مطالعة – مجرد بداية بقلم آنيا ريشكي

الكتاب أقرب إلى عدة كتب حول ما يشغل ألمانيا بشأن اللجوء والتعامل مع أوضاع جديدة

68
آنيا ريشكي: اللجوء لألمانيا مجرد بداية

ــــــــــ

آنيا ريشكي: اللجوء لألمانيا مجرد بداية
آنيا ريشكي: اللجوء لألمانيا مجرد بداية

العنوان الرئيسي: وهذا مجرد البداية فقط
العنوان الثاني: ألمانيا واللاجئون
٢٦ كاتبا مشاركا – إدارة التحرير: آنيا ريشكي
الناشر: دار نشر روفولت / هامبورج
الطبعة الأولى: ١٢/  ٢٠١٥
عدد الصفحات: ٣٣٦ من القطع المتوسط
(كل نسخة مباعة يخصص من ريعها يورو واحد لدعم اللاجئين)

واكب صدور هذا الكتاب مسار أحداث جارية بصدد موجة اللجوء إلى ألمانيا، ونقاشا سياسيا وإعلاميا مكثفا حول سبل التعامل معها بعد استقبال أكثر من ٩٧٥ ألف لاجئ عام ٢٠١٥. وتصاعدت قبل رحيله الضغوط على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي اتخذت قرار فتح الأبواب تحت تأثير تعاظم حركة التشريد عن سورية، وتقابل الضغوط نسبة عالية من التعاطف الشعبي والإعلامي، تشمل المشاركين في تأليف هذا الكتاب، وتنعكس في مواضيعه، التي لم تتطرق بطبيعة الحال إلى ما وقع عقب نشره، وينذر بنكسة محتملة تحت وطأة عمليات “التحرش والسرقة” خلال احتفالات ليلة رأس السنة الميلادية أمام المحطة الرئيسية بمدينة كولونيا وفي مدن أخرى، وقد سارع اليمين المتطرف إلى استغلال هذه الحوادث، ولم يعد يستبعد في هذه الأثناء تشديد القوانين الحالية. ويُحسب في رصيد آنيا ريشكي – التي أنجزت خلال فترة وجيزة إدارة تحرير مواضيع هذا الكتاب (٢٦ كاتبا) – أنها سبقت سواها في تقويم ما حدث في كولونيا بقولها يوم ٨ / ١ / ٢٠١٦م في برنامج “بانوراما” للقناة التليفزيونية الأولى في ألمانيا، بترجيح وقوع “نشل جماعي منظم” تضمن عمليات التحرش لمشاغلة النساء عن سرقة ما يحملن من هواتف ذكية وغيرها، بعد أن غلب الحديث عن “التحرش” في حملة إعلامية متسرعة ضد “اللاجئين السوريين” وذوي الأصول العربية.

هزة اجتماعية لها ما بعدها
آنيا ريشكي تعلم ما تقول من خلال سعة اطلاعها وطول خبرتها الإعلامية التي أوصلتها إلى مركز مرموق برئاستها قسم تحرير الشؤون الداخلية في القناة الأولى للتلفزة الألمانية، وحملت من قبل المسؤولية ١٤ عاما عن برنامج بانوراما المذكور آنفا، وهو الأبرز من سواه من بين برامج التلفزة حول السياسات الداخلية الألمانية، وهذا مما مكنها من استقطاب أقلام متميزة عديدة للمشاركة في تحرير الكتاب، وفق خطة تظهر من عناوين أبوابه الأربعة: أسباب الفرار، طرق اللجوء، ألمانيا وأوروبا، نظرة استشرافية، وضمت الأبواب الأربعة ٢٢ فصلا بعد تمهيد لها في ثلاث مقدمات تكشف الهدف من نشر الكتاب.

المقدمة الأولى بقلم آنيا ريشكي وتحمل عنوان الكتاب نفسه “وهذا مجرد البداية فقط”، فتبين أن المقصود هو بداية جملة من التوقعات والمخاوف المرتبطة بما ينتظر من المجتمع الألماني وهو يواجه “هزة” عميقة بصدد التعامل مع ارتفاع نسبة اللجوء ارتفاعا كبيرا، فانطلق حوار لا يدري أحد إلى أين سيصل، رغم إشارة ريشكي إلى أن الدراسات تبين أن جيل الشبيبة -وبالتالي عماد تشكيل المستقبل- لا ينظر بغالبيته نظرة سلبية إلى ارتفاع نسبة ذوي الأصول الأجنبية في ألمانيا.

أما الوصف المعبر عن المرحلة الراهنة فهو “أهلا باللاجئين” مع إشارة تعجب عنوانا للمقدمة الثانية بقلم ماكسيمليان بوب، المحرر في مجلة دير شبيجل حول قضايا الهجرة والإسلام وتركيا والعنصرية، وكان قد درس الصحافة في ألمانيا والعلوم السياسية في تركيا، ويبين أن “سياسة الترحيب” لم تنشأ من فراغ، وكان اللجوء غائبا عن قائمة القضايا الأهم في مطلع عام ٢٠١٥ وطرحته “قوارب الموت” في الربيع، ثم تحولت النظرة العدائية في الصيف الماضي تدريجيا إلى “أجواء ترحيب شعبي متصاعد” انعكس أخيرا في مظاهر استقبال أول موجة من اللاجئين السوريين برا في ميونيخ بعد الإعلان عن فتح الحدود.
ويكتمل التمهيد بجرعة أدبية وعاطفية في المقدمة الثالثة بعنوان “الحياة في المنفى وألم الاضطرار إلى مغادرة الوطن” بقلم باهمان نوروماند، الكاتب والأديب والناشر المعروف، البالغ ٨١ عاما من عمره، وهو إيراني الأصل هاجر من طهران إلى منفاه بألمانيا بسبب معارضته للشاه ١٩٦٥، وعاد أثناء الثورة الإيرانية ليهاجر مرة ثانية عام ١٩٨١، فتحدث في مقدمته عن خبراته الشخصية متسائلا في الختام عن كلمة “الوطن” وهل ستكتسب مفهوما جديدا، غير الذي ما يزال -وهو في الثمانين- يحن إليه ويبحث عنه فيمن يلقاهم من شباب بلده الأصلي.

سورية وانهيار جدران التحصين
بعد الإطار العام من خلال المقدمات الثلاثة في بضع وثلاثين صفحة من أصل أكثر من ٣٣٠ صفحة، تتكامل في الفصول التالية تخصصات المحررين، كل في موضوع الفصل الذي يتناوله.
في أول فصول الباب الأول (أسباب الفرار) تطرح جابرييلي جيللن، المحررة ومقدمة البرامج في محطة “غرب ألمانيا للتلفزة والإذاعة”، نظرة شاملة مبدئية حول “اللاجئين” تحت عنوان (لماذا ومن أين وإلى أين؟) تليها في الفصل التالي بعنوان (سورية دولة تتفكك) نظرة من أعماق الوضع الذي يدفع اللاجئين إلى مغادرة بلدهم  سورية، وهو بقلم المحررة كريستين هيلبيرج، التي درست العلوم السياسية، وكانت هي المراسلة الوحيدة في دمشق لمدة سبع سنوات، وقد صدر لها لاحقا كتاب بعنوان “في بؤرة الحدث سورية – نظرة في داخل بلد مغلق”، وتكشف في هذا الفصل عن طبيعة السيطرة على البلاد في عهد الأسدين، وعن انتشار الفساد واتساع هوة الفقر والثراء نتيجة انفتاح اقتصادي دون تغيير سياسي، وعن إخفاق “استراتيجية” البطش والتعذيب للثائرين سلميا لردع سواهم، كما تشرح للقارئ الألماني أسباب ظهور فصائل متطرفة تعتمد على شبكات إرهابية خارج الحدود، نتيجة تغييب الدعم الفعال عن الفصائل المحلية المسلحة الناشئة مقابل الدعم الخارجي الضخم للنظام نفسه، وتفصل في الأساليب المتبعة من جانبه ليصبح عدد النازحين في الداخل أكثر من سبعة ملايين والمشردين في جوار سورية أكثر من أربعة ملايين، وتقول: “طالما أن السوريين لا يجدون الحماية داخل وطنهم لا بد لنا من تأمين الحماية لهم هنا في أوروبا”، وتضيف في الختام “لقد أهملنا شأن السوريين سياسيا وعسكريا وإنسانيا لخمس سنوات، فلا أقل الآن من تأمين طريق قانوني وآمن إلى أوروبا، وآنذاك يتحول تيار الهجرة الذي لا يمكن ضبطه، إلى مدخل منظم لمن يحتاج المساعدة”.
وبعد نظرة مشابهة إلى اللاجئين من البلقان في الفصل التالي تؤكد دانييلا دان المحررة الحاصلة على جوائز عديدة “مسؤولية الغرب التاريخية عن اللاجئين” في الفصل الرابع من هذا الباب تحت عنوان (ثلوج الأمس طوفان اليوم)، مع الإشارة إلى أن “الجميع” يعلم بذلك وهو ما تعبر عنه المطالبة المتكررة بأن “تعالج المشكلة من جذورها باقتلاع أسباب اللجوء” في مختلف المناطق من العالم، مع تحميل الحروب الأمريكية مطلع هذا القرن المسؤولية عن انتشار الإرهاب وتغطيته على مآسي اللجوء والتشريد.

الباب الثاني بعنوان (طرق الفرار) يتوسع في طرح مشاهد تيارات اللجوء بحرا وبرا في ٩ فصول، تتناول المعاناة الإنسانية، وأنشطة عصابات تهريب البشر، وردود الفعل الغربية التي يرمز إليها عنوان “تحصين الحدود الخارجية”، كما يخصص فصل للمعاناة والأخطار المضاعفة التي تتعرض لها النساء وآخر لمثل ذلك على صعيد الأطفال والناشئة، ويطرح أحد الفصول تفاصيل رحلة اللجوء على لسان لاجئ أفغاني يحمل اسم “جواد”.
ويختتم الباب بفصل تحت عنوان “أين تبدأ القلعة الأوروبية المحصنة؟” وتتحدث فيه جابرييلي جيللن، عما تصفه ” برحلة في العقول وفي القارات”، فتستعرض فيه خطوات تحصين أوروبا وإجراءاتها في مواجهة “اللاجئين” عبر السنوات الماضية لتقول في الحصيلة: “توجد حجج عديدة أخلاقية واجتماعية واقتصادية لمعارضة بناء الأسوار الفاصلة، ولكن أقواها هي الحجة الواقعية: هذا غير ممكن أصلا”.

ما العمل؟
تحت عنوان (ألمانيا وأوروبا) تعالج الفصول الستة في الباب الثالث مشكلة اللجوء من المنظور الألماني والأوروبي، وتبدأ تحت عنوان (المشبعون والجائعون) مع الكاتب هيرفريد مونكلر، الأستاذ الجامعي في برلين، وقد انطلق من ظاهرة الهجرة عبر التاريخ، وظهور الدولة القومية مع الاعتقاد بنهاية عصور الهجرات الكبرى، واعتبر العنصر الأهم في الهجرة الحالية أنها قضت على أوهام إمكانية “ضبط” الهجرات في أوقات الحروب والكوارث، كما فصل فيما يتردد عن مصالح وفوائد تتحقق عبر المهاجرين الجدد، واعتبر العامل الأهم منها أنهم يجددون الحياة في مجتمعات بدأ يسيطر عليها “الركود” بالمعنى الاجتماعي وليس الاقتصادي للكلمة، ويقابل ذلك توقعات محقة تجاه اللاجئين أن يتكيفوا مع ما حولهم ولا يتصوروا إمكانية متابعة حياتهم كما اعتادوا عليها من قبل بحذافيرها.

ويتحدث يوخن أولتمر، أستاذ التاريخ الحديث والخبير في شؤون الهجرة عبر إدارة مركز أبحاث وعدد من الكتب التي نشرها، عن الأرضية القانونية التي تستند إليها “حماية اللاجئين في جمهورية ألمانيا الاتحادية”، وبعض ما طرأ عليها من انتقاص في نهاية القرن الميلادي العشرين، وضرورة الانطلاق منها في التعامل مع المعطيات الحالية للهجرة واللجوء.

‎ومقابل ذلك يحذر باتريك جينزينخ المحرر الإخباري ومؤلف كتابين عن التطرف اليميني مما أسماه (الجبهة الشعبوية من اليمين) بمعنى الأحزاب والتجمعات من اليمين المتطرف طارحا طريقة عملها في الشارع لإنشاء شبكات اجتماعية تعتمد عليها.

(القادمون بشر.. أعطوهم عملا) بهذا العنوان ينتقل توماس شتراوبهار، الأستاذ الجامعي ومدير معهد الاقتصاد العالمي في هامبورج، إلى المنظور الأوروبي في التعامل مع قضية اللجوء بعد المنظور الألماني في الفصول السابقة، فيركز على “العوامل الاقتصادية” من خلال بيان السلبيات والإيجابيات على المستوى الوطني والأوروبي، وما ينبغي صنعه للوصول إلى حلول مستدامة.

وتدخل الفصول التالية في بعض التفاصيل حول تطوير قوانين اللجوء الأوروبي ما بين نظرتين أساسيتين تأمين حماية اللاجئين.. أو الوقاية الذاتية من قدومهم، مع استعراض أساليب التعامل المتعددة مع المشكلة حاليا، والتي حملها فصل بعنوان “اللامسؤولية المنظمة”.

ويطرح الباب الرابع بعنوان (نظرة استشرافية مستقبلية) جملة من التصورات المستقبلية حول متطلبات التعامل مع اللجوء واللاجئين، وأبرزها الدعوة إلى ترسيخ صيغة “التعددية” للتوجه العام وبالتالي كمهمة اجتماعية في مستقبل ألمانيا، كما تقول نايكا فوروتان الأستاذة الجامعية لشؤون الهجرة والسياسة الاجتماعية في برلين والعاملة في أكثر من منصب إداري للبحوث حول ذلك وحول الإسلام في ألمانيا. تلي ذلك أطروحات تطبيقية يطرحها هارالد لولاين، من منطلق خبراته العملية في التعامل مع اللاجئين، وترتبط بتجنب أجواء العداء، وتأمين السكن واللغة وغير ذلك مما يساعد على الاندماج في واقع حياة اللاجئ في مجتمع جديد عليه.
ويتضمن أحد الفصول إطراء خاصا لسياسة السويد، فهي “صورة نموذجية للاندماج”، رغم ارتفاع نسبة استقبال اللاجئين فيها، أما السياسة الأوروبية حول الهجرة واللجوء فتحتاج إلى تطوير جذري يتلاءم مع حقيقة أن ظاهرة الهجرة واللجوء في التاريخ البشري ليست جديدة، بل قديمة منذ بدء التأريخ.

وفي الكتاب مزيد لا يتسع المجال له، فهو أقرب إلى عدة كتب تتناول سائر ما يشغل المواطن الألماني في التعامل مع أوضاع جديدة تطرح عليه كثيرا من الأسئلة التي تحتاج إجابتها إلى النظرة الموضوعية المتخصصة والبيان المبسط للقارئ، وهذا في مقدمة ما يتميز به هذا الكتاب.

نبيل شبيب