محاضرة – هيثم المالح – مفهوم الحق

رئيس جمعية حقوق الإنسان في سورية (سابقا)

تم إعدام آلاف المواطنين في السجون دون أن يتوفر لهم الحد الأدنى من الضمانات

0 40


pdf word

النص الكامل للتحميل مرفق بصيغة (word) و(pdf)

الإنسان – خلفية تاريخية – تطور حقوق الإنسان – مواثيق واتفاقيات وقرارات دولية معاصرة – المنظمات والجمعيات – واقع حقوق الإنسان – واقع حقوق الإنسان في العالم العربي – واقع حقوق الإنسان في سوريا – الآثار السلبية لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان – تعدد الأجهزة الأمنية وتداخل اختصاصاتها – ما هو المطلوب من نشيط حقوق الإنسان

ورد في لسان العرب لابن منظور:

الحق نقيض الباطل، وجمعه حقوق وحقاق، وفي حديث التلبية (لبيك حقا حقا) أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد لغيره، وقوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل)، قال أبو إسحاق: الحق أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن، وكذلك قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه..)

وحق الأمر يحق ويحق حقا وحقوقا: صار حقا وثبت، وقال الأزهري معناه وجب وجوبا، والحق اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته.

والحق قديم: فقد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). كما نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد ثلاثة عشر قرنا على ما يلي: (يولد جميع الناس أحرارا). وعلى بعد الشقة بين تاريخي هاتين الجملتين فإنهما تعطياننا فكرة عن كنه حقوق الإنسان الأساسية وتفصحان عن أبرز صفاتها، ولعل أبرز هذه الصفات هي:

١-  أنها موغلة في القدم: بمعنى أن هذه الحقوق موجودة منذ خلق الإنسان فهي ليست وليدة التطورات الاجتماعية والأحداث العالمية، لأن الإنسان كل إنسان بحاجة إليها لا يستطيع العيش بدونها، فلكل إنسان الحق في الحياة والكرامة والحرية… الخ.

٢-  الأبدية: وهذه الصفة تفيد أن حقوق الإنسان باقية ما دامت كرتنا الأرضية تضم على ظهرها البشر، لأن الإنسان لا يستطيع العيش بدونها لأنها الضمان الأساسي الذي لاغنى عنه ليحيا حياة حرة كريمة.

٣-  التلازم: بمعنى أنها ترافق الإنسان منذ تشكله جنينا إلى ولادته وحتى وفاته، ولا يستطيع أحد أن يحجبها عنه، فهي ملازمة للإنسان لم يمنن بها عليه أحد، ولم يمنحها له أحد، ولا تنفصم عنه مطلقا.

٤-  الإعلانية: فحقوق الإنسان موجودة حكما لا موجب لإقرارها من قبل سلطة تشريعية أو دستورية أو أية سلطة أخرى… وهذا ما أشارت إليه الأمم المتحدة عندما قالت (بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولم تقل بإقرار هذه الحقوق)، وإنما مهمة التشريع تنحصر في تنظيم ممارسة هذه الحقوق فحسب.

٥-  شمولية حقوق الإنسان: أي أن هذه الحقوق ليست قاصرة على فئة معينة من الناس ولا على بقعة واحدة في العالم ولا في زمان محدد من الأزمنة، وإنما هي حقوق موجودة أبدية ملازمة لجنس الإنسان في كل زمان ومكان.

الإنسان

ورد في لسان العرب لابن منظور عن معنى كلمة الإنسان واشتقاقاتها ومعناها أكثر من أربع صفحات من القطع الكبير، وفي شرحه طرافة ومعنى كبير وسأورد مختصرا لما قال في معانيه:

الأنس: الحي المقيمون، والأنس أيضا لغة في الإنس.

والأنس: خلاف الوحشة، وهو مصدر قولك أنست به بالكسر، أنسا وأنسة، وفي لغة أخرى أنست به أنسا، قال والأنس والاستئناس هو التأنس وقد أنست بفلان، والإنس: البشر، الواحد إنسي، وأنسي أيضا، والإنسان أيضا إنسان العين وجمعه أناسي.

وإنسان السيف والسهم حدهما، وجارية أنسة إذا كانت طيبة النفس تحب قربك وحديثك وجمعها آنسات وأوانس.

وإذا كنت قد أوردت بعضا من معاني لفظة إنسان فإنما فعلت حتى أصل إلى تحليل للفظ الإنسان من الأنس والإيناس أي لطف المعشر، وسيتبين معنا عقب هذه المقدمة أن الإنسان الخالي من مضمون معنى هذا الاسم لا يعد إنسانا وإن كان شكله شكل إنسان، إذ العبرة للمضمون وليس للشكل، وعلى هذا فقد ورد في حديث للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))!

والإنسان بحقوقه: فإذا كان يملك كل حقوقه كان كامل الإنسانية، وإذا انتقص له حق من الحقوق كان في ذلك انتقاص من إنسانيته، وكلما تعددت الحقوق التي تسلب من الإنسان يكون الانتقاص من إنسانيته بنسبة ذلك المقدار.

نجد مثلا في القوانين القضائية أن الحكم بالسجن يستتبعه حرمان المحكوم عليه من حقوق معينة يعددها القانون، منها حرمانه من الحقوق السياسية ناخبا أو عضوا في مجالس نيابية أو إدارية أو بلدية… كما يستتبع الحكم بهذه العقوبة حرمان المحكوم عليه من إدارة أمواله أو التصرف فيها إلا بإذن القاضي المختص… الخ.

والمرأة عندما يمنع عنها دستور أو قانون ممارسة الحقوق السياسية، أو أي حق منها أو من بعض الحقوق المدنية التي يملك الرجل ممارستها، أو تقييد تصرفاتها القانونية بقيد ما، ولا يساوي بينها وبين الرجل في الحقوق، فإن ذلك انتقاص من إنسانية المرأة.

كما عرفت بعض النظم والمجتمعات العزل السياسي أو المدني لأشخاص معينين، أ وطوائف أو قوميات معينة بحيث يحجب عنهم حق ممارسة الحقوق السياسية والمدنية فإن هذا العزل انتقاص من إنسانية الشخص المعزول، كل هذا وغيره مما لم يرد ذكره يظهر لنا أهمية العمل من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في كل جزء من أجزاء وطننا العربي الكبير، وقطرنا السوري بخاصة، لخير وطننا وخير الإنسانية في مسيرتها نحو الأفضل.

خلفية تاريخية

كان المجتمع في مجاهل العصور القديمة مبنيا على قاعدة (الحق للقوة) ولم تكن الحرية الشخصية ولا غيرها من الحريات معروفة ولا ثابتة، فالرق كان معروفا كشيء طبيعي مألوف، وكانت شعوب كثيرة مستعبدة، وكان يتم الاسترقاق لمجرد وقوع شخص المدين تحت سلطة الدائن، والمرأة مهينة وعرضة للوأد، ومعظم الحقوق سائبة.

لقد كانت الأعراف والتقاليد هي التي تحدد الحقوق والواجبات وتتغير مع تغير الأعراف والتقاليد تدريجيا بصورة ضئيلة، ومع تطور البشرية وحاجة الناس لمعرفة الحقوق وحمايتها ظهرت الحاجة لتدوين الحقوق وإعلانها على الناس.

وحينما دونت الحقوق وأعلنت على الناس، ووجدت سلطة لحمايتها صار اسمها قانونا أو شريعة، وأقدم تشريع مدون ثابت عرفه البشر، هو قانون حمورابي، وحمورابي ملك بابل في القرن العشرين قبل الميلاد وقد اشتهر بقانونه الذي اكتشفته بعثة أثرية أوائل القرن العشرين بعد الميلاد في مدينة سوسن من أعمال مملكة بابل وهو منقوش على نصب حجري.

ومن أمثلة القوانين القديمة تشريعات صولون الإغريقي الذي عاش بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد (٦٤٠ ـ ٥٦٠)، وهو إلى جانب كونه شاعرا وحكيما من حكماء اليونان السبعة، وكان أيضا من السياسيين اللامعين، فقد انتخبه أهالي أثينا حاكما، فقام بإصلاحات تشريعية وإدارية، وسميت هذه التشريعات باسمه.

وفي روما صدر في عصر الجمهورية قانون الألواح الإثني عشر الشهير على أثر ثورة العوام على طبقة الأعيان في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، فقد عين مجلس الشيوخ لجنة من عشرة أعيان صرفت سنين في جمع العادات الرومانية السائدة في ذلك العصر، ثم نقش ما جمعته على اثني عشر لوحا نحاسيا اعتبرت بعبارة شيشرون نواة كل تشريع روماني لاحق، وقد حفظت معظم نصوصها في مؤلفات فقهاء الرومان لاسيما غاسيوس.

لقد امتاز قانون الألواح الاثني عشر بالقسوة، فقد نص على إعدام السارق الذي يقبض عليه متلبسا بالجريمة، وعلى جواز بيع الأب أولاده وعلى تحصيل الديون بالتنفيذ على جسم المفلس إذ أجيز للدائن أن يحبسه أو يبيعه أو يسترقه استيفاء لدينه.

ولقد اختلف مفكرو الغرب على تحديد أي مجتمع أو دولة بدأت بإعلان حقوق الإنسان.

فقد زعم الفرنسيون أنهم أول شعب أعلن حقوق الإنسان، ففي عام ١٧٨٩ حين تسلم رجال الثورة الحكم في فرنسا، ونشروا بيان حقوق الإنسان والمواطن، تحقيقا للمثل العليا والمبادئ الرفيعة التي دعا إليها الفلاسفة الفرنسيون، ثم جعلوا هذا البيان مقدمة للدستور الفرنسي عام ١٧٩١، وبذلك أضفوا عليه صبغة قانونية متميزة وقد لخصوا حقوق الإنسان في ثلاث كلمات:

الحرية، المساواة، الأخوة.

أما الأمريكان فيزعمون أنهم أصحاب حقوق الإنسان وأن الفرنسيين ليسوا سوى مقلدين لهم، وحجتهم أن وثيقة (إعلان الاستقلال) تحمل تاريخ ١٧٧٦ فهي أسبق من الثورة الفرنسية.

وقد جاء في مقدمة الوثيقة التي وضعها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية: (إننا نعد الحقائق التالية من البديهيات: خلق الناس جميعا متساوين، وقد منحهم الخالق حقوقا خاصة لا تنزع منهم: الحياة، الحرية، السعي وراء السعادة).

كما زعم البريطانيون أنهم الأسبق في ميثاق الشرف الأعظم ((الماجنا كارتا)).

لقد تمت صياغة هذا الميثاق في ١٢ حزيران ١٢١٥، وهو نص عام مكون من ثلاث وستين مادة وجهه الملك إلى العامة والخاصة في البلاد.

تنص المادة الأولى على أن الحرية ممارسة كل الحقوق والحريات، وحرية الانتخاب لكنيسة إنكلترا وكذلك منح حقوقا عديدة لكل الأشخاص الأحرار المقيمين في المملكة، وهي تقيد حق التصرف الملكي بالأموال العامة، ويعطي الميثاق في المادة ١٣ كل الحريات والتقاليد الحرة القديمة في البر والبحر لكل المدن والقرى في البلاد، كما أعطت الوثيقة ضمانات للمحاكمة والإدانة وحظرت الاعتقال والسجن ونزع الملكية والنفي، أو إعلان شخص حر خارجا عن القانون خارج محاكمة عادلة….

ويرى بعض المفكرين أن العرب سبقوا الغرب في إقرار حقوق الإنسان وذلك في حلف الفضول.

ذلك أن مكة المكرمة أضحت في الفترة التي سبقت الإسلام مركزا تجاريا هاما، وازدهرت إثر هزيمة الحبشة برئاسة أبرهة، واحتدام الصراع بين الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، وأثرى أهل مكة وتشابكت المصالح فنشأت معها أحلاف عديدة منها حلف الفضول.

يقول ابن الأثير(أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق) ويعود أصل حلف الفضول إلى نهاية القرن السادس الميلادي، حيث يروى أن يمنيا من زبيد أعطى بضاعته لرجل من بني سهم في مكة، فتخلّف الأخير عن دفع ثمن البضاعة، فصعد اليمني جبل أبي قيس واستغاث بفضلاء مكة، فسمعوا قصته واقتنعوا بحقه وذهبوا إلى التاجر المكي لإجباره على دفع ثمن البضاعة، وقد رأى المبادرون لهذا التضامن مع المظلوم أن لا تتوقف مبادرتهم عند حدث معزول قائم على احترام قواعد البيع والشراء، فقرروا التحالف على أن لا يقروا ببطن مكة ظالما (لا ينبغي إلا ذلك لِما عظم الله من حقها). فتم الاتفاق في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وكبر سنه بحضور بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد الله العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتحالفوا وتعاهدوا على (أن لا يجدوا في مكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظالمه حتى ترد مظلمته) فسمت قريش هذا الحلف حلف الفضول وشهده رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقال فيما يروى عنه (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت به في الإسلام لأجبت).

وعلى هذا يرى البعض أن هذه هي نواة أول جمعية لحقوق الإنسان في العالم.

وفي الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من وضع الدستور الفرنسي أعلن عمر بن الخطاب في ندائه المشهور يخاطب فاتح مصر وداهية العرب عمرو بن العاص فيقول له: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وقبل نداء عمر جاء الإعلان الإلهي في القرآن الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) كما قال رسول الإسلام (الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وفي منع العقوبات الجماعية التي تعم المذنب والبريء جاء القرآن الكريم ليقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى)

وقال في الوفاء بالمعاهدات (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) و(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) كما قرر القرآن الكريم أس الحكم بقوله (وأمرهم شورى بينهم) و(شاورهم في الأمر).

كما قرر القرآن الكريم تكريم الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم) وأعطاه حرية الفكر والعقيدة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وكذلك (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وكذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)

تطور حقوق الإنسان

في إعلان استقلال ما يعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت مستعمرة إنكليزية ورد ما يلي (عام ١٧٧٦):

نقرر بهذا الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقا معينة لا تنتزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة. والحكومات إنما تنشأ بين الناس لتحقق هذه الحقوق فتستمد سلطانها العادل من رضى المحكومين وموافقتهم، وكلما صارت أية حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات فمن حق الشعب أن يغيرها أو يزيلها وأن ينشئ حكومة جديدة ترسي أسسها تلك المبادئ وان تنظم سلطانها على الشكل الذي يبدو للشعب أنه أوفى من سواه لضمان أمنه وسعادته).

وفي إعلان حقوق الإنسان والمواطن (١٧٨٩) الذي أصدرته الجمعية التأسيسية ٢٦ آب ١٧٨٩ ثمرة متقدمة قدمتها الثورة الفرنسية لخير الإنسانية وتقدمها وقد جاء فيه (إن كلمة ممثلي الشعب الفرنسي اتفقت على أن تناسي حقوق الإنسان واحتقارها كانا سببين رئيسيين في إذلال الشعب وإشقائه وإلقاء بذور الفساد والفوضى في الجهاز الحكومي)، فقرروا نشر حقوق الإنسان الطبيعية وإعلانها بين جميع أفراد الشعب ليتسنى لكل مواطن معرفة حقوقه وواجبا ته.

وجاء الإعلان بسبع عشرة مادة تضمنت مبادئ في الحقوق والحريات مازال كثير من الشعوب في العالم الثالث يطمح في ممارستها.

بدأ الإعلان بالقول (يولد الناس ويعيشون أحرارا متساوين في الحقوق والفوارق الاجتماعية لا يمكن أن تبنى ألا على أساس المنفعة المشتركة).

ثم تأتي المواد الأخرى لتنص ما يلي:

(إن غاية كل هيئة سياسية هي صيانة حقوق الإنسان الطبيعية الثابتة وهذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الظلم).

وإن (الأمة هي مصدر كل سلطة)

وإن (الحرية تقوم على ممارسة كل عمل لا يضر بالآخرين…)

و(لا يمكن للقانون أن يمنع إلا الأعمال التي تضر بالمجتمع وأن القانون هو الإعراب عن إرادة المجتمع. وكل المواطنين لهم الحق في أن يشتركوا بأنفسهم أو بواسطة نوابهم في وضع القوانين) و(لا يجوز اتهام احد أو توقيفه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبحسب المراسيم المحددة فيه، ويجب أن يعاقب جميع الذين يطلبون أو يوافقون على تنفيذ أوامر غير قانونية أو ينفذونها أو يأمرون بتنفيذها) و(لا يجوز للقانون أن يفرض من العقوبات إلا ما هو ضروري بصورة لا تقبل الشك وبقدر ما يكون ذلك ضروريا بدون أي تجاوز ولا يمكن أن يجازى أحد إلا بموجب القوانين الموضوعة والمذاعة قبل وقوع المخالفة والمعمول بها بصورة قانونية) و(يعد كل شخص بريئا إلى أن تثبت إدانته) و(لا يجوز إزعاج احد بسبب آرائه حتى الدينية منها)

(وحرية تبادل الأفكار والآراء هي أثمن حق من حقوق الإنسان لذلك يحق لكل مواطن أن يتكلم ويكتب ويطبع بحرية على أن يكون مسؤولا عن إساءة استعمال هذا الحق في الأحوال المحددة في القانون.)

وأن (لجميع المواطنين الحق في أن يتثبتوا بأنفسهم أو بواسطة نوابهم من ضرورة الضرائب العامة ويقبلوا بها برضاهم، ويراقبوا استعمالها، ويحددوا معدلها ونطاق تطبيقها وكيفية جبايتها ومدتها)

و أن (الملكية الخاصة حق مقدس غير قابل للنقض فلا يجوز أن يحرم منها أحد إلا عندما تقضي بذلك المنفعة العامة الثابتة بصورة قانونية وبشرط أن يمنح مقابل ذلك تعويضا عادلا)

وأخيرا يقرر الإعلان أن (كل مجتمع لا تكون الحقوق فيه مصانة ولا يؤمن فيه فصل السلطات العامة عن بعضها يكون مجتمعا بدون دستور).

وذهب دستور ١٧٩٣ فيما يخص مقاومة الظلم إلى أبعد مما ذهب إليه إعلان الحقوق لسنة ١٧٨٩ فهذا الدستور أقر (حق الثورة) فقرر أنه عندما تنتهك الحكومة حقوق الشعب تصبح الثورة للشعب ولكل جزء منه أقدس الحقوق وألزم الواجبات (م٣٥)، وأن كل إجراء على غير ما يقتضيه القانون يعد تحكميا واستبداديا ويحق لمن يتخذ ضده بالإكراه أن يرده بالقوة (م١١)، وفي هذا الدستور إن الشعب الفرنسي يرحب بكل اللاجئين الذين يأتون إليه من البلدان الأجنبية مشردين ومنفيين من أوطانهم من أجل قضية الحرية، ولكنه يرفض أن يلجأ إليه طاغية من الطغاة.

في الإسلام

جاء اسم الإسلام من التسليم لله تعالى والمسلم هو المرء الذي أسلم وفي اللغة ((الإسلام هو الاستسلام لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض)). ومن هنا فإن الحكم في الإسلام للشريعة التي هي بمثابة القانون الذي يحكم في تعريفنا الحديث.

(والقرآن هو الدستور الأعلى الذي أعلن الحقوق ووضع القواعد الأساسية للأحكام الدينية والمدنية) التي يخضع لها الأفراد والمجتمع والدولة، والخليفة في الإسلام هو خليفة رسول الله يتولى الخلافة بمبايعة أهل الحل والعقد من المسلمين. وهكذا كان الأمر بالنسبة للخلفاء الراشدين الأربعة بعد وفاة الرسول، وبصرف النظر عن الانحراف في أسلوب الحكم بعد ذلك بتولي أسرة معينة الخلافة فإن الحاكم لا ينال شرعيته إلا بالبيعة وهي موافقة أهل الحل والعقد عليه، والإسلام لا يقر الوراثة والتوارث في نظام الحكم، على أن الخليفة في كل الأحوال مقيد في أن يتبع القرآن والسنة ولا يملك الخروج عليهما فإذا خرج عن شيء من ذلك فإن للمسلمين تقويمه، فإن لم يرجع إلى حكم الله كان للمسلمين حق مقاومته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

وقال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (أيها الناس من رأى في اعوجاجا فليقومه)، فتقدم إليه رجل وقال لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، فرد عليه عمر (الحمد لله أن كان في أمة عمر من يقوم اعوجاج عمر بالسيف.)

وخطب أبو بكر الصديق الخليفة الأول (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) وهذا اتباع لقول الرسول (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)

وقال أيضا (أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر)

والشريعة جاءت لمصلحة الناس فمن القواعد الفقهية (أن التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)

ونظرية الحكم في الإسلام تقوم على أن الحاكم وكيل عن الأمة هي التي تنصبه ومقتضى الوكالة أن يعمل الوكيل بإرادة وتوجيه الموكل، والحكم الذي أعطى الإسلام ملامحه يقوم على أساس من الشورى (وأمرهم شورى بينهم) الشورى٣٨ و(شاورهم في الأمر) آل عمران ٥٩ وأحكام الإسلام جاءت لتكريم الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء ٧٠ وفي الحديث (الإنسان بناء الله لعن الله من يهدمه)، وسأورد بعض الحقوق على سبيل المثال:

أ‌- الحق في الحياة: وينبني عليه

١- تحريم قتل النفس (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة ٣٢)

٢- تحريم الانتحار.

٣- تحريم الإذن بالقتل كأن يطلب شخص من آخر أن يقتله.

٤- تحريم المبارزة.

٥- تحريم قتل الجنين.

ب ـ تحريم التعذيب:

(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) الأحزاب ٥٨.

وفي الحديث النبوي (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا).

ج- المساواة بين الناس:

أعلن الإسلام المساواة بين الناس في القيمة الإنسانية المشتركة وفي الحقوق المدنية وشؤون المسؤولية والجزاء والحقوق العامة (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات ١١٠.

(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات ١٣. وقال الرسول في خطبة الوداع:(أيها الناس إن ربكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.)

وساوى الإسلام في الحقوق المدنية بين الرجل والمرآة واعترف لها بإنسانيتها كاملة، ومنحها الأهلية الكاملة في جميع تصرفاتها (النساء شقائق الرجال).

د- المساواة بين المسلمين وغير المسلمين

ساوى الإسلام بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع فقرر أنّ الذميين والمعاهدين في بلد إسلامي لهم ما للمسلمين من حقوق وتطبق عليهم القوانين نفسها التي تطبق على المسلمين.

هـ- الحق في الحرية:

وينبني عليه: ١- حرية العقيدة (لا إكراه في الدين) البقرة ٢٥١، و(قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف ١٩.

٢- حرية القول والتعبير: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران ١٠٤.

والحرية الفكرية هي التي كانت أساس ظهور المذاهب الفكرية المتعددة.

٣- الحرية المدنية: ويراد بها أن تكون للإنسان حرية التصرف في أموره الشخصية والمالية.

٤- الحرية السياسية: ومن مظاهرها الشورى وحق الأمة في اختيار الحاكم عن طريق البيعة والمبايعة من أهل الحق والعقد وأن الخليفة والحكام هم وكلاء الأمة ولأفرادها حق مراقبتهم ومحاسبتهم ومقاومتهم إذا جاروا في حكمهم.

٥- عدم جواز حبس المدين المعسر: (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) البقرة ٢٨٠.

و- الحق في العدل وتحريم الظلم (إن الله يأمر بالعدل) النحل ٩٠، (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء ٥٨ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء ٢٢٧، (لا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) إبراهيم ٤٢، وفي الحديث (من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله) و(إذا رأيتم الظالم ولم تأخذوا على يديه يوشك أن يعمكم الله بعذاب) (وإذا عجزت أمتي عن أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودّع منها).

ز- التكافل والتعاون والعدالة الاجتماعية:

دعا الإسلام لأن يقوم المجتمع على أسس من التوازن وفي الحديث (لا تفلح أمة لا يؤخذ للضعيف منها حقه من القوي) وقال عمر بن الخطاب في خطبة له (القوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له).

مواثيق واتفاقيات وقرارات دولية معاصرة

أولا – هيئة الأمم المتحدة – ميثاقها:

مهّد لإنشاء الأمم المتحدة وتحديد ميثاقها مواثيق وتصريحات:

١- ميثاق الأطلسي: في الرابع عشر من آب ١٩٤١ نشر روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وثيقة عرفت باسم وثيقة الأطلسي، باعتبار أنها ظهرت وهما على ظهر بارجة حربية شمال الأطلسي- تضمنت الوثيقة الأسس المشتركة لما قالا أنه أماني دولتيهما لمستقبل الجنس البشري بعد الحرب.

كانت الوثيقة في ثماني مواد منها أنهما لا يرغبان في إحداث تغييرات إقليمية لا تتفق والرغبات التي يعبر عنها سكان كل إقليم تعبيرا حرا. وأنهما يحترمان حقوق جميع الشعوب في اختيار نوع الحكومة التي يبغون العيش في ظلها، ويرغبان في رد حقوق السيادة والحكومة الذاتية إلى أولئك الذين حرموا منها بالقوة، وأعرب الرئيسان في هذه الوثيقة عن رغبتهما في أن يقوم السلام الذي يمكن كل الشعوب من العيش بأمان ضمن حدودها السياسية ويضمن تأمين الحرية لجميع الأفراد في جميع الأقطار ليحيوا حياة خالية من الخوف والفاقة.

وسنعرض في خاتمة البحث مدى التزام هاتين الدولتين بما تعهدتا به.

٢- تصريح الأمم المتحدة:

في الأول من كانون الثاني ١٩٤١ وبحضور ممثلي ٢٦ دولة منها الولايات المتحدة وإنكلترا والاتحاد السوفيتي والصين، صدر تصريح سمي تصريح الأمم المتحدة، تضمن قبولها المبادئ العامة المعلنة في ميثاق الأطلسي. وكونها مقتنعة بأن الانتصار على دول المحور (ألمانيا وايطاليا واليابان) أمر جوهري للذود عن الحياة والحرية والاستقلال، والمحافظة على الحقوق والعدالة الإنسانيتين في بلاهم، وفي البلدان الأخرى لذلك فإنها -أي الدول-تصرح باستخدام جميع مواردها العسكرية والاقتصادية ضد دول المحور وأنها لا تعقد هدنة أو صلحا منفردا معها.

 ٣- حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة:

في عام ١٩٤٤ وضع خبراء دبلوماسون من الولايات المتحدة الأمريكية وانكلترا والاتحاد السوفيتي والصين قواعد أساسية لمنظمة دولية تخلف عصبة الأمم بعد الحرب، وأسميت هذه القواعد (مقترحات دمبرتون أوكس) نسبة للمقاطعة التي وقع فيها الاجتماع بالقرب من واشنطن.

في أواخر أيام الحرب ٢٥ نيسان ١٩٤٥عقد ممثلو خمسين دولة مؤتمرا في سان فرانسيسكو وهي الدول الست والأربعون التي وضعت تصريح الأمم المتحدة ومن انضم إليه بعد ذلك، وأربع دول قبلت في المؤتمر وبتاريخ ١٦ حزيران من ذات العام وقعت الدول ميثاق الأمم المتحدة وبدأت هذه الهيئة الدولية بإحدى وخمسين دولة هي الدول الأعضاء في مؤتمر سان فرانسيسكو إضافة إلى بولندا.

وقد تضمن الميثاق النص على مبدأ احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية في مقدمته والعديد من مواده (١-١٣-٥٥-٥٦6-٦٢-٦٨-٧٦)، وابتداء من صدور هذا الميثاق لم تعد حقوق الانسان من المسائل التي تدخل في الاختصاص الداخلي للدول، بل أصبحت شأنا عالميا يدخل في صميم القانون الدولي.

ثالثا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

في العاشر من كانون الأول ١٩٤٨ أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي أصبح مرجعا أساسيا لعدد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان، وكان له أثر واضح في معظم دساتير الدول التي صدرت بعد عام ١٩٤٨.

رابعا: اتفاقيات دولية:

على الرغم من أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه دافعا في حركة العمل الهادف لاحترام الحقوق والحريات، فهو لا يتعدى كونه توصية لا قوة إلزامية له. ولذلك أعدت هيئة الأمم المتحدة اتفاقيتين وبروتوكولا، لها جميعا قوة إلزامية بوصفها معاهدات دولية، وكان تاريخ إقرارها ١٦كانون أول ١٩٦٦، وهذه الاتفاقيات هي:

١- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

٢- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

٣- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وسندرج خلاصة لهاتين الاتفاقيتين فيما يلي:

١- الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

تنص هذه الاتفاقية على الحق في العمل (م٦) بشرط وأجر عادل (م٧) وعلى حق التنظيم النقابي (م٨) والضمان الاجتماعي (م٩) وحماية الأسرة والأطفال (م١٠) وضمان الغذاء والكساء والمأوى (م١١) والإسهام في الحياة الثقافية (م١٥) والمساواة بين الرجل والمرأة (م٣).

٢- الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية:

هذه الاتفاقية تنص على حق تقرير المصير لجميع الشعوب (م١) وبالنسبة للأفراد تقرر أن لكل إنسان حقا أصيلا في الحياة، (م٦) وفي البلدان التي لم تقم بإلغاء عقوبة الإعدام لا يجوز أن يحكم بهذه العقوبة إلا على أشد الجرائم خطورة ووفقا للقوانين التي تكون سارية عند ارتكاب الجريمة (م٧) وتحظر جميع أنواع الرق والاتجار بالرقيق (م٨ /١) وتمنع السخره (م٨/٣).

وتنص الاتفاقية على أن لكل إنسان حقا في الحرية وفي الأمن على شخصه (م٩/١) وتضع الفقرة ٢ من هذه المادة قيودا على إجراءات القبض على الأشخاص. وتقرر الفقرة ٤ حق كل إنسان يتعرض للحرمان من حريته بالقبض عليه أو اعتقاله، حق التشكي لدى القضاء و(( لكل إنسان يتعرض للقبض أو للاعتقال بصورة غير قانونية حق لازم في التعويض (((م٩/٥) وتقرر المادة (١٢) حرية الإقامة والتنقل والمغادرة وحق #العودة للوطن.

والمادة ١٤ تقرر أن كل متهم بجريمة يعتبر بريئا حتى يثبت جرمه قانونا، وتقرر هذه المادة ضمانات للمحاكمة والمادة ١٥ تقرر مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات.

وعنيت المادة ١٨ بشأن الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين.

وتنص المادة (١٩/١) على أن يكون لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون أن يناله أي تعرض بسببها والفقرة ٢ بشأن حرية التعبير وحق الإعلام والمادة ٢٠ تحظر الدعوة إلى الحرب.

وتعترف المادة ٢١ بحق الاجتماع السلمي كما تنص المادة ٢٢ على حرية تكوين الجمعيات والانتماء إليها.

والمادة ٢٣ على حماية الأسرة.

والمادة ٢٥ تقرر أنه يحق ويتاح لكل مواطن دون تمييز الإسهام في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو بواسطة ممثلين مختارين بحرية. وأن يتاح له الاشتراك اقتراعا وترشيحا في انتخابات دورية صحيحة ونزيهة تجري على أساس الاقتراع العام.

وجاءت المادة (٢٦) تقرر مبدأ المساواة أمام القانون، وتفرض هذه الاتفاقية التزاما على كل دولة من الدول الأطراف فيها)) بتأمين الرجوع الجابر (أي بالتعويض) لأي شخص تنتهك حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذه الاتفاقية حتى لو صدر هذا الانتهاك عن مرتكبيه أثناء أدائهم لوظائفهم الرسمية.

وانسجاما مع التوجه العالمي فيما يتعلق بحقوق الإنسان فقد صدر إعلان حقوق الإنسان العربي الذي لم يصادق عليه حتى الآن، كما صدر ((البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام)) وأعلن بتاريخ ١٩/ ٩ / ٨١ من مقر اليونسكو في العاصمة الفرنسية باريس. وقد ضم هذا الإعلان ثلاثة وعشرين نصا، كلها قوية بسند شرعي من القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة.

إلا أن كل هذه الإعلانات لا تزال تفتقر إلى (آليات التنفيذ) التي يمكن أن تضبط ممارسة الدفاع عن حقوق الإنسان.

المنظمات والجمعيات

باتت ((حقوق الإنسان)) شعار الربع الأخير من القرن العشرين الماضي ونشطت حركة الدفاع عن هذه الحقوق منذ أواسط السبعينات نشاطا فاق كل ما سبق لهذه الحركة أن حققته منذ نشأتها، وأضحى هذا النشاط عالميا في انتشاره، غير محدود بحدّ في موضوعاته، فكل ما يخطر على البال من شأن أو فكرة أو شيء يتصل بحياة الإنسان، تحول في تيار هذا الانتشار إلى صورة من صور الحقوق الإنسانية الجديرة بالحماية.

واتجه أنصار هذه الحركة المتجددة إلى كل ركن من أركان المعمورة، ينشؤون الجماعات والجمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان، ورصد الانتهاكات والتنبيه إليها ونقدها، ونشر الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي بها وتعلن هذه الجمعيات موقفها دوريا بتقارير تنشر على الكافة، ويتلقاها المهتمون بحقوق الإنسان، مما يحفز هممهم للعمل فيما نذروا أنفسهم له، ومن الإنصاف أن يسجل هنا السبق العالمي في مجال تنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان. ففي العالم عدد غير قليل من المنظمات التي تعنى بهذا التنظيم، وتتابع قضاياه في معظم الأقطار، ومن بينها أقطار الوطن العربي ودول العالم الإسلامي فهناك منظمة العفو الدولية ومقرها العاصمة البريطانية لندن وهي من أنشط المنظمات العالمية وأوسعها انتشاراً.

ثم هناك منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، وهناك منظمة المادة ١٩ أو المركز الدولي ضد الرقابة واسمها من المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وينصب اهتمام هذه المنظمة على الكشف عن الرقابة على الرأي والمعتقدات والتعبير عنها بالكتابة والنشر والإعلام وتعنى لذلك بمناصرة ضحايا هذه الرقابة في مختلف أنحاء العالم.

وفي عام 1977 أنشئت في وزارة الخارجية الأمريكية إدارة حقوق الإنسان في مختلف دول العالم تستقي موادها من السفارات الأمريكية، ومن غيرها من المصادر، ويقدم تقريرها إلى الكونغرس الأمريكي.

وفي الولايات المتحدة أيضا يوجد منظمة محامون من أجل المحامين، وتضم هذه المنظمة المحامين المؤمنين بوجوب الدفاع عن الحقوق المهنية والإنسانية لزملائهم.

وللأمم المتحدة لجنة خاصة لحقوق الإنسان أنشئت بمقتضى المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وهناك المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها في القاهرة وثمة منظمات معنية بحقوق الإنسان في الوطن العربي بعضها محلي وبعضها غير قطري.

وأخيراً تم تأسيس جمعية حقوق الإنسان في سورية والتي مضى على تأسيسها سنة وبضعة أشهر واكتسبت الحصانة القانونية بمرور ستين يوما على تقديم طلب الشهر دون رد من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي رفضت الطلب بعد مرور اثنين وستين يوما على تقديم الطلب مما يخرج جواب الوزارة عن الإطار القانوني.

واقع حقوق الإنسان

مع إطلال القرن الثامن عشر بدأت بعض الشعوب تتخذ القرارات الهامة للتطلع إلى نظام يحمي حقوق الإنسان، فمن إعلان استقلال الولايات المتحدة إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الفرنسية، كان العالم يرنو إلى أن تسود العدالة ويعم السلام العالم وتسير البشرية في نظام تفاهمي نحو الأفضل، إلا أن المصالح غلبت على المعاني الإنسانية السامية فحصلت الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية وذهبت ملايين البشر ضحايا أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الفتاكة، وتم قتل واغتيال المدنيين والنساء والأطفال دون رحمة حتى قلنا إن البشر دخل دوامة التوحش، إلى أن تم إعلان حقوق الإنسان وبدأت الشعوب تتعافى مما ابتليت به من انحراف وحروب خاصة تلك الدول الكبرى ونشأت منظمات وهيئات كثيرة للدفاع عن حقوق الإنسان، كما قدمنا، واستبشر الناس خيرا برغم المآسي والنكوص عن إنفاذ الاتفاقات والمعاهدات الدولية فمثلا حيل بين شعبنا في فلسطين وحق تقرير المصير وفرض عليه قبول مهاجرين من كل بقاع الأرض إلى وطنه، وانقلب هؤلاء إلى إرهابيين يدمرون كل شيء، وفقد الملايين من أبنائنا في فلسطين أرضهم ومنعوا من العودة إليها كل ذلك كان مخالفة صريحة للمعاهدة المتعلقة بحقوقه المدنية والسياسية، كما حيل بين شعب كشمير وحق تقرير المصير، وتم تمزيق العالم العربي إلى دول ودويلات وإمارات، وصنعت بينها حدود مصطنعة لمنع الأمة من إعادة لحمتها، كل ذلك خلافا لجميع الاتفاقيات الدولية، وإنما تحت أسماء أخرى مثل سايكس بيكو وسواها.

واستمر المناضلون من أجل حقوق الانسان بالعمل الدؤوب، واستبشروا خيرا مع بدء فهم دول الغرب لمشكلات العالم الثالث وحقوق الإنسان فيه، ولكن وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ في نيويورك وواشنطن، وانحدرت ثانية حقوق الانسان، وتمترس المستبدون في العالم الثالث خلف متراس الارهاب، لتجري تصفية المعارضة تحت اسم القاعدة والإرهاب، وتراجعت حقوق الإنسان وانتقلت عدوى العولمة الفاسدة إلى الدول التي كانت تدعى ديمقراطية لتسن قوانين أشد وحشية من قوانين الطوارئ التي تعرفها. وتم خطف الناس بلا حساب، ووضعهم في أقفاص كما توضع الحيوانات، دون أن يتمتعوا بأي حق من حقوق الانسان.

وانفلت الوحش الأمريكي يخبط يمينا وشمالا مهددا متوعدا العراق تارة بدعوى حيازته أسلحة دمار شامل وسوريا تارة أخرى بدعوى إيواء الإرهابيين، ولم تر عينا هذا الوحش ما يفعله المجرم شارون بأسلحة أمريكية وأجهزة تعذيب غربية، وديست حقوق الانسان بل ديس الانسان نفسه.

ولا يزال العالم لم يصح بعد من هذا الكابوس المخيف.

واقع حقوق الإنسان في العالم العربي

تسيطر على العالم العربي أنظمة شمولية استبدادية تتفاوت شدة وطأتها من بلد لآخر، إلا أن الطابع العام هو الممارسة الاستبدادية، وقد يعطي نظام مثلا هامشا من الحرية ليكون متنفسا للمواطنين، وقد يسمح هذا النظام أو ذاك بصحافة تتمتع بقدر لابأس به من الحرية، بينما قد تنعدم في بلدان أخرى الصحافة الخاصة وتكون كل الصحف مملوكة للدولة وتسير وفق توجيهاتها.

وتسلط تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة رقيب الشرق الأوسط والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، الأضواء على الانتهاكات التي جرت في السابق والتي لا تزال تجري تحت أسماء ومسميات من مثل الأمن القومي والاستقرار الداخلي ومؤخرا قمع الإرهاب ومحاربة الأصولية وما سوى ذلك، ولو أردت أن أسرد الانتهاكات التي تجري في أقطارنا العربية لما وسعني وقت هذه المحاضرة، لذا فسأكتفي بتسليط الضوء على الانتهاكات التي وقعت ولا تزال تقع في سورية.

واقع حقوق الإنسان في سوريا

كما هو معروف إن لكل مشكلة سبب وأس الانتهاكات عادة تتمثل في التشريع.

– في الثامن من آذار ١٩٦٣ أعلنت حالة الطوارئ في البلاد نظرا للتغيير الذي حصل بالسلطة، ولن نناقش هنا صحة الأسباب التي دعت السلطة لإعلان حالة الطوارئ، لأن هذه المسألة تعتبر من أعمال السيادة التي تمارسها أية سلطة مالكة لزمام الحكم.

وإنما سنناقش مدى مشروعية حالة الطوارئ من الناحية الدستورية الشكلية، ومن الناحية الموضوعية، ثم نبين الآثار السيئة لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان في سورية، وخاصة لجهة الاعتقال دون محاكمة.

تستند حالة الطوارئ المعلنة منذ نحو أربعين عاما إلى المرسوم التشريعي رقم ٥١ لعام ١٩٦٢ ونصت المادة ٢ منه على ما يلي:

أ‌- تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه، على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.

ب‌- يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام المادة الخامسة منه.

وتنص المادة الخامسة ما يلي:

أ- يجوز لمجلس الوزارء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عليها في المادة السابقة عند الاقتضاء، بمرسوم يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.

ت‌-  ويجوز لهذا المجلس تضييق القيود والتدابير المشار إليها.

وقد حددت المادة الرابعة من قانون الطوارئ صلاحيات الحاكم العرفي، ولا نرى حاجة لتعدادها إلا أننا نورد ملاحظات هامة:

أ‌- إن إعلان حالة الطوارئ مستوفية بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء المجتمع برئاسة رئيس الجمهورية وذلك في الفترة السابقة لصدور الدستور الحالي لعام ١٩٧٣، وبرئيس الجمهورية منفردا في الفترة التالية لنفاذ هذا الدستور.

٣- تختص السلطة التشريعية بالمصادقة على حالة الطوارئ وإن عرض مرسوم الإعلان على مجلس النواب ليس لإعلامه فحسب، وإنما للمصادقة على المرسوم، وتعتبر مصادقة مجلس الشعب من الشروط الجوهرية لنفاذ حالة الطوارئ، لتعلقها بإدارة الشعب والنظام العام والحريات العامة.

لهذه الأسباب فإن حالة الطوارئ في سوريا تعتبر غير نافذة دستوريا مما يستتبع عدم قانونية كافة القرارات الصادرة بالاستناد إليها، وخاصة أوامر الاعتقال دون محاكمة ـ لأن ما بني على باطل فهو باطل.

الآثار السلبية لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان

إن التطبيقات الواقعية لحالة الطوارئ -غير الدستورية- قد أفرزت الآثار القانونية الخطيرة على حقوق الإنسان وهي:

١- انعدام ممارسة السلطة القضائية لأية صلاحية بصدد الاعتقالات سواء لجهة الأمر بالاعتقال أو تنفيذه، ومسؤولية التحقيق مع المعتقل، أو معاقبته، أو الإفراج عنه، فضلا عن أن ذلك يتعارض مع الفقرة ٣ من المادة ٩ من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية.

٢- حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي شخص وهو يخالف الفقرة ٤ من المادة ٩ آنفة الذكر.

٣- حجب حق الدفاع عن المعتقل أو توكيل محام للتشاور معه وبالتالي منع المحامين من ممارسة مهامهم وهذا يتعارض مع الفقرة ٧ من المادة ١٤ من الاتفاقية المذكورة.

٤- عدم نفاذ أي قرار قضائي بإلغاء الأوامر العرفية والحيلولة دون وصول المواطنين لحقوقهم.

على سبيل المثال تم إغلاق مخبر للتحاليل الطبية تحت اسم المخبر الأهلي جانب قصر العدل، وقد حصلنا على حكم ببطلان الأمر العرفي الذي تم إغلاق المخبر بالإستناد إليه، إلا أننا لم نفلح في تنفيذ هذا القرار منذ أربع سنوات.

٥- منع ذوي المعتقل من معرفة مصيره أو التهم الموجهة إليه وعدم إمكان زيارته.

في عام ١٩٨٠ صدر مرسوم تشريعي برقم ٣٢ بسط صلاحيات المحاكم الميدانية العسكرية لمحاكمة المدنيين.

ومعلوم أن المحاكم الميدانية التي من المفترض أن تكون موجودة في جميع جيوش العالم إنما ينحصر اختصاصها بمحاكمة العسكريين في أثناء الحروب أو الكوارث التي يشارك فيها قطعات من الجيش لأمور تتعلق بهذه الكوارث، وتجري هذه المحاكم محاكمات سريعة على من يتخلف عن أداء واجبه العسكري أو يفرّ من الخدمة أو يتصل بالعدو بحيث تجري له محاكمة سريعة كما يجري التنفيذ السريع حرصا على الحالة التي يكون الجيش فيها.

وفي هذه الحالة تهدر القواعد القانونية العادية وتطبق قواعد خاصة بالعسكريين، وإن في تشميل المدنيين بمحاكمتهم أمام مثل هذه المحاكم، إنما هو إهدار لحقوقهم كاملة في أن يحاكموا محاكمة عادلة أمام قضائهم العادي، وينتظروا أحكاما يكون حق الدفاع والطعن فيها ضمانة لحقوق المحاكمين.

وعن طريق هذه المحاكم الميدانية تم إعدام آلاف المواطنين في السجون دون أن يتوفر لهم الحد الأدنى من الضمانات في محاكم عادلة.

وبالتالي فإن الممارسات التي تمت بالاستناد إلى هذه المحاكم هي محاكمات باطلة ولا ترتكز على أساس قانوني سليم باعتبار أن هذه المحاكم تنظر في الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية والمرتكبة زمن الحرب.

ولقد نصت المادة ٢ من المرسوم التشريعي ١٠٩ لعام ١٩٦٨ والذي أنشئت بموجبه المحاكم الميدانية على ما يلي:

أ‌- زمن الحرب، وهو المدة التي يقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية وبين العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم.

ب‌- العمليات الحربية والأعمال أو الحركات التي يقوم بها الجيش وبعض وحداته في الحرب أو عند وقوع صدام مسلح مع العدو.

وليس عنا ببعيد الاعتقالات التي تمت في العام الماضي والتي تناولت أعضاء في مجلس الشعب وأكاديميين وأعضاء في جمعية حقوق الإنسان لمجرد الرأي وحرية التعبير مما يسلط الضوء على عقلية الأجهزة الأمنية.

تعدد الأجهزة الأمنية وتداخل اختصاصاتها

٦- معلوم أن في سوريا عدد من الأجهزة الأمنية منها شعب الأمن السياسي وإدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) وإدارة المخابرات العسكرية، ويتفرع عن كل إدارة عدد من الفروع والشعب، وتتداخل أعمال هذه الفروع مع بعضها بصورة أن كل فرع وكل إدارة تستطيع أن تمارس كل الصلاحيات، ولكل فرع مكان التوقيف الخاص به وجميع مراكز التوقيف هذه خارج صلاحية القضاء وهي لا تخضع لمراقبة النيابة العامة، ولا سلطان عليها لأية جهة كانت، وبالتالي فإن هذه الحالة تجعل من العسير ضبط الانتهاكات لحقوق الإنسان، ذلك أنه لا يزال لدينا العديد من دور التوقيف، ولا يزال يمارس حجز الحرية الاعتباطي بحق المواطنين والذين يمضي على وجودهم في هذه المراكز فترات طويلة قد تمتد لسنه دون أن يعرف مصيرهم ولا أن يتمكن ذووهم من زيارتهم، ولذلك كان لابد من جعل الاختصاص فيما يتعلق بالأمور الداخلية ـ سياسية أو حزبية مثلا تابعة للإدارة السياسية كما كان العمل عليه سابقا قبل إحداث الإدارات الأخرى وتنصرف المخابرات العسكرية وفروعها لشؤون الجيش، بينما تنصرف المخابرات العامة (أمن الدولة) للقضايا الخارجية كالتجسس وسواها.

٧-  كما هو معروف فإن لدينا مشكلة بعض سكان منطقة الجزيرة من الأكراد ((الذين لا يحملون الجنسية السورية أو أنهم كان لديهم جنسية ثم جردوا منها)).

إذ لا يجوز أن يحرم أي مواطن سوري من جنسيته سيما وأن معظم هؤلاء مولودون على الأراضي السورية، وقد اتخذ بحقهم إجراء منذ عام ١٩٨٢ حرم عليهم الحصول على تذكرة الهوية الرسمية، وأعطي قسم منهم وثيقة للتنقل داخل القطر.

إن هذا يعد انتهاكا لحقوق الإنسان، ولابد من تسوية وضع هؤلاء حتى يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم.

٨- المهجرون أو الذين اضطرتهم الظروف التي مرت بسورية بين عامي ١٩٨٠ و١٩٩٠ إلى مغادرة القطر سواء إلى البلدان العربية أم إلى الغرب وهم في الغالب لايملكون جوازات سفر ولا وثائق تثبت انتماءهم لسورية، وهؤلاء مواطنون سوريون وبقاؤهم هكذا يتعارض مع المادة (١٢) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي التزمت به سورية إثر التوقيع عليه.

٩- حق العمل: إن المحكومين الذين أفرج عنهم من السجون عقب أحكام لا سند قانوني لها يعانون من مشكلة عدم خلو وثائقهم -سجل عدلي مثلا- من عبارة غير محكوم، وإنما يجري مهر جميع وثائقهم بعبارة محكوم، وهو يشكل عائقا أمامهم بحيث تضيق فرص العمل أمامهم، كما أن الموظفين منهم قد تم صرفهم من الخدمة دون تعويض أو راتب تقاعدي، مما يتعارض مع المادة /٤١/ من العهد المدني والسياسي.

١٠- من أبسط الأمور أن يجري تأمين حقوق المواطنين بالسير على أرصفة حماية لحق الحياة، إلا أننا نجد السيارات تتكدس أمام مبنى الجبهة الوطنية التقدمية بحيث تعيق سير المواطن على الرصيف مما يضطره للسير في الطريق العام بين السيارات ويعرضه للخطر على حياته أو جسمه وهو ما يشكل افتئاتا على حقوق الإنسان، وإذا سرنا في الطرقات نجد الحفر وفتحات تنظيف المجاري مكشوفة وهذا قد أدى فيما أعلم إلى وفاة عدد من المواطنين نتيجة حوادث السير على هذه الطرقات، وقديما قال عمر بن الخطاب ((لو عثرت شاة على شاطئ دجلة لكان عمر مسؤولا عن ذلك لعدم تعبيده الطريق)) فهل أمن المواطن والذي هو مسؤولية الدولة ومن حقه عليها مضمون؟.

١١- الرقابة على الإنفاق العام: إن الهدر العام والإنفاق غير المسؤول يساهمان مساهمة فعالة في خفض مستوى المعيشة، فهل تجري فعلا الرقابة على الإنفاق الحكومي؟ وهل يجوز أن يتمتع كل مسؤول بعدد لا يحصى من وسائل النقل بينما تتكلف ميزانية الدولة ملياري ليرة سورية لتغطية نفقات المحروقات لهذا (القطيع) من السيارات التي تخدم المسؤولين وأولادهم وخدمهم؟

ولماذا على المواطن السوري العادي أن يدفع قيمة بانزين لسيارته بمعدل ١٠ في المائة من متوسط الدخل، بينما يدفع المواطن الأمريكي ذو الدخل المرتفع ما يعادل ثلاثة بالألف من دخله!

أو ليس من حق المواطن أن يسعى ليعيش حياة أكثر كرامة مما هو فيه، وعلى الأقل يستطيع أن يؤمن دخلا معقولا لأسرته!

فأين حقوق المواطن إذا كانت نسبة ٦٠ في المائة من مجموع الشعب تحت خط الفقر؟

ما هو المطلوب من نشيط حقوق الإنسان

تتنامى الحركة غير الحكومية لحقوق الإنسان بوتيرة إيجابية رغم كل العقبات التي تعترضها. وقد أصبح وجودها الشرعي والمحظور مخيفا للأجهزة القمعية، خاصة وأنها تحمل مفاهيم ثقافية جديدة تمس مباشرة كل جلاد، كرفضها لمبدأ غياب العقوبة، وربطها مفهوم المحاسبة بالمعايير الدولية، وليس فقط بالقوانين المحلية.

ورغم أن هذه الحركة محرومة حتى اليوم من مجرد الحق المشروع في الوجود في نصف الأقطار العربية إلا أنه في العديد من الأقطار، أصبحت كلمة نشطاء ترهب الحاكم أكثر مما تخيفه المعارضة السياسية لنظامه. ومن البداهة أن تنامي حركة حقوق الإنسان في غياب هذه الحقوق أو تقييدها، يعرض بالضرورة كل من يناضل في حقوق هذه الحركة لمخاطر إضافية لما يعرفه الأشخاص، تبدأ بتقييد حرية الناشط والحرمان من السفر والعمل والضغط على المحيط العائلي ومحيط العمل وتصل إلى السجن أو القتل أحيانا. وفي محاولة الرد على جملة المخاطر التي يتعرض لها النشطاء في نضالهم اليومي، خرجت منذ عام ١٩٨٠ عدة صيغ وما زال بحثنا عن إجابات على مستوى هذا التحدي.

في مجتمع أنهكه العسف، وتشربت خلاياه صيغ مختلفة للعنف والروابط العضوية قبل المدنية، وألقيت فيه تغييرات أساسية للأنسنة عبر جعل الطوارئ قانونا عاما، وليست مهمتنا كنشطاء الوصول إلى الناس لإعادة الثقة بالإنسان وحقوقه وكرامته فحسب، بل مهمتنا النضال ضد العنف والعسف، وضد تعبيرات التمييز المختلفة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

مهمتنا حماية المجتمع من عسف السلطة السياسية وإعادة بناء الألفة والتمدن ومفهوم المسؤولية العامة والخاصة للتمكن من الحديث عن مجتمع مدني. مهمتنا التأكيد على معاني التضامن من الشارع والحي إلى الصعيد العالمي كحق من حقوق الإنسان، مهمتنا إعادة الاعتبار لفكرة الحقوق، كل الحقوق ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية ومدنية وبيئية في مجتمع قطع معظم وشائج الثقة مع كل ما هو دولاتي.

مهمتنا الإجابة على عدة أسئلة مركزية عبر حركة الوعي والنضال اليومي مثل: كيف يمكن إعادة الجسور بين المنبوذين من الحياة العامة والأمل؟ كيف يمكن لعب دور صمام الأمان بين الحاكم والمحكوم لحل المشكلات الجوهرية بينهما خارج إطار العسف من فوق وردود الأفعال من تحت، كيف يمكن المحافظة على الحق في الحلم باعتباره مفتاح الإبداع والتغيير وليس مجرد سذاجة طوباوية يتمتع بها بعض المغفلين؟ قبيل أي تعريف، تتوارد كما هو واضح على الذهن جملة الدوافع التي زجت بكل واحد منا إلى عالم حقوق الإنسان بكل ما فيه من معالم قوة ومظاهر ضعف. وأثناء كل محاولة تعريف، تبرز الشفافية كمسألة مركزية في نضالنا.

لأن ثروتنا تقوم على حبائل الثقة المتبادلة مع من تدافع عنهم. وخلافا لظاهر الأمور، فإن الشعبية ليست بالنسبة للنشطاء غاية في ذاتها! كون مهمتنا الدفاع عن الفرد الواحد وعن الأقلية وعن الضحية وعن قضايا خاسرة أحيانا من وجهة نظر الرأي العام.

وكقضية مبدأ أولا، وبسبب حساسيتها الفائضة وضعف تأصلها في الثقافة المحلية ثانيا، لا تحتمل حركتنا محاولات توظيفها كمنطقة نفوذ لطرف ما أو استعمالها وسيلة ضغط ضد طرف ما أو الركوب عليها في مشروع سلطة ما.

وإذا ما حاولنا الجمع بين لغة عالمية وخطاب حقوقي، يمكننا أن نعتبر تعريف مؤتمر لونه (١٩٩٧) للدفاع عن النشطاء مرجعا مشتركا اليوم لعدد كبير من النشطاء في العالم ((وهو الشخص الذي يخاطر أو يعاني من اعتداء أو يكون ضحية أو يقصد وضعا بسبب دفاعه عن الحقوق كما هو معبر عنها في المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، سواء بشكل فردي أو عبر عمل منظم مع الآخرين، بهدف تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للآخرين)).

وإن كان ثمة حرص على تعريف مشترك للمدافعين عن حقوق الإنسان فإن الغاية من هكذا تعريف التوصل إلى صيغ تضمن للمدافعين أولا التمكن من القيام بواجبهم والثاني تأمين الحد الأدنى من الحماية لهم.

عندما نتحدث عن حماية نشطاء حقوق الإنسان، فمن نافلة القول أن هؤلاء لايطلبون أن تحاط تحركاتهم بمواكب الدراجات النارية، أو أن تخصص لهم الدولة سيارات مصفحة. إن كل ما في الأمر هو أن عمل النشيط يتطلب وضعا خاصا، وكما يطالب الجراح بتوفير شروط عمل مقبولة تؤمن الحماية المزدوجة له وللمريض، يطالب النشطاء بإزالة الحواجز التي تجعل منهم لمجرد الدفاع عن حقوق الآخرين هدفا للعسف، ودفع ما يحول دون قيامهم بواجبهم ووضع حد للمضايقات والإجراءات التعسفية التي تتخذها السلطات تجاههم باعتبارهم نشطاء ولقيامهم بواجبهم.

إن كون مهمة النشيط تتعدى مجرد تمتعه أو مطالبته الذاتية بالتمتع بالحقوق والحريات المعترف عليها دوليا وإنما حماية حقوق كل شخص يعيش في نطاق نشاطه الحيوي تجعل منه عرضة للخطر أكثر من غيره)) وللتمكن من الدفاع عن الآخرين لابد من وضع خاص، فيما يتعارف عليه البشر منذ آلاف السنين سواء في حصانة من يقوم بالمراسلات في أيام الحرب أو الحصانة الدبلوماسية أو الـ… الخ

من هنا مطالبتنا بما يسمى (الحصانة الإنسانية) التي تسمح لنا بممارسة أفضل لمهامنا.

ومقابل هذا الطلب هناك التزام أخلاقي وحقوقي لعدم إساءة استعمال كلمة النشيط باحترام عدد من القواعد الأساسية:

فكل امتياز يمكن أن يستعمل بشكل سيء، فمثلا هناك (نشطاء) أعضاء في حزب سياسي لا ينسجم في برنامج دعوته مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ويتخذ من حركتنا ستارا لنشاطاته، وهناك من يسرق أو يوظف المبادئ لغايات سيئة.

هنا علينا أن نكون أكثر الناس صدقا مع النفس، وعدم اتباع سياسة ((انصر أخاك))، بل على العكس، وكما تسحب السلطة التشريعية عن النائب حصانته لإخلاله بالقوانين العامة، توضح حركتنا كل خلل في صفوفها من هذا النوع وبسحب ثقتها من كل من استعمل هذه الثقة بشكل يسيء للجميع، وذلك لضمان حماية المخلصين والشرفاء، كذلك علينا باستمرار توضيح طابع وسبب أي اعتداء على الأشخاص العاملين في مجال حقوق الانسان وفيما إذا كان بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة مع نضاله وعمله.

إن مطالبتنا بالحصانة الإنسانية، تنبع من حرصنا على تقديم أكبر عون للضحايا في ظروف مقبولة تسمح للنشيط بعطاء أفضل.  

النص الكامل للتحميل مرفق بصيغة  (word) و(pdf)

هيثم المالح