استراحة – كفى عاطفة وحماسة
كلمة أصلها الإصلاح واغتالت حياة الوجدان
أصبحنا لا يحرّك الدمُ المهدور فينا نخوةَ المعتصم ولا دمعة عبد الله الصغير
أين العرب والمسلمون؟
سؤال يُطرح كلما حلّت بفريق منهم نكبة أو تعرضوا لعدوان آثم أو انتُهكت مقدساتهم.
أين هم كأمة متماسكة لحماية أبنائها وأوطانها ومقدساتها.
أين هم في ميادين التخطيط والإنتاج والتقدم، والبحث العلمي والعطاء الأدبي والإبداع الفني، فجميع ذلك ومزيد عليه، هو من إعداد القوة أيضا، مع استقصاء آيات الله في أنفسنا وفي آفاق الكون من حولنا.
أين هم قلوباً متحابة وأرواحا متآلفة وسواعد متعاضدة، باعتبارهم إخوة عقيدة وإرثٍ ثقافي معرفي حضاري.
أين تأثرهم الوجداني وتفاعلهم شعوبا وقبائل وأمما ما بين المحيطات الثلاث وما بعدها.
أصبحنا لا يحرك دمُ المسلم المهدور فينا نخوةَ المعتصم ولا دمعة عبد الله الصغير، وأصبح ضحايا بلادنا وعالمنا أرقاما نسجلها أو نعتاد عليها، وأخبارا كأخبار تقلبات الطقس، بل بات مجرد تذكير بعضنا بعضا بما يحيق بنا ويقتحم دورنا، محظورا أو شبه محظور، فإن انفجر الألم على لسان أحدنا في خطبة أو مقالة، قيل: العاطفة لا تَفيد، والحماسة لا تنفع، فكن منهجيا واقعيا، وبئس الواقعية إذا اقترنت باغتيال الوجدان.
قد مضى على العرب والمسلمين حين من الدهر، كان فيه التعبير عن أهدافهم المشروعة مقتصرا بالفعل على شعارات حماسية، وغوغائية أحيانا، وكان الإعداد لتحقيق تلك الأهداف محصورا بالفعل في وسائل الإعلام، أو الخطب المخادعة غالبا، ولهذا كانت خيبات الأمل ثقيلة على النفوس، كبيرة على الاستيعاب، عندما ظهرت الحقائق للعيان، كما كان في نكبة ١٩٦٧م العسكرية، ونكبة كامب ديفيد سنة ١٩٧٨م السياسية، وأصبحت كضربات موجعة أصابت مغشيا عليه ففتح عينيه لحظة، ثم آثر الهرب إلى غيبوبته من جديد.
آنذاك، بتأثير تلك النكبات، بدأ فجأة السباق على ضرب مبتكر من ضروب الكتابات الفكرية والإعلامية الانهزامية، انتحل صفة المنهجية والواقعية زورا، ومهّد لمواقف وإجراءات عملية، فانتزعنا من قواميسنا الحماسية تعابير عاطفية عن أرض اغتُصبت وحقوق انتهكت ناهيك عن كلمات من قبيل الجهاد والنضال والمقاومة، وسرعان ما تحولت تلك الموجة إلى ظاهرة شاملة أبعد مدى وأعمق تأثيرا، فأصبح كل خطاب حماسي أو بحث علمي على السواء، غوغائية، دون عقل، ودون موضوعية، يعيش على اجترار الماضي، ولا يستوعب لغة العصر، وكأن لغة العصر أن تستمر الفرقة فيما بيننا وأن نسالم من يعادينا.
أحداث تذيب الصخر، ونحن ما بين مشغول يجهل، ومقهور يخاف، وموضوعي يتفلسف. ثم نتساءل:
أين العرب والمسلمون؟ علام لا يتحركون ويتضامنون؟
والسؤال الأصح: أين التوازن في حياتنا، لنجمع على الدوام ما بين مفعول عاطفة تثور وعقل يعمل، وبين تأثير وجدان يتحرك ومنطق يوجه، وبين لسان يهدد ومشروع يُنَفَّذ، وبين شعور يخطب أو يتظاهر أو يكتب أو يرسم، ليعبر عن سريان الحياة في عروقنا، وبين تخطيط وتنظيم وعمل وتنفيذ وتقويم وتطوير في واقعنا.
وليس صحيحا ذلك الوهم القائل إن عالمنا المعاصر لا يعرف على طريق تقدمه وصناعة الأحداث فيه وتحقيق كل فريق لنفسه ما يستطيع تحقيقه من أهداف مشروعة أو حتى أطماع باطلة.. لا يعرف إلا ما يوصف بطريق الموضوعية والمنهجية والعقلانية، بل هذا جزء من الوسائل التي يوظفها، إلى جانب وسائل تخاطب العواطف والأحاسيس والمشاعر، فلا تناقض بين بحوث علمية ومنجزات تقنية، وبين معين لا ينضب من القصص والأفلام والمسرحيات والقطع الفنية والمعارض والمنتديات وسوى ذلك من وسائل تسلك دروب العاطفة أكثر من سواها.
لا نريد قطعا خطابا حماسيا دون إعداد منهجي لتحقيق أهداف مشروعة يطرحها وأحلام مستقبلية كريمة يعبّئ طاقاتنا لتوفير الإمكانات اللازمة للوصول إليها، إنما نريد التوازن الذي تميز به ديننا الحنيف، عقيدة وبناء حضاريا وعطاء علميا وإنسانيا، وآنذاك يكون العرب والمسلمون أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، وتحمل رسالة العدالة والهداية للبشرية في عالمها وعصرها، وتدعو للخير في دنياها وآخرتها، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب