الشعبية، بطرق مباشرة وعبر مرتكزات داخلية، مع التركيز على ليبيا المجاورة للجزائر، ومع السرعة الملحوظة في محاولة قوى التحرك المضاد إقليميا التأثير المباشر والمكثف على مسار الحدث في السودان.

٣- إذا صحّ التنويه بأوضاع الشعوب حاليا لتفسير غياب التفاعل مع الحراك الجديد على مستوى شعبي قوي ومباشر في بلدان الموجة الأولى من الثورات الشعبية، فلا يصح الأخذ بمثل ذلك تعليلا لمن يعتبرون أنفسهم نخبا سياسية وفكرية في قصورهم الراهن عن التفاعل مع الحدث بصيغ مشتركة تتجاوز الحدود وتعبر عن المغزى العميق في تكامل التعبير عن إرادة شعبية واحدة شاملة للأقطار العربية على الأقل.

أصبح من أوجب الواجبات التعبير المباشر في مسار التغيير عن صيغة قويمة للتلاقي بين من يمثل اتجاهات متعددة، لا سيما تحت العناوين الكبرى، الإسلامية دون تطرف والعلمانية دون تشدد، فهذا واجب تاريخي ومصيري، بمختلف المعايير التي تتبناها تلك الاتجاهات فكريا ونظريا ولم تنعكس حتى الآن في حوار حقيقي لا يقصي الآخر، وفي تركيز مكثف على القواسم المشتركة مع تجنب طرح مطالب تفصيلية أبعد مدى من ذلك، ولا يمكن على كل حال أن تفيد الآن في مرحلة تحقيق الأهداف الأولية للتغيير الثوري، وفق الحراك الشعبي، والأصل هو ترك كل فريق وما يراه مستقبلا ليطرحه في ميادين التنافس على كسب التأييد الشعبي في دول مستقلة ومستقرة حقا.

ومن يتابع الأحداث يرصد كيف تسارعت خطى التحرك المضاد في التعامل مع ليبيا (حفتر) وسورية (تفاهمات أمريكية روسية) ومصر (تشويه دستوري جديد) واليمن (استبقاء أسباب النزاع) وحتى تونس وفلسطين والعراق، وجميع ذلك إلى جانب السرعة الملحوظة في التعامل مع الجزائر والسودان، ولهذا فإن المزيد من تأخر اتخاذ خطوات مشتركة وفاعلة من جانب النخب التي تقول إنها تتبنى الحراك الثوري قطريا وعربيا، يعني المخاطرة بتكرار الأخطاء في التعامل مع موجة الحراك الثوري الجديد وقد بدأت أواخر ٢٠١٨م كتلك التي ظهرت نتائجها الوخيمة في هذه الأثناء وهي أخطاء جسيمة وكارثية، في التعامل مع موجة الحراك الثوري التي بدأت أواخر ٢٠١٠م.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب