محور إقليمي ثلاثي بين الواقع والأوهام

دعوة إردوجان لمصر وسورية إلى محور تضامني

رأي – يبدو المحور الثلاثي مستحيلا مبدئيا ولكن المتغيرات المتسارعة تجعل المستحيل محتملا

47
٥:٥٠ دقيقة

رأي

لا يوجد في ممارسة السياسة محظورات دائمة ولا مطالب ثابتة، بل توجد سياسات متقلبة مع المتغيرات المرتبطة بتبدل المعطيات وبتوظيف الأحداث، وبتأرجح المصالح، وبتأويل القوانين الدولية والإنسانية، وأحيانا نادرة ببعض التأثير من جانب منظومات القيم ومعايير العدالة، أما تحقيق الأهداف فمرتبط بما يمتلك السياسيون من أسباب القوة والقدرة على إدارتها.

من لا ينطلق من هذا النسيج في متابعة صناعة القرارات وتنفيذها، يفاجأ دوما بتتابع انعطافات الأحداث المعاصرة؛ أما انتشار سياسة مرتبطة بالعدالة وقيمها على نطاق واسع، فهو رهن إيجاد نموذج متكامل معاصر يجسد المقصود بقوله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل} ـالنساء: ٥٨- وهذا مع فهم كلمة حكم في هذا الموضع أنها تشمل الفصل بين الناس في الجانب السياسي كسواه.

هذه توطئة لتعليل عدم التسليم بقول من يقول بحتمية استبعاد نشأة تحالف ثلاثي، أو محور إقليمي ثلاثي، يضم دول تركيا ومصر وسورية بسبب التناقضات القائمة بين أنظمتها الحالية.

*  *  *

حكومة تركيا التي بادر رئيسها إلى إطلاق الدعوة، تبحث عن دور إقليمي جديد بعد أن أصبحت معرضة لخطر استهدافها أكثر مما مضى، ومصر تواجه تصعيدا في الأزمات المحيطة بها بموازاة تداعيات طوفان الأقصى، كما تشهد مشكلة سد النهضة وسخونة الجوار الإقليمي في ليبيا والسودان، أما بقايا النظام في سورية فأخفقت محاولاته لاستعادة دوره الوظيفي كما كان، وبقيت صور تدمير المدن والقرى وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان مشهورة في وجهه جنبا إلى جنب مع تمييع المطالبة بمحاسبة من يرتكب انتهاكات تشابهها في غزة والضفة الغربية في فلسطين المحتلة.

بقي موقف النظام الأسدي من الدعوة، كما كان عند الإعلان مؤخرا عن عدم اعتبار الانسحاب العسكري التركي المسبق شرطا للاتصالات الثنائية حول المصالحة.

وسارع عبد الفتاح السيسي إلى زيارة تركيا وتوقيع سلسلة اتفاقات جديدة قبل يومين من انتقال الدعوة التركية للعلن، مدفوعا بواقع حصار الأحداث الدائرة حول مصر على طول حدودها دون أن يكون لمصر تأثير كبير عليها.

إنما قد يكون الجديد بالنسبة إلى البلدان الثلاثة:

(١) ربط إنشاء المحور إن نشأ بمساعي واشنطون لاستعادة توازن زعامتها الأطلسية عالميا بعد أن زعزعته تداعيات أوكرانيا وطوفان الأقصى.  

(٢) هل سيكون المحور المقترح من جانب تركيا وسيلة لضبط إيقاع العلاقات التركية-الأمريكية أطلسيا مجددا، وهل لهذا علاقة بصياغة الدعوة لتشكيل محور ثلاثي بأنه لمواجهة الأخطار الإسرائيلية (التوسعية) وليس المواجهة الشاملة التي تعني الوجود الإسرائيلي كثكنة أمريكية أطلسية في المنطقة.

(٣) ربما يضاف لذلك دفع مصر إلى الانضواء الرسمي تحت مظلة ارتباطات حلف شمال الأطلسي، بل ودفع النظام الأسدي إلى شبيه ذلك بعد أن أصبح الارتباط بإيران وروسيا سبب إشكاليات كبيرة.

(٤) هل يعزز ما سبق أن وزير الخارجية الروسي لافروف سارع إلى الإعلان عن اجتماع رباعي قريب يضم روسيا وتركيا وسوريا وإيران حول تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

على جميع الأحول إذا تشكل المحور فلن يتجاوز على الأرجح صفة محور تضامني، الواردة في الدعوة إليه، وهي صفة فضفاضة، وليس ممكنا اتخاذ إجراءات عملية سريعة تعطيه ما يكفي من الصلابة للقيام بدور إقليمي فعال؛ فالصلابة لا تنشأ بقرار فوقي وفوري، بل تتطلب زمنا كافيا لوضع مخططات ومشاريع تطويرية مشتركة وتنفيذها على مختلف الأصعدة، بدءا بالعلاقات المالية والاقتصادية والأمنية، انتهاء بالتنسيق السياسي في المدى المتوسط والبعيد.

ليست الإشكالية إذن إشكالية استحالة قيام المحور شكليا، فليس هذا مستحيلا مثلما لم يكن مستحيلا التحول من المقاطعة إلى المصالحة في العلاقات التركية – المصرية – الخليجية، إنما لن يكون له دور فعال بل قد يقع تفككه بأسرع مما انطلقت الدعوة لتشكيله بين ليلة وضحاها.  

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب