لغة المصالح لا تغني عن لغة القوة

أين حصيلة سبعين سنة وزيادة لطلب صداقة التبعية لواشنطن؟

رأي – أعطوني مثالا واحدا عن قضية وجدت دعما أمريكيا لجانب الحق والعدالة فيها انطلاقا من مفعول الصداقة والمصالح

0 36
٥:٥٠ دقيقة

رأي

شاركت مؤخرا في ندوة حوارية متميزة بسعة اطلاع المشاركين فيها ومستوى منهجية عطاءاتهم حول طوفان الأقصى وتداعياته، وكان لي في التعقيبات نصيب متواضع، فكان مما ذكرته في البداية، أننا لا نواجه عدوانا إسرائيليا بدعم غربي كبير، بل بين أيدينا من الأصل (جولة عدوانية غربية جديدة، ضد فلسطين والعرب والمسلمين، وهي بزعامة أمريكية مباشرة، وبمشاركة غربية واسعة، أما الإسرائيليون فهم عنوان الأداة التنفيذية، باعتبار الكيان الإسرائيلي ثكنة غربية متقدمة في قلب المنطقة العربية والإسلامية).

وكان من الحضور الذين شاركوا في النقاش دبلوماسي عربي بمرتبة سفير، فاعترض على هذا الطرح، إنما لم يذكر في بيان أسباب اعتراضه شيئا يتعلق:

بالمشاركة العسكرية الأمريكية، الفورية، المفتوحة، من خلال قوات النخبة / الدلتا..

ومن خلال زيارات المسؤولين الفورية والمتوالية..

ومن خلال مشاركة كبار العسكريين في غرفة العمليات الحربية الإسرائيلية، وفي بعض لقاءات مجلس الحرب الإسرائيلي..

ومن خلال حاملة الطائرات، والبوارج، والجسر الجوي لنقل ألوف الأطنان من العتاد والذخيرة..

ثم تبنّي الطرح العدواني الإسرائيلي، في غزة والضفة، بما في ذلك تبرير همجية الحصار عبر الحرمان من مقومات الحياة وقصف المستشفيات والبنية التحتية للماء والوقود والكهرباء والاتصالات..

ثم من خلال الدور الأمريكي في الحيلولة دون قرار أممي يدعو لوقف إطلاق النار، ناهيك عن أن يفرض ذلك فرضا..

ثم ممارسة الضغوط على حكومات عربية لتقبل الهدف الأكبر والأخطر من الحرب، أي التشريد والتهجير تحت طائلة التهديد بإبادة جماعية والشروع في تنفيذ ذلك.

كل هذا ليس عدوانا أمريكيا مباشرا، فمتى يكتسب العدوان هذه التسمية إذن؟

٠ ٠ ٠

كذلك لم يميز اعتراض السفير الكريم الموقفَ الغربي البلجيكي أو الأسباني دون القدرة على تجاوز المواقف والممارسات الغربية، من جنس الموقف الأمريكي، أي مواقف ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وهو ما كان يسمح لو فعل، بوضع محددات للمقصود بوجود جولة عدوانية غربية بزعامة أمريكية.

ولكن تحدث السفير عن ضرورة انفتاحنا واستعدادنا للتعامل بلغة المصالح؛ ولم أستطع أن أجد أي جديد يمكن أن يضاف في هذا السياق إلى ما سبق وكان من المبادرات الأولى لما يسمى التطبيع، إلى مبادرة فاس الجماعية للسلام، وحتى محطات مدريد وأوسلو، ثم مبادرة قمة بيروت للسلام ،المطروحة حتى الآن، ناهيك عن قفزات التطبيع الأخيرة وإفرازات ما سمي صفقة القرن.

ما الذي ينبغي على حكومات بلادنا أن تقدمه بعد، بلغة الديبلوماسية والمصالح؟

يوجد على أي حال ما يعف القلم واللسان عن ذكره هنا من أشكال التقرب والتبعية بين أقدام الدولة الأمريكية العتيدة.

ولكن نتساءل باللغة الديبلوماسية والمصلحية: ما الذي حصل عليه أصحاب الحق في فلسطين ومجموع المنطقة من حولها، من جانب الأمريكيين أو الغربيين عموما، بحيث يتحرر ولو جزء صغير من تراب فلسطين، الذي قامت عليه وعلى دماء أهله موجات الاغتصاب والتوسع الإسرائيلية، في فترات الحرب وفترات السلم على السواء، بدعم غربي أمريكي مباشر أو مع تصريحات شعبوية حول القلق والغضب وغير ذلك مما قد يصلح لخشبات المسارح، وليس للتعامل مع نزيف قضايا الحق والعدالة والقانون والإنسانية.

بل هذا ديدن سياسات الهيمنة الأمريكية مع العرب وغير العرب ومع قضايا الحق والعدالة جميعا وليس مع قضية فلسطين فحسب، ومن أراد الاعتراض فليعترض، ولنتغافل معه عن هيروشيما وفيتنام وأفغانستان والعراق، ولكن أعطوني أيها الديبلوماسيون والسياسيون العرب ومن يتبعكم جميعا، أعطوني ولو مثالا واحدا عن قضية، أي قضية، وجدت دعما أمريكيا فعالا، انطلاقا من أرضية الصداقة والمصالح، وليس بالإكراه عبر ثغرات تبدل موازين القوة، وأحيانا عبر تقلب خطوط الجغرافيا السياسية عالميا.

كلا.. لم نحصل على شيء خلال عشرات السنين الماضية، ولن نحصل، ما لم نفرض وجودنا ومصالحنا ومطالبنا فرضا، كما يصنع سوانا في أنحاء العالم، وإلى ذلك الحين نتواصل مع نخب من أهل الغرب تعترض معنا على السياسات الأمريكية، فننفتح عليها وعلى تجاوبها مع عدالة قضايانا، دون أن تطالبنا بالخضوع الديبلوماسي والمصلحي، أو سوى ذلك من أشكال الخضوع، لمن يقصف أهلنا من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ويقصف أرضنا ومقدساتنا في فلسطين وسواها.

وأستودعكم الله القوي العزيز ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب