مقالة – من مداد القلم في رمضان الثورات

هي ثورات الإيمان تصهر الإنسان كما يصهر الحديد وتعيد صناعته إنسانا آخر، قادرا على صناعة التغيير، وصناعة الحياة، وصناعة الحاضر والمستقبل

32

معذرة يا رمضان

معذرة يا رمضان، كم سمعت مع حلول ليلتك الأولى عبارات التهنئة والمباركة، كما لو حصلت بقدومك على جائزة كبيرة، كما لو أصبحت حقا من عتقاء شهر رمضان، وما انقضت أيامك بعد ولا دخل حتى موعد صيام أولها.

معذرة يا رمضان

لا أستطيع تهنئة نفسي بقدومك، هكذا كما اعتدنا تبادل التهنئة في استقبالك كل عام.

معذرة.. أن يغلب على لساني قبل التهنئة السؤال: هل أصبح مجرّد قدومك يا رمضان كافيا لتبادل التهاني، فكأننا نوزع على بعضنا بعضا (صكوك الغفران) مسبقا؟ 

ألا نتعامل في حديثنا عنك وما فيك من مغفرة وعتق من النار يا رمضان، وكأننا ننفق (دون حساب) من حساب (دون رصيد)؟
ألا نشعر وكأننا جعلنا منك يا رمضان (موسما جميلا للعبادة) وموعدا مضمونا للتعويض في أيام عن تقصيرنا طوال العام؟
معذرة يا رمضان

. . .

من يعبد الله بالصلاة والصيام والذكر، يعبد الله بثورته على الطاغوت دفاعا عن أهله وأهل بلده.

. . .

لا تكتمل العبادة دون سلوك طريق تغيير الواقع.

. . .

ليس التغيير المطلوب واجبا فقط، بل هو ممكن أيضا، وبسلوك طريقه لا يكون رمضان مجرّد شهر "روحاني" كما يراد له أن يكون، بل يكون كما أراده لنا ربّ السماوات والأرض شهر عبادة متكاملة تستمدّ من الصلة بالله القوّة، وتتحرّك بالإنسان هنا على وجه الأرض أثناء حياته الدنيا بتلك القوّة، ليكون من الناجين يوم القيامة.

. . .

هي ثورة الإيمان تصهر الإنسان كما يصهر الحديد وتعيد صناعته إنسانا آخر، قادرا على صناعة التغيير، وصناعة الحياة، وصناعة الحاضر والمستقبل.

. . .

يزوّدنا رمضان بيقين أرسخ أنّ التغيير الكبير المرجو في حياة الإنسان وواقع البشرية قد بذر بذوره، وبدأ يطلّ من وراء الآفاق، ولن تحجب نوره سحب الوحشية العسكرية التي تُطلّ من جديد بأبشع صورها، وكأنّما أدرك الذين يشعلون أوارها، أنّ إفلاس الفكر والقيم والأخلاق، جعلهم مجرّدين من كلّ سلاح ينتصر على إرادة الإنسان، وعلى صناعة المستقبل.

ولعلهم يحسبون أنّ باستطاعتهم تدمير الإنسان وتدمير المستقبل بما يستخدمونه من أسلحة الدمار الشامل(!) وما هم بذلك إلا على طريق الهلاك التي سبقهم في سلوكها النمرود وفرعون وهرقل وكسرى، فضاعوا وضاعت امبراطورياتهم، وانبلج فجر الحقّ باستمرار من بعد كلّ ليلٍ هيمنَ الظلمُ في جنح ظلمته على البشرية حينا من الزمن.. قصيرا في عمر التاريخ!

. . .

لا تغيير دون وعي بالحاضر ورؤية مستقبلية..

نعم.. ولكن ليست صياغة الرؤية البعيدة المدى ومشروع بناء المستقبل من مسؤولية أهلنا المدافعين بأنفسهم ليلا ونهارا عن حاضرنا ومستقبلنا في ميادين المواجهة، ولا من مسؤولية أهلنا المحاصرين الصابرين.

إن القادرين خارج نطاق المواجهة والحصار، على أداء هذه المهمة الجليلة، يرتكبون -إن تقاعسوا عن النهوض بمسؤوليتهم- إثما كبيرا، تجاه أنفسهم وأهلهم وبلدهم والأجيال القادمة.. وهيهات أن ينفعنا من دون ذلك في هذا الشهر الفضيل الاكتفاء بذكر لا يحيي القلوب والعقول ودعاء لا يقترن بالتخطيط والعمل.

نبيل شبيب