هل من مخرج من استمراء المذلة المنتشرة؟
لم يعد من خيار سوى الموت أو الحياة
خواطر – لن تستبق أي صيغة عملية للتغيير ولادتها الأولى في رؤية فكرية مستقبلية
خواطر
لم نكن، شعوبا ونخبا وأنظمة، في يوم مضى، كما نحن عليه الآن من استمراء المذلة بمختلف أشكالها، مع اقترانها غالبا بانتشار القنوط واليأس، وأحيانا قليلة بالتساؤل الحائر: أين بداية الطريق للخروج مما نحن فيه؟
كثير منا يحاول الإجابة بمجرد الإمعان في استرجاع بعض ما مضى من أحداث أشبه بالمعجزات، من عصور الفتوحات، أو كسر شوكة المغول في عين جالوت، أو شوكة الصليبيين في موقعة حطين، بل نسترجع أيام مقاومة المستعمر الغازي، والثورات ضد طغاة مستبدين؛ ولكن لا يكفي التأمل العاطفي فيما مضى، فكأننا نريد تعزية النفس بسبب مواتنا، وتهدئة غليان العار في جباهنا، ونحن نشغل أنفسنا عن الجواب الذي يفرض الفكر والجهد والعطاء والعمل.
إن التأمل في الأمثلة المذكورة من حلقات التاريخ القديم والحديث، وفي تسلسلها الزمني، يكشف لنا أن الاختلاف شديد فيما بينها من حيث إبداع الوسائل وأشكال العمل، مع وجود عناصر مشتركة، كقوة العقيدة، والتزام القيم، ورقيّ التربية الشخصية، ومفعول التخطيط المدروس، وحد أدنى من وحدة الصفوف، وصيغ متعددة من ممارسة المحاسبة الذاتية، وغلبة التطوير المنهجي المتواصل مما لا يخفى عن بصيرة الدارسين والباحثين.
كل هذه العناصر المختلفة والمشتركة بالغة الأهمية، وتفيد عندما نحررها من صندوق التفكير في نطاق حلقة زمنية محدودة بأعمارنا، أفرادا وجماعات ومؤسسات، أي نحررها من تقييد الأمل بالخشية من موافاة الأجل، فآنذاك نحصد اليأس والإحباط، وما أخطر حشر الرؤى المستقبلية والمخططات التنفيذية بقوالب زمنية قصيرة؛ هذا علاوة على توهم النجاح دوما كما لو كان عالمنا خاليا من عدو تجاوزنا بمراحل، وما زال يتحرك، فلا مجال للحاق به إلا بالتفوق عليه بسرعة الإنجازات، كيلا تزداد الهوة الفاصلة بيننا وبينه خطورة وعمقا؛ كيف؟
هذا ما كان يتحقق في كل قفزة تغييرية حضارية، وكان كل طرف يتحرك بما يقدر عليه لتتلاقى جهوده مع جهود سواه، ولا ينتظر أن يتحرك سواه نحوه بالضرورة.
لم يكن مفكرو التنوير الأوروبي ينتظرون بعضهم بعضا ولا كانت الإبداعات العلمية في عصر الازدهار الإسلامي تنتظر بعضها بعضا، هذا مع الاهتمام المتبادل ليحقق التكامل بين الجهود وما يتحقق من إنجازات.
وليقل من شاء أن يقول: هذا كلام نظري؛ حسنا، ولكن هل يستطيع أن يكشف بدلا من ذلك عن الصيغة العملية التي يراها مجردة عن الفكر النظري، وهي تحقق الإنجازات على درب المتغيرات الحضارية والعسكرية والعلمية والأدبية وسواها. لن تستبق أي صيغة عملية ولادتها الأولى في رؤية فكرية مستقبلية، تشتغل بصياغة منطلقات ومبادئ وتنعكس في تربية الأفراد والأجيال المتعاقبة على الأخذ بها، بعد أن نستوعب متغيرات التاريخ القديم والحديث وما يصنعه عالمنا المعاصر من حولنا، بل ما أصبح يصنعه على حسابنا مع توظيف ما تصنع أيدينا ببعضنا بعضا.
وأستودعكم الله وأستودعه أبصارنا وبصائرنا، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب