مطالعة – الاحتلال الإيراني لسورية – بقلم مطيع البطين

مطالعة في كتاب يطرح قضية بالغة الأهمية بقلم باحث مطّلع يقنع القارئ بفكر يكشف عن تخصص المهندس ووعى يكشف عن تخصص العالم الورع

87
مطيع البطين وكتابه الاحتلال الإيراني لسورية

ــــــــــ

من عرف الأخ والأستاذ مطيع البطين منذ مطلع الثورة الشعبية في سورية فقد عايشه وهو يفكر ويخطط ويتواصل ويعمل من أجل الثورة منذ أيامها الأولى داخل سورية ثم عندما اضطر لمغادرتها ليتمكن من مواصلة عمله لثورة شعبها. ومن عرفه عندما اختار لنفسه عضوية المجلس الوطني فقد عايش حرصه على أن يمثل فيه الحراك الثوري، كما عايش استقالته بعد زهاء عام واحد عندما رأى طريق تحقيق ذلك الهدف مسدودا في وجهه. إنما لم ينقطع بذله الجهدَ في كل مجال سنح له لخدمة الثورة الشعبية وأهدافها، ومن ذلك مجال عضويته في مجلس أمناء المجلس الإسلامي السوري، وقد تركز كثير من جهوده المعروفة للجميع على محور لا يستهان بأهميته، وهو الهوية “السورية” وما تعنيه من حيث الانتماء والعقيدة والفكر والعمل، وهذا مع كشف ما يتهددها من أخطار داهمة، مع طرح رؤيته للسبل الناجعة من أجل مواجهة تلك الأخطار ودفعها.

كتاب الاحتلال الإيراني لسورية بقلم مطيع البطينهذا بالذات ما يشكل المحورين الرئيسيين لمحتويات كتابه “الاحتلال الإيراني لسورية – الممارسات والمواجهة”، الصادر بطبعته الأولى أواخر عام ٢٠٢٠م عن مكتبة الأسرة العربية في إسطنبول، في ١٨٤ صفحة من القطع المتوسط. واختيار كلمة احتلال لا يعني فهمها تقليديا، أي كما كان يوصف الاستعمار التقليدي العسكري في الدرجة الأولى، وقد ظهر تاريخيا أن العسكر يرحل ويبقى الاحتلال، فهو ما يتجلى في احتلال عقدي وفكري ثم قيمي وسلوكي، ومن ثَمّ يأتي الاحتلال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري، ومن هنا وصف الكاتب للاحتلال الإيراني بأنه “إحلالي”، إذ يصل بخطورته إلى أقصى درجة من خلال أدواته المعادية بما فيها التغيير “الديموغرافي”.

وواضح أن محتوى الكتاب يتعرض بذلك لقضايا من قبيل الطائفية والتشيّع، أي ما بات يوصف بأنه من القضايا الشائكة، ذات الحساسية، ليقال إن الكلام فيها يضر بشعب سورية وثورته، وكأن هذا من أدوات نشر الامتناع عن مجرد الكلام في مواجهة عدوان داهم وخطير، وبالتالي تعطيل التفكير بإطلاق الطاقات اللازمة لمواجهته، مقابل استمرار ما يوضع من مخططات وما يبذل من جهود متواصلة، تبلغ مستوى الأعمال الإجرامية الدموية، الجنائية المباشرة وما يندرج تحت عناوين جرائم ضد الإنسانية وجرائم حربية،وإلا فماذا تعني التحذيرات عبر تعابير “شائكة” و”حساسة” سوى التعطيل الميبق للبحث عن صيغ مشروعة في مواجهة عدوان غير مشروع، وهو يتواصل ويتصاعد حتى بلغ بالفعل درجة الاحتلال بجميع أبعاد هذه الكلمة؟

رغم ذلك يدرأ الكاتب عن نفسه أن يجري توظيف ذلك الأسلوب التضليلي لدفع العامة من أهله للتخوف مسبقا من مطالعة الكتاب، فيسجل ملاحظته حوله في أول صفحة بعد الفهرس فيقول:

(الملاحظة الأولى: إن العبارات والكلمات التي تحمل معنى طائفيا في الكتاب تم استخدامها بغرض أدائي ومعرفي، وليس من أهداف البحث هنا ولا مراميه الدخول في الأبعاد الطائفية، بل إبعاد شبحها والتحذير من مخاطرها).

كما يورد الكاتب الملاحظة الثانية للتنويه بعدم اعتماد التوثيق للشواهد بالأسلوب المتبع في الدراسات المحكمة، علما بأن الكاتب حافل بهوامش توثيق ما يورده مؤلفه، علاوة على الصور والأسماء والوقائع والتواريخ، وعلما أيضا بأن من تابع الكاتب في حواراته الفكرية والإعلامية، يعلم أنه لا ينسج الكلام اعتباطيا، بل يضعه لبنة بعد أخرى كما يصنع المهندس المعماري – وهو متخصص في الهندسة المعمارية – في تشييد أحد الأبنية، وهذا ما يتبين أيضا بالعودة إلى صفحة المراجع آخر الكتاب.

ويبدأ الكتاب بالحديث عن الدافع لتأليفه، ثم طرح مكونات المشروع الاحتلالي الإيراني في سورية، مع بيان أسباب اختيارها تحديدا، وأين مكامن مادة التفكير الإيراني لمضمون الاستهداف، ثم المواقع الجغرافية السورية المستهدفة، وهذا قبل الانتقال إلى تعداد الأساليب المتبعة في تنفيذ المشروع في سورية، وجميع ذلك بصياغة واضحة، للعبارة التي يتطلع الكاتب من خلالها للوصول إلى تحقيق غايته وهي “بث الوعي والدعوة إلى العمل البناء” بما يتجاوز حدود الوصول إلى المتخصصين.

وخصص الكاتب الفصل الثاني لبيان الأساليب المتبعة في تنفيذ المخطط بعد الحديث عن مضمونه في الفصل الأول، فتناول الأساليب الإعلامية والثقافية والمالية والاقتصادية وما وصفه بالاستثمار في شخصيات النظام، فالشعارات المضللة، حتى جاءت الوسائل العسكرية في الدرجة السابعة من ترتيب الأدوات، تليها الأساليب التربوية والتعليمية، فالتغيير “الديموغرافي” والأساليب الاجتماعية.
وإذا أخذنا أداة التغيير “الديموغرافي” مثالا على أسلوب الكاتب في تعريفه بتلك الأدوات، نجده يعدد التجنيس والتهجير الطائفي، ويوثق ما يصنع عن طريق هذا وذاك بما ينقل عن مصادر إيرانية وإعلامية، مع ذكر عدد من الأسماء والوقائع كأمثلة، ومع ذكر التفاصيل في مجرى بعض أحداثه وتحديد من شارك من الميليشيات المعادية المنفذة لعمليات التقتيل والتهجير.  

ويلفت النظر في الحديث في الفصل الثالث عن مواجهة المشروع الإيراني، أن الكاتب يعطي ما يصفه بالذراع الإعلامي الأولوية في ترتيب الأدوات المناسبة، يليها العلماء والدعاة، ثم التوثيق مع التأكيد عليه، فالمقاومة، فالأسرة، فالعشائر، ويصل في الختام إلى فئة الحقوقيين والمنظمات الحقوقية وفئة السياسيين والهيئات والأحزاب السورية، ولعل المقصود بهذا الترتيب هو تحقيق هدف الوعي بالمسؤولية الذاتية والفردية أولا، أكثر من ترتيب “المسؤولية” على نخب سياسية وحقوقية عن أداء العمل المطلوب، وقد يكون في ذلك نقد غير مباشر لهبوط مستوى العطاء من جانب تلك النخب بما يتوافق مع حجم مسؤوليتها وإمكاناتها.
وعلى أية حال يوجه الكاتب كلماته إلى عموم السوريين، في “الخاتمة” فأفراد شرائح المواجهة مطالبون بإدراك “مقدار العمل الذي يقومون به وأهميته” فإن تركوا ذلك “فإن الخلل يأتي من قبلهم وأن المسؤولية أمام الأجيال والتاريخ هم من يتحملها”. وهذا واجب يسبق الواجبات الأخرى من قبيل مطالبة الشرفاء والأحرار في العالم بالمساندة ومن قبيل السعي لوقوف دول المنطقة مع شعب سورية في هذه المواجهة.

وبعد فهذه مطالعة سريعة وموجزة للكتاب الذي تفضل مؤلفه – حفظه الله – بإهداء نسخة منه لكاتب هذه السطور، ولا تغني قراءة المقالة عن قراءة الكتاب، ويرجى في الوقت نفسه أن يكون التوسع في الموضوع مدخلا لمزيد من الدراسات الاختصاصية والمستقبلية، فقد بدأت المعركة الحقيقية قبل أكثر من نصف قرن، وشهدت جولات عديدة، ولا بد من جولة حاسمة، مصداقا لقوله تعالى [وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا].

نبيل شبيب