واشنطون في عواصمنا

متى يتحقق الاستقلال الحقيقي في بلادنا؟

رأي – التحرر من الهيمنة الأجنبية رهن بامتناع ركائزها عن التبعية أو بزوالهم

0 106
٤:٤٠ دقيقة

رأي

من المؤلم مرور زمن طويل دون أن تتبدل الأوضاع الرسمية العامة في بلادنا إلى الأفضل، ويؤشر على ذلك أن يسري إلى يومنا هذا مضمون الفقرات التالية التي سبق أن نشرت كمقالة رأي في آب / أغسطس عام ١٩٧٩م، في مجلة الرائد.

أن تسعى الدول الكبرى للسيطرة على بلادنا وشعوبنا وثرواتنا، أمر متوقع من دول كبرى معروفة بمطامعها وبأساليبها السياسية والاستغلالية، ولكن يستغرب أن تحقق تلك الدول كل ما تريد عبر أعوان من داخل بلادنا، أصبحوا أدوات رخيصة وهم يحسبون أنفسهم يحسنون صنعا، أو يعلمون بحقيقة أدوارهم ويقبلون بها لأنفسهم، مقابل أمان زائف للبقاء في السلطة، أو متعة زائلة تتحقق بالتزلف للمتسلطين أو التعاون المباشر مع الأعداء الخارجيين.

 ليس أشد ما يحز في أعماق المخلصين مثلا أن تعلن واشنطون جهارا نهارا أنها ستحمي هيمنة الباطل في فلسطين إلى الأبد، وستزود الكيان الإسرائيلي بالسلاح بعد السلاح، والمال بعد المال، مهما بلغت الاعتداءات الهمجية وتقتيل الأبرياء وتهويد الأرض، ورفض أقصى ما مضى إليه القائمون على السلطة في بلادنا من تنازلات لا حق لهم بتقديمها؛ إنما يحز في النفس أن تجد واشنطون لنفسها بين المتسلطين في بلادنا من يعلن القضية قضية أمريكية جهارا نهارا، فيمضي في تنفيذ المخططات الأمريكية، التي لا يمكن أن تنفذ لولا هؤلاء.

قد يؤلم المخلصين أن الطائرات الإسرائيلية التي تقتل النساء والأطفال والشيوخ، طائرات امريكية، تلقي القنابل على رؤوس الأبرياء، وتهدم ما تبقى لهم من مساكن أو شبه مساكن، إنما قد يزيد ألمهم أن تمارس أنظمة عربية الضغوط على أبناء فلسطين، لمزيد من التراجع وعدم إحراج المتفرّجين، ولمزيد من فرض القيود على العمل الفدائي في أرضه المحتلة.

ثم إننا لا نعتبر بدروس الحاضر ناهيك عن دروس التاريخ، فكم من حدث أظهر مدى حجم التواطؤ مع العدو الأمريكي، كما كان عندما تقاتل اليمنان، أو عندما اشتدت المحنة على أهل سورية، أو عندما ازدادت الضغوط الشعبية على النظام القائم في مصر بعد معاهدة سلامه مع الإسرائيليين، ففي جميع هذه الأحداث ظهر الدور الأمريكي وظهر دور التواطؤ مع الأمريكيين.

هو تواطؤ مجسد في كيانات قائمة ومراكز نفوذ متغربة، وإن تحرر شعوبنا وبلادنا وثرواتنا من نفوذ الدول الكبرى وهيمنتها، إنما يكون بامتناع تلك الكيانات والقوى المحلية عن تنفيذ مخططات الدول الكبرى، أو بزوالها.
وإن الانتصار على أعداء بلادنا يبدأ في اللحظة التي نتجاوز فيها القيود المفروضة على النفوس والأفكار والألسنة، يبدأ في اللحظة التي ننطلق فيها من قول الله عز وجل {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللهَ ورسوله} يبدأ في اللحظة التي ننطلق فيها من الإخلاص في العمل لتغيير الواقع، وتجتمع جهودنا على ذلك فلا تصدنا عقبات يضعها الأعداء أو تضعها الأهواء في طريقنا، ولا تنحرف بنا أوهام يصطنعها مَن يريد أن تستمر الأوضاع المتردية القائمة على ما هي عليه من طغيان يتجبر على الشعوب، وتبعية ذليلة للأعداء.

وأستودعكم الله وأستودعه بلادنا وشعوبنا وقضايانا، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب