مناجاة – سلام كريم من شهر كريم

بين يدي رمضان مجددا

ثم إنّ الشهر الكريم ما يزال يقبل علينا – رغم ما نحن عليه – فما أكرم الكريم وهو يثبت قلوب الذين آمنوا

184
كم مرة أقبل رمضان ولم نقبل عليه حق الإقبال، وما يزال يقبل علينا عسى يتغير ما بأنفسنا قبل فوات الأوان
٥:٠٠ دقلئق
النسخة الصوتية

النص الكامل للتسجيل

أيها الكرام.. أين نحن من شهر التغيير.. شهر رمضان.. شهر الجد والعمل والبذل والعطاء

لقد أقبل الشهر الكريم مجددا، بالأنوار والعطاءات، بالرحمة والصلوات، بالسكينة في العبادات، بالذكر والإنفاق، بذكريات عابقة بتحقيق انتصارات أشبه بالمعجزات.

أقبل الشهر الكريم وما أكرم الكريم الذي ينعم به على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يناديهم أن أقبلوا على الغفار الرحيم، الجبار العظيم، الله.. الذي لا إله إلا هو، ولا رازق إلا هو، ولا ناصر إلا هو، فإن أقبلتم أعطى ممّا لا ينفد من نعمه ورحمته، ورعايته ونصرته، يهدي سواء السبيل إلى ما يُظهر الحق ويزهق الباطل، ويحق العدل ويمحق الظلم، ويعيد للإنسان في هذه الحياة الدنيا إنسانيته، وما يفتقده من استقرار وسعادة وطمأنينة، وأمن ورخاء وسلامة، ورقي وازدهار وتقدم، ويزيده الأجر الوفير في الآخرة إن آمن وعمل صالحا يرضاه.

كم أقبل رمضان ومضى ولم نقبل عليه حق الإقبال، وحل علينا وودعنا فما أكرمنا وفادته حق الإكرام، وأعطانا بلا حساب ومنعنا عنه أنفسنا إلا قليلا، وما يزال يقبل علينا عاما بعد عام، عسى يتغير ما بأنفسنا قبل فوات الأوان وفناء الأبدان.

منا من يصوم ويفطر ولا يذكر الصائمين على مدار العام ممن يفتقدون لقمة الطعام.. ونحن نراهم حولنا يزيد تعدادهم ويشتد بؤسهم سنة بعد سنة ويوما بعد يوم

منا من يقوم ويتهجد ولا يذكر المظلومين في السجون والمعتقلات والمشردين في الآفاق.. بل نكاد نرتاح إذا تناسيناهم خشية على أنفسنا من أن ينوء بنا نحن ثقل ما يعانون هم من الآلام..  

منا من يقرأ القرآن ويختمه ولا يذكر أن الله {هو الذي أنزله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}.. فهل نحكم على أنفسنا كما ينبغي ليحق لنا التطلع إلى يوم يحكمنا حيثما كنا من أنحاء الأرض..
ومنا فريق جعل رمضان موسما لحقن الفضائيات بمسلسلات ومسابقات فيها القليل من النفع والكثير من الضرر، وأدمن كثيرون عليها فلا يميز غالبهم بين هذا وذاك إلا نادرا، وينتهز حلول شهر القرآن ليجعله “مناسبة” يطرح فيها ما يطرح طلبا للمال ولو كان حراما، ونشر الفحش وإن زاد به غثاء السيل غثاء، ولولا القليل القويم من ذلك لحق القول إنها تراكمات من باطل فوق باطل فلا يأبه بحرمته المنتجون والمروّجون ومشرّعو قوانين صنعتها، ولم يرتدعوا بما ينتظرهم من عقاب على إغواء من أغووا بها.

ثم إنّ الشهر الكريم ما يزال يقبل علينا عاما بعد عام -رغم ما نحن عليه- فما أكرم الكريم وهو يثبت قلوب الذين آمنوا، ويبشر العاملين الصادقين، بأن شهداءهم في جنة الخلد ينعمون، وأن المجاهدين الصابرين على ما أصابهم لا ريب منتصرون فائزون، وأن الجبابرة الصغار من عهد النمرود وفرعون وقارون إلى يوم القيامة، مهزومون في الدنيا، صاغرون في الآخرة، وعدا ممّن لا يخلف وعده، ولهذا نستقبل رمضان هذا العام أيضا، مؤمنين به تعالى، مصدقين بوعده، ملتزمين بدينه، موقنين بعدله وحكمته، راجين عونه ونصره، ومن كان في كنف الله شاكرا وصابرا، كان أمره إلى خير دوما، فكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله صالح العمل، وأعاده علينا بانتصار الحق على الباطل، إنه على كل شيء قدير.

نبيل شبيب