إعادة توحيد ألمانيا والتمزق في بلادنا
حتى متى تدمر أسباب الوحدة في بلادنا العربية والإسلامية
خواطر – وحدة بلادنا غاية كبرى تحتاج إلى الكبار بأنفسهم وعطاءاتهم، وإنجازاتهم
خواطر
تقرر أن يكون الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام يوما احتفاليا في ألمانيا بمناسبة إعادة توحيد ألمانيا بعد سقوط جدار برلين يوم ١٠ / ١١ / ١٩٨٩م، والا نزال نشيّد الجدران المحصنة في الأرض العربية حيث يُحتفل بأكثر من عشرين يوما يُطلق عليها أيام الاستقلال، أو أيام العيد الوطني، وما شابه ذلك.
في الماضي القريب كان يوم تأسيس الدولة الألمانية الغربية مناسبة “بروتوكولية” كما يقال، تُستعاد فيها ذكريات سياسية وكان يتردد فيها دوما هدف الوحدة الألمانية، عاما بعد عام، فهل هذا هو الحال مع الاحتفالات في بلادنا بأيام الاستقلال والأعياد الوطنية؟!
تحققت وحدة ألمانيا ولم يكن في الأوضاع الدولية من قبل ما يبشر بها، أو يسوّغ استمرار الأمل في تحقيقها. بالمقابل: أصبحت الأوضاع الدولية غير الملائمة حسب أقوال بعضنا، شمّاعة، لإطفاء جذوة أي أمل أو حلم أو عمل أو مجرد الكلام عن استعادة وحدة بلادنا.
بل توجد في العالم بلدان عديدة تجزأت ولكن بقيت تحتفظ بحد أدنى من العلاقات بين أجزائها وتعمل لتنميتها، بينما نجد بعض بلادنا تضاعف التباعد المذهل فيما بينها، وترسخ أحيانا العداء الشديد، مع ممارسة سياسات المحاور في ظل هيمنة أجنبية وتبعيات محلية.
خلال أربعين سنة وزيادة من التجزئة ومن وجود قوات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على الأراضي الألمانية، لم تنقطع جهود النخب، من مفكرين وكتاب وإعلاميين ومثقفين وفنانين، عن استبقاء الانتماء الألماني المشترك نابضا، وحلم الوحدة حيا، ونرصد بالمقابل منذ سنوات وسنوات، كيف أصبح كثير من النخب العربية، تنشر أفكارا مخزية ممن قبيل موت حلم الوحدة وموت العروبة وأوهام التصورات الوحدوية الإسلامية، بل توجد نخب ترتبط مصلحيا بواقع التجزئة، وسلطاتِها وأحزابها، فتساهم في ترسيخ الانقسامات الطائفية، والقطرية، والحزبية، وغيرها، ومن بينها من يشارك في اغتيال اللسان العربي القويم ويوظف اللهجات العامية لمزيد من التشرذم والضياع، وتوجد اللهجات في كل لغة في العالم ولكن ليس على حساب اللغات الأم.
٠ ٠ ٠
ليست الوحدة العربية أو الإسلامية حلما لتأتي هكذا كالأحلام في ليل النائمين، إنما هي أمل لأصحاب الوجدان الحي، والوعي النابض، والبصيرة النافذة، والإرادة الصادقة، والعزيمة الماضية، القادرين على استشراف المستقبل فلا تقتلهم أثقال الواقع وأغلاله، والمخلصين في تجاوز أنفسهم وتوجهاتهم وتصوراتهم من أجل أمتهم فلا يساهمون بأنفسهم وبتوجهاتهم وبتصوراتهم في اغتيال أحلامها وآمالها وحاضرها ومستقبلها.
هذا حد أدنى لنتخلص من دعوات التجزئة، لأن القسط الأعظم من الأضرار، والكوارث، والنكبات، التي تصيب شعوبنا وبلادنا، ويشكو معظمنا منها ويتجاهلها بعضنا، ناجم عن هذه التجزئة، وهو مصنوع بأيدي من يدعو لها.
الوحدة غاية من الغايات الكبرى وعندما يتبناها أصحاب الاتجاهات المختلفة، كل في إطار اتجاهه هدفا وغاية، يمكن أن يتلاقى مع سواه على أرضية مشتركة، ووسائل مشتركة، وجهود مشتركة، فخلاصة كلمة الوحدة هي أنه يوجد انتماء أكبر وأهم، وهو الأجدى ببذل الجهد المتواصل للانطلاق منه، وتحقيق مختلف الأهداف الأخرى، جنبا إلى جنب مع تحقيقه، أو كنتائج حتمية لتحقيقه.
الوحدة من الغايات الكبرى وتحتاج إلى الكبار برؤاهم وتطلعاتهم وأهدافهم، الكبار بأنفسهم، وأقلامهم، وعطاءاتهم، وإنجازاتهم، وتضحياتهم، أما من لا يستطيع أن يكون كبيرا أو لا يريد، فلا ينبغي أن يجعل من نفسه أغلالا تقيد أولاده وأحفاده وسهاما موجهة إلى مستقبلهم.
وأستودعكم الله وأستودعه شعوب بلادنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب